[171] - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الْقَيْسِيُّ ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ رَقَبَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ : قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : إِنَّ نَوْفًا يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى الَّذِي ذَهَبَ يَلْتَمِسُ الْعِلْمَ ، لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، قَالَ : أَسَمِعْتَهُ يَا سَعِيدُ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : كَذَبَ نَوْفٌ .
[172] حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّهُ بَيْنَمَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي قَوْمِهِ يُذَكِّرُهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ، وَأَيَّامُ اللَّهِ نَعْمَاؤُهُ وَبَلَاؤُهُ ، إِذْ قَالَ : مَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ رَجُلًا خَيْرًا وَأَعْلَمَ مِنِّي قَالَ : فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ ، إِنِّي أَعْلَمُ بِالْخَيْرِ مِنْهُ أَوْ عِنْدَ مَنْ هُوَ ، إِنَّ فِي الْأَرْضِ رَجُلًا هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ ، قَالَ : يَا رَبِّ فَدُلَّنِي عَلَيْهِ ، قَالَ : فَقِيلَ لَهُ : تَزَوَّدْ حُوتًا مَالِحًا فَإِنَّهُ حَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ ، قَالَ : فَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ ، فَعُمِّيَ عَلَيْهِ ، فَانْطَلَقَ وَتَرَكَ فَتَاهُ ، فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمَاءِ ، فَجَعَلَ لَا يَلْتَئِمُ عَلَيْهِ ، صَارَ مِثْلَ الْكُوَّةِ ، قَالَ : فَقَالَ فَتَاهُ : أَلَا أَلْحَقُ نَبِيَّ اللَّهِ فَأُخْبِرَهُ ، قَالَ : فَنُسِّيَ فَلَمَّا تَجَاوَزَا ، قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا قَالَ : وَلَمْ يُصِبْهُمَا نَصَبٌ حَتَّى تَجَاوَزَا ، قَالَ : فَتَذَكَّرَ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا فَأَرَاهُ مَكَانَ الْحُوتِ ، قَالَ : هَا هُنَا وُصِفَ لِي ، قَالَ : فَذَهَبَ يَلْتَمِسُ فَإِذَا هُوَ بِالْخَضِرِ مُسَجًّى ثَوْبًا مُسْتَلْقِيًا عَلَى الْقَفَا ، أَوْ قَالَ : عَلَى حَلَاوَةِ الْقَفَا ، قَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، فَكَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ ، قَالَ : وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا مُوسَى ، قَالَ : وَمَنْ مُوسَى ؟ قَالَ : مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، قَالَ : مَجِيءٌ مَا جَاءَ بِكَ ؟ قَالَ : جِئْتُ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا شَيْءٌ أُمِرْتُ بِهِ أَنْ أَفْعَلَهُ إِذَا رَأَيْتَهُ لَمْ تَصْبِرْ ، قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ : انْتَحَى عَلَيْهَا ، قَالَ لَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام : أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ قَالَ : فَانْطَلَقَ إِلَى أَحَدِهِمْ بَادِيَ الرَّأْيِ فَقَتَلَهُ ، فَذُعِرَ عِنْدَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ذَعْرَةً مُنْكَرَةً ، قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ هَذَا الْمَكَانِ : رَحْمَة اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى لَوْلَا أَنَّهُ عَجَّلَ لَرَأَى الْعَجَبَ ، وَلَكِنَّهُ أَخَذَتْهُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَمَامَةٌ ، قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا وَلَوْ صَبَرَ لَرَأَى الْعَجَبَ ، قَالَ : وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ " رَحْمَة اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى أَخِي " كَذَا رَحْمَة اللَّهِ عَلَيْنَا ، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ لِئَامًا ، فَطَافَا فِي الْمَجَالِسِ فَاسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ وَأَخَذَ بِثَوْبِهِ قَالَ : سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ، فَإِذَا جَاءَ الَّذِي يُسَخِّرُهَا وَجَدَهَا مُنْخَرِقَةً فَتَجَاوَزَهَا ، فَأَصْلَحُوهَا بِخَشَبَةٍ ، وَأَمَّا الْغُلامُ فَطُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا ، وَكَانَ أَبَوَاهُ قَدْ عَطَفَا عَلَيْهِ ، فَلَوْ أَنَّهُ أَدْرَكَ أَرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ، فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ .
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ح . وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى كِلَاهُمَا عَنْ إِسْرَائِيلَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ نَحْوَ حَدِيثِهِ .
[173] - وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ : لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا
قَوْلُهُ : ( كَذَبَ نَوْفٌ ) هُوَ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ خِلَافَ مَا هُوَ ، عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ ، وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَعُمِّيَ عَلَيْهِ ) وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ ، وَفِي بَعْضِهَا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ ، وَفِي بَعْضِهَا بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ .
[15/525] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مِثْلُ الْكَوَّةِ ) بِفَتْحِ الْكَافِ ، وَيُقَالُ : بِضَمِّهَا وَهِيَ الطَّاقُ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى .
قَوْلُهُ : ( مُسْتَلْقِيًا عَلَى حُلَاوَةِ الْقَفَا ) هِيَ وَسَطُ الْقَفَا ، وَمَعْنَاهُ لَمْ يَمِلْ إِلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ ، وَهِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا ، أَفْصَحُهَا الضَّمُّ ، وَمِمَّنْ حَكَى الْكَسْرَ صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ ، وَيُقَالُ أَيْضًا ( حَلَاوًا ) بِالْفَتْحِ ، ( وَحُلَاوَى ) بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ ، ( وَحَلْوَاءُ ) بِالْمَدِّ .
قَوْلُهُ : ( مَجِيءُ مَا جَاءَ بِكَ ) قَالَ الْقَاضِي : ضَبَطْنَاهُ " مَجِيءُ " مَرْفُوعٌ غَيْرُ مَنَوَّنٍ عَنْ بَعْضِهِمْ ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ مَنُوَّنًا . قَالَ : وَهُوَ أَظْهَرُ ، أَيُّ أَمْرٍ عَظِيمٍ جَاءَ بِكَ ؟
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( انْتَحَى عَلَيْهَا ) أَيِ اعْتَمَدَ عَلَى السَّفِينَةِ ، وَقَصَدَ خَرْقَهَا . وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّظَرِ فِي الْمَصَالِحِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأُمُورِ ، وَأَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتْ مَفْسَدَتَانِ دُفِعَ أَعْظَمُهُمَا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا ، كَمَا خَرَقَ السَّفِينَةَ لِدَفْعِ غَصْبِهَا وَذَهَابِ جُمْلَتِهَا .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَانْطَلَقَ إِلَى أَحَدِهِمْ بَادِيَ الرَّأْيِ فَقَتَلَهُ ) بَادِئُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ . فَمَنْ هَمَزَهُ مَعْنَاهُ أَوَّلُ [15/526] الرَّأْيِ وَابْتِدَاؤُهُ أَيِ انْطَلَقَ إِلَيْهِ مُسَارِعًا إِلَى قَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ . وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ فَمَعْنَاهُ ظَهَرَ لَهُ رَأْيٌ فِي قَتْلِهِ مِنَ الْبَدْءِ ، وَهُوَ ظُهُورُ رَأْيٍ لَمْ يَكُنْ . قَالَ الْقَاضِي : وَيُمَدُّ الْبَدْءُ وَيُقْصَرُ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رَحْمَة اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى قَالَ : وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ " رَحْمَة اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى أَخِي كَذَا رَحْمَة اللَّهِ عَلَيْنَا ) قَالَ أَصْحَابُنَا : فِيهِ اسْتِحْبَابُ ابْتِدَاءِ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ فِي الدُّعَاءِ وَشِبْهِهِ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ ، وَأَمَّا حُظُوظُ الدُّنْيَا فَالْأَدَبُ فِيهَا الْإِيثَارُ وَتَقْدِيمُ غَيْرِهِ عَلَى نَفْسِهِ .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِابْتِدَاءِ فِي عُنْوَانِ الْكِتَابِ ، فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ كَثِيرُونَ مِنَ السَّلَفِ وَجَاءَ بِهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِنَفْسِهِ ، فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ ، فَيُقَالُ : مِنْ فُلَانٍ إِلَى فُلَانٍ ، وَمِنْهُ حَدِيثُ كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ " وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : يَبْدَأُ بِالْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ ، فَيَقُولُ : إِلَى فُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ قَالُوا : إِلَّا أَنْ يَكْتُبَ الْأَمِيرُ إِلَى مَنْ دُونَ ، أَوِ السَّيِّدُ إِلَى عَبْدِهِ ، أَوِ الْوَالِدُ إِلَى وَلَدِهِ وَنَحْوُ هَذَا .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَكِنْ أَخَذْتُهُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَمَامَةً ) هِيَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ اسْتِحْيَاءً لِتَكْرَارِ مُخَالَفَتِهِ ، وَقِيلَ : مَلَامَةً ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ .
قَوْلُهُ : ( وَأَمَّا الْغُلَامُ فَطُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا ) قَالَ الْقَاضِي : فِي هَذَا حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ لِصِحَّةِ أَصْلِ مَذْهَبِهِمْ فِي الطَّبْعِ وَالرَّيْنِ وَالْأَكِنَّةِ وَالْأَغْشِيَةِ وَالْحُجُبِ وَالسَّدِّ ، وَأَشْبَاهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي الشَّرْعِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُلُوبِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ ، وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا ضِدَّ الْإِيمَانِ ، وَضِدَّ الْهُدَى ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا قُدْرَةَ لَهُ إِلَّا مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَيَسَّرَهُ لَهُ ، وَخَلَقَهُ لَهُ ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ لِلْعَبْدِ فِعْلًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ ، وَقُدْرَةً عَلَى الْهُدَى وَالضَّلَالِ ، وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، وَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ ، وَأَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ نِسْبَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَصْحَابِهَا وَحُكْمُهُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ ، وَقَالَتْ [15/527] طَائِفَةٌ مِنْهُمْ : مَعْنَاهَا خَلَقَهُ عَلَامَةً لِذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ .
وَالْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ، وَهُمْ يُسْأَلُونَ وَكَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الذَّرِّ : " هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي ، وَهَؤُلَاءِ لِلنَّارِ ، وَلَا أُبَالِي " فَالَّذِينَ قَضَى لَهُمْ بِالنَّارِ طَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ، وَخَتَمَ عَلَيْهَا ، وَغَشَّاهَا ، وَأَكَنَّهَا ، وَجَعَلَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهَا سَدًّا ، وَمِنْ خَلْفِهَا سَدًّا وَحِجَابًا مَسْتُورًا ، وَجَعَلَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ، وَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضًا لِتَتِمَّ سَابِقَتُهُ فِيهِمْ ، وَتَمْضِي كَلِمَتُهُ ، لَا رَادَّ لِحُكْمِهِ ، وَلَا مُعَقِّبَ لِأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ . وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .
وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ : أَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَأَنَّ فِيهِمْ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ : الصَّحِيحُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ ، وَالثَّانِي فِي النَّارِ ، وَالثَّالِثُ يَتَوَقَّفُ عَنِ الْكَلَامِ فِيهِمْ ، فَلَا يَحْكُمُ لَهُمْ بِشَيْءٍ ، وَتَقَدَّمَتْ دَلَائِلُ الْجَمِيعِ . وَلِلْقَائِلَيْنِ بِالْجَنَّةِ أَنْ يَقُولُوا فِي جَوَابِ هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ عَلِمَ اللَّهُ لَوْ بَلَغَ لَكَانَ كَافِرًا .
قَوْلُهُ : ( وَكَانَ أَبَوَاهُ قَدْ عَطَفَا عَلَيْهِ فَلَوْ أَدْرَكَ أَرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ) أَيْ حَمَلَهُمَا عَلَيْهِمَا ، وَأَلْحَقَهُمَا بِهِمَا . وَالْمُرَادُ بِالطُّغْيَانِ هُنَا الزِّيَادَةُ فِي الضَّلَالِ . وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ دَلَائِلِ مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا كَانَ ، وَبِمَا يَكُونُ ، وَبِمَا لَا يَكُونُ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ . وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ نَـزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا الْآيَةَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا قِيلَ : الْمُرَادُ بِالزَّكَاةِ الْإِسْلَامُ ، وَقِيلَ : الصَّلَاحُ . وَأَمَّا الرُّحْمُ فَقِيلَ : مَعْنَاهُ الرَّحْمَةُ لِوَالِدَيْهِ وَبِرُّهُمَا ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ يَرْحَمَانِهِ . قِيلَ : أَبْدَلَهُمَا اللَّهُ بِنْتًا صَالِحَةً ، وَقِيلَ : ابْنًا حَكَاهُ الْقَاضِي .