باب التشبيه
حدثنا أبي، وأحمد بن يحيى بن زهير قالا: حدثنا يحيى بن حكيم المقوم، حدثنا حماد بن مسعدة، عن سليمان التيمي، عن أنس، عن أم سليم: أنها كانت في نسوة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وسائق يسوق بهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يا أنجشة رويدا سوقك بالقوارير .
حدثنا ابن قضاء ، حدثنا أبو الربيع الزهراني ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس ، قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره ، وغلام أسود يقال له أنجشة يحدو ، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( يا أنجشة رويدا ، سوقك بالقوارير ).
قال أبو محمد : يقول صلى الله عليه وسلم : اجعل [1/128] سيرك على مهل ، فإنك تسير بالقوارير، فكنى عن ذكر النساء بالقوارير ، شبههن بها لرقتهن ، وضعفهن عن الحركة .
ورويد : تصغير رود . والرود : مصدر فعل الرائد ، وهو المبعوث ، ولم يستعمل في معنى المهلة في السير والحركة إلا مصغرا منونا . ومعناه أرود .
وذكر صاحب كتاب العين : أنه إن أريد به ترديد الوعيد لم ينون، وأنشد ( من الطويل ) :
رويد تصاهل بالعراق جيادنا
كأنك بالضحاك قد قام نادبه
وهذا قول أكثر العلماء ، أعني أنه كنى بالقوارير عن ذكر النساء ، وهو قول أبي عبيد . وقال آخرون : معناه : سقهن كسوقك بالقوارير .
والتشبيه تشبيهان : مطلق ومقيد . فالمطلق : أن يسمى الشيء باسم ما أشبهه ، أو يجعل له فعله بعينه ، كما سميت النساء قوارير؛ لأنهن أشبهنها بالرقة واللطافة وضعف البنية . والمقيد : أن يظهر حرف التشبيه فيقول : كالقوارير ، أو مثل القوارير ، أو كأنهن القوارير ، وفي التنزيل : وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فجاء مطلقا ومقيدا . وقال : كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ، و كأنهم لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ ، وهذا وأشباهه من المقيد ومن المطلق وقوله : وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ
[1/129] فأوجب مرور السحاب للجبال وهما متغايران، وقال الشاعر ( من الكامل ) :
النشر مسك والوجوه دنا
نير وأطراف الأكف عنم
واعتل بعض الفقهاء بقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : ( ذكاة الجنين ذكاة أمه ) بهذا المعنى ، ونصب الهاء من قوله : ( ذكاة أمه ) قال : ومعناه ذكاته كذكاة أمه ، ولو تركتها مرفوعة على هذا التعليل لصح الاعتبار.
حدثنا أبو خليفة، حدثنا شعيب، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حماد عن علي بن زيد بن جدعان، عن خالد بن الحويرث، عن عبد الله بن عمرو، أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: الآيات خرزات منظومات في سلك إذا انقطع السلك اتبعها بعضها بعضا ".