[1/263] كَتَمٌ : روى البخاري في ( صحيحه ) : عن عثمان بن عبد الله بن مَوْهَب ، قال : " دخلنا على أُمِّ سَلَمة - رضي الله عنها - فأخرجت إلينا شعَرا من شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو مخضوبٌ بالحِنَّاء والكَتَمِ " .
وفي ( السنن الأربعة ) : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إنَّ أحسنَ ما غيَّرْتُم به الشَّيْبَ الحِنَّاءُ والكَتَمُ " .
وفي ( الصحيحين ) : عن أنس - رضي الله عنه - أنَّ أبا بكر - رضي الله عنه - اختَضب بالحِنَّاءِ والكَتَمِ .
وفي ( سنن أبي داود ) : عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : " مَرَّ على النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ قد خَضَبَ بالحِنَّاء ، فقال : ما أحْسَنَ هذا ؟ ، فمرَّ آخرُ قد خَضَبَ بالحِنَّاءِ والكَتَم ، فقال : هذا أحسنُ من هذا ، فمرَّ آخَرُ قد خَضَبَ بالصُّفرة ، فقال : هذا أحسنُ من هذا كُلِّهِ . "
قال الغافِقي : الكَتَمُ نبتٌ ينبُت بالسهول ، ورقُه قريب مِن ورق الزَّيْتون ، يعلُو فوقَ القامة ، وله ثمر قَدْرَ حَبِّ الفُلفُل ، في داخله نوى ، إذا رُضِخَ اسودَّ ، وإذا استُخرجَتْ عُصارة ورقه ، وشُرِبَ منها قدرُ أُوقية ، قَيَّأَ قيئا شديدا ، وينفع عن عضة الكلب . وأصلُه إذا طبِخَ بالماء كان منه مِدادٌ يُكتب به .
وقال الكِندي : بزر الكَتَم إذا اكتُحِلَ به ، حلَّل الماء النازل في العين وأبرأها .
وقد ظن بعض الناس أنَّ الكَتَمَ هو الوَسْمة ، وهي ورق النِّيل ، وهذا وهَمٌ ، فإن الوَسْمة غير الكَتَم . قال صاحب ( الصحاح ) : ( الكَتَم بالتحريك : نبت يُخلط بالوَسْمة يُختضَب به . قيل : والوَسْمة نباتٌ له ورق طويل يَضرِبُ لونه إلى الزرقة أكبرُ من ورق الخِلاف ، يُشبه ورق اللُّوبيا ، وأكبرُ منه ، يُؤتى به من الحجاز واليمن .
فإن قيل : قد ثبت في ( الصحيح ) عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال : لم يختضِب النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قيل : قد أجاب أحمد بن حنبلٍ عن هذا وقال : قد شَهِدَ به غيرُ أنس - رضي الله عنه - على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خَضَبَ . وليس مَنْ شَهِدَ بمنزلة مَن لم يشهدْ ، فأحمدُ أثبتَ خِضاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه جماعة من المحدِّثين ، ومالك أنكره .
[1/264] فإن قيل : قد ثبت في ( صحيح مسلم ) النهي عن الخِضاب بالسواد في شأن أبي قُحافةَ لمَّا أُتي به ورأسُه ولحيتُه كالثَّغَامة بياضا ، فقال : " غَيِّرُوا هذا الشَّيْبَ وجَنِّبُوهُ السَّوَاد " . والكتمُ يُسَوِّد الشعرَ .
فالجواب من وجهين :
أحدهما : أنَّ النهي عن التسويد البحت ، فأمَّا إذا أُضيف إلى الحِنَّاء شيء آخرُ ، كالكَتَم ونحوه ، فلا بأس به ، فإنَّ الكَتَمَ والحِنَّاء يجعل الشعر بيْن الأحمر والأسود بخلاف الوَسْمة ، فإنها تجعلُه أسود فاحما ، وهذا أصح الجوابين .
الجواب الثاني : أنَّ الخِضَاب بالسَّوَاد المنهي عنه خِضابُ التدليس ، كخِضاب شعر الجارية ، والمرأةِ الكبيرة تغرُّ الزوج ، والسيدَ بذلك ، وخِضَاب الشيخ يَغُرُّ المرأةَ بذلك ، فإنه من الغش والخِداع ، فأما إذا لم يتضمن تدليسا ولا خِداعا ، فقد صحَّ عن الحسن والحسين - رضي الله عنهما - أنهما كانا يخضِبان بالسَّواد ، ذكر ذلك ابن جرير عنهما في كتاب ( تهذيب الآثار ) ، وذكره عن عثمان بن عفان ، وعبد الله بن جعفر ، وسعد بن أبي وقاص ، وعُقبةَ بن عامر ، والمغيرة بن شعبة ، وجرير بن عبد الله ، وعمرو بن العاص ، وحكاه عن جماعة من التابعين ، ومنهم : عمرو بن عثمان ، وعلي بن عبد الله بن عثمان ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعبد الرحمن بن الأسود ، وموسى بن طلحة ، والزُّهْري ، وأيوب ، وإسماعيل بن معدي كرب . وحكاه ابن الجوزي عن محارب بن دِثار ، ويزيد ، وابن جُريج ، وأبي يوسفَ ، وأبي إسحاق ، وابن أبي ليلى ، وزياد بن عَلاقة ، وغَيلان بن جامع ، ونافع بن جُبير ، وعمرو بن علي المُقَدَّمي ، والقاسم بن سلام .