سِوَاكٌ : في ( الصحيحين ) عنه - صلى الله عليه وسلم - : " لَوْلا أن أَشُقَّ على أُمَّتي لأَمَرْتُهُمْ بالسِّواكِ عند كُلِّ صلاةٍ " .
وفيهما : أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قامَ من اللَّيل يَشُوصُ فَاهُ بالسِّوَاكِ .
وفي ( صحيح البخاري ) تعليقا عنه - صلى الله عليه وسلم - : " السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِِ ، مَرْضَاةٌ للرَّبِّ " .
وفي ( صحيح مسلم ) : أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دَخَلَ بيته ، بدأ بِالسِّوَاكِ .
والأحاديثُ فيه كثيرة ، وصَحَّ عنه من حديث أنه استاك عند موته بسواك عبد الرحمن بن أبي بكر ، وصَحَّ عنه أنه قال : " أكْثَرْتُ عَلَيْكُم في السِّوَاكِ " .
وأصلح ما اتُخِذَ السِّواكُ من خشب الأراك ونحوه ، ولا ينبغي أن يُؤخذ من شجرة مجهولة ، فربما كانت سُما ، وينبغي القصدُ في استعماله ، فإن بالغ فيه ، فربما أذهب طَلاوةَ الأسنان وصقالتها ، وهيأَها لقبولِ الأبخرة المتصاعدة من المَعِدَة والأوساخ ، ومتى استُعمل باعتدال ، جلا الأسنان ، وقوَّى العمود ، وأطلق اللِّسَان ، ومنع الحَفَر ، وطيَّب النَّكهة ، ونقَّى الدِّمَاغ ، وشَهَّى الطَّعام .
[1/234] وأجود ما استُعمل مبلولا بماء الورد ، ومن أنفعه أُصولُ الجَوْز . قال صاحب ( التيسير ) : ( زعموا أنه إذا استاك به المستاك كلَّ خامسٍ من الأيام ، نقَّى الرأس ، وصفَّى الحواسَّ ، وأحَدَّ الذهنَ )
وفي السِّوَاك عدة منافع : يُطيِّب الفم ، ويشد اللِّثَةَ ، ويقطع البلغم ، ويجلو البصرَ ، ويُذهب بالحَفَر ، ويُصحُّ المَعِدَة ، ويُصفّي الصوت ، ويُعين على هضم الطعام ، ويُسَهِّل مجاري الكلام ، ويُنَشِّطُ للقراءة والذِّكر والصلاة ، ويطرُد النوم ، ويُرضي الرَّبَّ ، ويُعْجِبُ الملائكة ، ويُكثر الحسنات .
ويُستحَبُّ كلَّ وقت ، ويتأكد عند الصلاة والوضوء ، والانتباهِ من النوم ، وتغيير رائحة الفم ، ويُستَحب للمفطر والصائم في كل وقت لعموم الأحاديث فيه ، ولحاجة الصائم إليه ، ولأنه مرضاةٌ للرَّبِّ ، ومرضاتُه مطلوبة في الصوم أشدّ من طلبِها في الفِطر ، ولأنه مَطْهَرَةٌ للفم ، والطهور للصائم من أفضل أعماله .
وفي ( السنن ) : عن عامر بن ربيعة - رضي الله عنه - قال : " رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ما لا أُحْصي يَستاكُ ، وهو صائمٌ " .
وقال البخاري : قال ابن عمرَ : " يستاكُ أول النَّهار وآخره " .
وأجمع الناسُ على أنَّ الصائم يتمضمض وجوبا واستحبابا ، والمضمضةُ أبلغُ مِنَ السِّواك ، وليس لله غرضٌ في التقرُّب إليه بالرائحة الكريهة ، ولا هي من جنس ما شُرِعَ التعبُّدُ به ، وإنما ذكر طِيب الخُلوف عند الله يوم القيامة حثّا منه على الصوم ؛ لا حثا على إبقاء الرائحة ، بل الصائمُ أحوجُ إلى السِّوَاك من المْفطرِ .
وأيضا فإنَّ رضوان الله أكبرُ من استطابتِه لخلوف فم الصائم .
وأيضا فإنَّ محبَّته للسِّوَاك أعظمُ من محبته لبقاء خُلوف فم الصائم .
وأيضا فإنَّ السِّوَاك لا يمنعُ طيبَ الخُلُوفِ الذي يُزيله السِّوَاكُ عند الله يوم القيامة ، بل يأتي الصائمُ يوم القيامة ، وخُلوفُ فمِه أطيبُ من المسك علامةً على صيامه ، ولو أزاله بالسِّوَاك ، كما أنَّ الجريحَ يأتي يوم القيامة ، ولونُ دم جُرحه لونُ الدم ، وريحُه ريحُ المسك ، وهو مأمور بإزالته في الدنيا .
[1/235] وأيضا فإنَّ الخُلوف لا يزولُ بالسِّوَاك ، فإنَّ سبَبَه قائم ، وهو خُلو المَعِدَة عن الطعام ، وإنما يزولُ أثره ، وهو المنعقِدُ على الأسنان واللِّثَة .
وأيضا فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - علَّم أُمَّته ما يُسْتَحب لهم في الصيام ، وما يُكره لهم ، ولم يجعلِ السِّوَاكَ من القسم المكروه ، وهو يعلم أنهم يفعلونه ، وقد حضَّهم عليه بأبلغ ألفاظِ العموم والشمول ، وهم يُشاهدونه يَستاك وهو صائم مرارا كثيرة تَفُوتُ الإحصاء ، ويعلم أنهم يقتدون به ، ولم يقل لهم يوما من الدهر : لا تستاكوا بعد الزوال ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع . والله أعلم .