[8/153] 496 - بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لِلْقُرَشِيِّ مِثْلَيْ قُوَّةِ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ
3130 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْأَزْدِيُّ الْجِيزِيُّ ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْكَيْسَانِيُّ ، قَالَا : حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَاهِرٍ ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ لِلْقُرَشِيِّ مِثْلَيْ قُوَّةِ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ .
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : مَا يُرَادُ بِذَلِكَ إِلَّا نُبْلُ الرَّأْيِ .
قَالَ : فَتَأَمَّلْنَا هَذَا ، فَكَانَ مَعْنَاهُ عِنْدَنَا - وَاللهُ أَعْلَمُ - أَنَّ عَلَى الْقُرَشِيِّ [8/154] ذِي الرَّأْيِ ، لَا عَلَى مَنْ سِوَاهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الرَّأْيِ وَإِنْ كَانَ قُرَشِيًّا ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْءَ إِذَا وُصِفَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمٍ ذَوِي عَدَدٍ ، جَازَ أَنْ تُضَافَ الصِّفَةُ إِلَى أُولَئِكَ الْقَوْمِ جَمِيعًا ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ خَاصًّا مِنْهُمْ .
وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ، يُرِيدُ بِهِ قَوْمَهُ الْمُتَّبِعِينَ لَهُ ، الْمُؤْمِنِينَ لَهُ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ قَوْمِهِ الْمُخَالِفِينَ لَهُ ، الْكَافِرِينَ بِهِ .
وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ أَيْضًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ ، يُرِيدُ بِهِ قَوْمَهُ الْمُكَذِّبِينَ لَهُ ، الْمُخَالِفِينَ عَلَيْهِ دُونَ قَوْمِهِ الْمُتَّبِعِينَ لَهُ ، الْمُؤْمِنِينَ بِهِ .
وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُنُوتِهِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ دُعَائِهِ عَلَى مُضَرَ : " وَاشْدُدْ وَطْأَتَكَ " يُرِيدُ مُضَرَ الْمُخَالِفَةَ عَلَيْهِ لَا مُضَرَ الْمُتَّبِعَةَ لَهُ ، وَهَذَا وَاسِعٌ فِي الْكَلَامِ .
وَفِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَوْضِعٌ مِمَّا قَدِ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَاتِهِمْ إِيَّاهُ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللهِ ، فَقِرَاءَةُ عَاصِمٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ فِيمَا أَجَازَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ : أَنْصَارَ اللهِ ، وَقِرَاءَةُ أَبِي جَعْفَرٍ وَشَيْبَةَ وَنَافِعٍ وَأَبِي عَمْرٍو : أَنْصَارًا لِلهِ ، بِالتَّنْوِينِ .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي هَذِهِ الْإِجَازَةِ : وَهِيَ عِنْدَنَا أَنْصَارَ اللهِ بِالْإِضَافَةِ لَا بِالتَّنْوِينِ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى مَا بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ [8/155] وَجَلَّ : قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ وَلَمْ يَقُلْ : أَنْصَارًا لِلهِ .
وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، قَالَ : اخْتَلَفَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْمَكِّيُّ فِي قِرَاءَةِ هَذَا الْحَرْفِ ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَا قَدْ حَكَيْنَا عَنْهُ فِيمَا أَجَازَهُ لَنَا عَلِيٌّ عَنْهُ ، وَقَالَ الْمَكِّيُّ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَنَافِعٍ فِيهَا ، قَالَ : ثُمَّ احْتَجَّ الْمَكِّيُّ فِي ذَلِكَ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ ، فَقَالَ : إِذَا قَرَأْنَاهَا : أَنْصَارَ اللهِ بِالْإِضَافَةِ ، نَفَيْنَا بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْصَارٌ سِوَاهُمْ ، فَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ : إِنَّهُ جَائِزٌ فِي الشَّيْءِ إِذَا كَثُرَ أَنْ يُضَافَ إِلَى كُلِّهِ مَا كَانَ مِنْ بَعْضِهِ ، فَجَازَ بِذَلِكَ إِنْ قِيلَ لِبَعْضِ النَّاصِرِينَ لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ : إِنَّهُمْ نَاصِرُو اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ بَعْضُ نَاصِرِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ .
قَالَ : وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مِمَّا نَحْنُ مُسْتَغْنُونَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَيَثْبُتُ بِمَا ذَكَرْنَا الِاخْتِيَارُ لِمَا اخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ ، وَاللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .