فصل في لحوم الطير قال الله تعالى : وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وفي ( مسند البزَّار ) وغيره مرفوعا : " إنَّكَ لَتَنْظُرُ إلى الطَّيْرِ في الجَنَّةِ ، فَتَشْتَهيهِ ، فيَخِرُّ مشويّا بين يَدَيْكَ " . ومنه حلال ، ومنه حرام . فالحرامُ : ذو المِخلَب ، كالصَّقرِ والبازي والشـاهِين ، وما يأكلُ الجِيَـفَ كالنَّسْر ، والرَّخَـم ، واللَّقْـلَق ، والعَـقْـعَـق ، والغُـراب الأَبْقع ، والأسـود الكبير ، وما نُهي عن قتله كالهُدهُـدِ ، والصُّرَدِ ، وما أُمِرَ بقتله كالحِـدَأة والغراب . والحلالُ أصناف كثيرة ، فمنه الدَّجاج : ففي ( الصحيحين ) من حديث أبي موسى أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل لحمَ الدَّجاجِ . [1/273] وهو حارٌ رطب في الأُولى ، خفيفٌ على المَعِدَة ، سريعُ الهضم ، جيدُ الخَلْطِ ، يَزيد في الدِماغ والمَنِي ، ويُصفي الصوت ، ويُحَسِّنُ اللَّون ، ويُقَوّي العقل ، ويُوَلِّد دما جيدا ، وهو مائل إلى الرطوبة ، ويقال : إنَّ مداومَة أكله تُورث النِّقْرس ، ولا يثبت ذلك . ولحمُ الديك : أسخنُ مزاجا ، وأقلُّ رطوبة ، والعتيقُ منه دواء ينفع القُولنج والرَّبو والرِّياح الغليظة إذا طُبخَ بماء القُرْطُم والشِّبْت ، وخصِيُّها محمودُ الغِذَاء ، سريعُ الانهضام ، والفَراريجُ سريعة الهضمِ ، مُليِّنة للطبع ، والدَّمُ المتولد منها دمٌ لطيف جيد . لحم الدُّرَّاج : حارٌ يابس في الثانية ، خفيفٌ لطيف ، سريعُ الانهضام ، مُولِّد للدم المعتدل ، والإكثارُ منه يُحِدُّ البصر . لحم الحَجَل : يُوَلِّد الدم الجيد ، سريعُ الانهضام . ـ لحم الإوَزِّ : حارٌ يابس ، رديء الغذاء إذا اعتِيد ، وليس بكثير الفضول . ـ لحم البَطِّ : حارٌ رطب ، كثيرُ الفضول ، عَسِرُ الانهضام ، غيرُ موافق للمَعِدَة . ـ لحم الحُبَارَى : في ( السنن ) من حديث بُرَيْهِ بن عمر بن سَفينةَ ، عن أبيه ، عن جدِّه - رضي الله عنه - قال : أكلتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَحْمَ حُبَارَى . وهو حارٌ يابس ، عَسِرُ الانهضام ، نافِعٌ لأصحاب الرياضة والتعب . لحم الكُرْكي : يابسٌ خفيف ، وفي حرِّه وبرده خلافٌ ، يُوَلِّد دما سوداويا ، ويصلُح لأصحاب الكَدِّ والتعب ، وينبغي أن يُترك بعد ذبحه يوما أو يومين ، ثم يؤكل . لحم العصافير والقَنَابِر : روى النسائي في ( سننه ) : من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما من إنسانٍ يَقْتُل عُصفورا فما فوقَهُ بغير حَقِّهِ إلا سألَهُ اللهُ - عز وجل - عنها " . قيل : يا رسول الله ؛ وما حقُّه ؟ قال : " تَذْبحُه فتأكُلُهُ ، ولا تَقْطَعُ رأسهُ وتَرْمي به " . [1/274] وفي ( سننه ) أيضا : عن عمرو بن الشَّريد ، عن أبيه قال : سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " مَنْ قَتَلَ عُصْفُورا عَبَثا ، عَجَّ إلى الله يقولُ : يا ربِّ ؛ إنَّ فُلانا قَتَلَني عَبَثا ، ولم يَقْتُلْني لِمَنْفَعَةٍ " . ولحمُه حارٌ يابس ، عاقِلٌ للطبيعة ، يَزيدُ في الباه ، ومرقُه يُلَيِّن الطبع ، وينفع المفاصِل ، وإذا أُكِلَتْ أدمغتها بالزنجبيل والبصل ، هيَّجَتْ شهوَة الِجماع ، وخَلطُها غير محمود . لحم الحَمَام : حارٌ رطب ، وحشـيُّه أقل رطوبةً ، وفراخُه أرطب خاصية ، ما رُبّي في الدُّور وناهضُه أخف لحما ، وأحمدُ غذاءً ، ولحمُ ذكورها شفاءٌ من الاسترخاء والخَدَرِ والسَّكتة والرِّعشة ، وكذلك شَمُّ رائحة أنفاسها . وأكلُ فِراخها معينٌ على النساء ، وهو جَيِّد للكُلَى ، يزيدُ في الدم ، وقد روي فيها حديثٌ باطل لا أصل له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنَّ رجلا شكا إليه الوَحدة ، فقال : اتَّخِذْ زوجا مِن الحَمام " . وأجودُ من هذا الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يتبعُ حمامةً ، فقال : " شَيْطانٌ يَتْبَعُ شَيْطَانَةً " . وكان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في خطبته يأمر بقتل الكلاب وذبح الحمام . لحم القَطَا : يابس ، يُولِّد السوداء ، ويحبِسُ الطبع ، وهو من شر الغذاء ، إلا أنه ينفع من الاستسقاء . ـ لحم السُّمَانى : حارٌ يابس ، ينفعُ المفاصل ، ويضُرُّ بالكَبِدِ الحار ، ودفعُ مضَّرته بالخَلِّ والكُسْفَرَة ، وينبغي أن يُتجنبَ مِن لحوم الطير ما كان في الآجام والمواضع العَفِنة . ولحومُ الطير كلها أسرعُ انهضاما من المواشي ، وأسرعُها انهضاما أقلُّها غذاءً ، وهي الرِّقاب والأجنحة ، وأدمغتُها أحمد من أدمغة المواشي . الجــراد : في ( الصحيحين ) : عن عبد الله بن أبي أوفى قال : " غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعَ غَزَواتٍ ، نأكُلُ الجَرَادَ " . [1/275] وفي ( المسند ) عنه : " أُحِلَّتْ لنا مَيْتَتَانِ ودَمَانِ : الحُوتُ والجرادُ ، والكَبِدُ والطِّحالُ " . يُروى مرفوعا وموقوفا على ابن عمر - رضي الله عنه - . وهو حارٌ يابس ، قليل الغذاء ، وإدامةُ أكله تُورث الهزال ، وإذا تُبُخِّرَ به نفع من تقطير البَوْل وعُسرِه ، وخصوصا للنساء ، ويُتبخَّر به للبواسير ، وسِمانُه يُشوى ويُؤكل للسع العقرب ، وهو ضار لأصحابِ الصَّرع ، رديء الخَلط . وفي إباحة ميتته بلا سبب قولان : فالجمهور على حِلِّه ، وحرَّمه مالك ، ولا خِلافَ في إباحة ميتته إذا مات بسبب ، كالكبسِ والتحريق ونحوه .
|