كِتَاب صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ
[18] 2785 - حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ - يَعْنِي الْحِزَامِيَّ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ؛ اقْرَءُوا : فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا
[19] 2786 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ - يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ - ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : جَاءَ حَبْرٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ أَوْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ ، وَالْجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ ، فَيَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ ، أَنَا الْمَلِكُ ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجُّبًا مِمَّا قَالَ الْحَبْرُ تَصْدِيقًا لَهُ ، ثُمَّ قَرَأَ : وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [20] حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، كِلَاهُمَا ، عَنْ جَرِيرٍ ، عَنْ مَنْصُورٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، قَالَ : جَاءَ حَبْرٌ مِنْ الْيَهُودِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ فُضَيْلٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْ : ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ ، وَقَالَ : فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَعَجُّبًا لِمَا قَالَ تَصْدِيقًا لَهُ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَتَلَا الْآيَةَ .
[21] - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، قَالَ : سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ يَقُولُ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ ، وَالْأَرْضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ ، وَالشَّجَرَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ ، وَالْخَلَائِقَ عَلَى إِصْبَعٍ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ ، أَنَا الْمَلِكُ ، قَالَ : فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ، ثُمَّ قَرَأَ : وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [22] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، ح ، وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ ، قَالَا : أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، ح ، وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، كُلُّهُمْ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِمْ جَمِيعًا : وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ ، وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ . وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ : وَالْخَلَائِقَ عَلَى إِصْبَعٍ ، وَلَكِنْ فِي حَدِيثِهِ : وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ .
وَزَادَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ تَصْدِيقًا لَهُ تَعَجُّبًا لِمَا قَالَ .
[23] 2787 - حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَقْبِضُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ ؟
[24] 2788 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَطْوِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ، ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ ؟ ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ ؟
[25] - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ ، أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَيْفَ يَحْكِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : يَأْخُذُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ فَيَقُولُ : أَنَا اللَّهُ - وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا - أَنَا الْمَلِكُ . حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ ، حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ : أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ [26] حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَهُوَ يَقُولُ : يَأْخُذُ الْجَبَّارُ عَزَّ وَجَلَّ سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ . ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ يَعْقُوبَ .
[17/272] كتاب صفة القيامة والجنة والنار
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ) أَيْ : لَا يَعْدِلُهُ فِي الْقَدْرِ وَالْمَنْزِلَةِ ، أَيْ : لَا قَدْرَ لَهُ .
وَفِيهِ : ذَمُّ السِّمَنِ .
و ( الْحَبْرُ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ ، وَهُوَ الْعَالِمُ .
قَوْلُهُ : ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكَ السَّمَاوَاتِ عَلَى أُصْبُعٍ وَالْأَرْضِينَ عَلَى أُصْبُعٍ . . . إِلَى قَوْلِهِ : ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ ) هَذَا مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ ، وَقَدْ سَبَقَ فِيهَا الْمَذْهَبَانِ : التَّأْوِيلُ وَالْإِمْسَاكُ عَنْهُ ، مَعَ الْإِيمَانِ بِهَا ، مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا غَيْرَ مُرَادٍ ، فَعَلَى الْمُتَأَوِّلِينَ يَتَأَوَّلُونَ الْأَصَابِعَ هُنَا عَلَى الِاقْتِدَارِ ، أَيْ : خَلَقَهَا مَعَ عِظَمِهَا ، بِلَا تَعَبٍ وَلَا مَلَلٍ ، وَالنَّاسُ يَذْكُرُونَ الْإِصْبَعَ فِي مِثْلِ هَذَا لِلْمُبَالَغَةِ وَالِاحْتِقَارِ ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ : بِإصْبُعِي أَقْتُلُ زَيْدًا ، [17/273] أَيْ : لَا كُلْفَةَ عَلَيَّ فِي قَتْلِهِ ، وَقِيلَ : يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَصَابِعَ بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ ، وَهَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ ، وَالْمَقْصُودُ : أَنَّ يَدَ الْجَارِحَةِ مُسْتَحِيلَةٌ .
قَوْلُهُ : ( فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجُّبًا مِمَّا قَالَ الْحَبْرُ تَصْدِيقًا لَهُ ، ثُمَّ قَرَأَ : وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَّقَ الْحَبْرَ فِي قَوْلِهِ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبِضُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِينَ ، وَالْمَخْلُوقَاتِ بِالْأَصَابِعِ ، ثُمَّ قَرَأَ الْآيَةَ الَّتِي فِيهَا الْإِشَارَةُ إِلَى نَحْوِ مَا يَقُولُ ، قَالَ الْقَاضِي : وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينِ : لَيْسَ ضَحِكُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعَجُّبُهُ وَتِلَاوَتُهُ الْآيَةَ تَصْدِيقًا لِلْحَبْرِ ، بَلْ هُوَ رَدٌّ لِقَوْلِهِ ، وَإِنْكَارٌ وَتَعَجُّبٌ مِنْ سُوءِ اعْتِقَادِهِ ، فَإِنَّ مَذْهَبَ الْيَهُودِ التَّجْسِيمُ ، فَفُهِمَ مِنْهُ ذَلِكَ ، وَقَوْلُهُ تَصْدِيقًا لَهُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي عَلَى مَا فُهِمَ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَطْوِي اللَّهُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ، ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ [17/274] بِشِمَالِهِ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( أَنَّ ابْنَ مِقْسَمٍ نَظَرَ إِلَى ابْنِ عُمرَ كَيْفَ يَحْكِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَأْخُذُ اللَّهُ سَمَاوَاتِهِ وَأَرضِيهِ بِيَدَيْهِ ، وَيَقُولُ : أَنَا اللَّهُ ، وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا ، أَنَا الْمَلِكُ ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ ) ، قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : ( يَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلِهَذَا قَالَ : إِنَّ ابْنَ مِقْسَمٍ نَظَرَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ كَيْفَ يَحْكِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وَأَمَّا إِطْلَاقُ الْيَدَيْنِ لِلَّهِ تَعَالَى فَمُتَأَوَّلٌ عَلَى الْقُدْرَةِ ، وَكَنَّى عَنْ ذَلِكَ بِالْيَدَيْنِ ؛ لِأَنَّ أَفْعَالِنَا تَقَعُ بِالْيَدَيْنِ ، فَخُوطِبْنَا بِمَا نَفْهَمُهُ ، لِيَكُونَ أَوْضَحَ وَأَوْكَدَ فِي النُّفُوسِ ، وَذَكَرَ الْيَمِينَ وَالشِّمَالَ حَتَّى يَتِمَّ الْمِثَالُ ؛ لِأَنَّا نَتَنَاوَلُ بِالْيَمِينِ مَا نُكْرِمُهُ ، وَبِالشِّمَالِ مَا دُونَهُ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ فِي حَقِّنَا يَقْوَى لِمَا لَا يَقْوَى لَهُ الشِّمَالُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ السَّمَوَاتِ أَعْظَمُ مِنَ الْأَرْضِ ، فَأَضَافَهَا إِلَى الْيَمِينِ ، وَالْأَرَضِينَ إِلَى الشِّمَالِ ، لِيُظْهِرَ التَّقْرِيبَ فِي الِاسْتِعَارَةِ ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُوصَفُ بِأَنَّ شَيْئًا أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ ، وَلَا أَثْقَلَ مِنْ شَيْءٍ ، هَذَا مُخْتَصَرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ فِي هَذَا . قَالَ الْقَاضِي : وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ : يَقْبِضُ ، وَيَطْوِي ، وَيَأْخُذُ ، كُلُّهُ بِمَعْنَى الْجَمْعِ ؛ لِأَنَّ السَّمَاوَاتِ مَبْسُوطَةٌ ، وَالْأَرَضِينَ مَدْحُوَّةٌ ، وَمَمْدُودَةٌ ، ثُمَّ يَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى مَعْنَى الرَّفْعِ وَالْإِزَالَةِ وَتَبْدِيلِ الْأَرْضِ غَيْرِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ ، فَعَادَ كُلُّهُ إِلَى ضَمِّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ، وَرَفْعِهَا وَتَبْدِيلِهَا بِغَيْرِهَا ، قَالَ : وَقَبْضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ ، وَبَسْطَهَا تَمْثِيلٌ لِقَبْضِ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ وَجَمْعِهَا بَعْدَ بَسْطِهَا ، وَحِكَايَةٌ لِلْمَبْسُوطِ وَالْمَقْبُوضِ ، وَهُوَ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُونَ ، لَا إِشَارَةً إِلَى الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الْقَابِضُ وَالْبَاسِطُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَلَا تَمْثِيلَ لِصِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى السَّمْعِيَّةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْيَدِ الَّتِي لَيْسَتْ بِجَارِحَةٍ .
[17/275] وَقَوْلُهُ : فِي الْمِنْبَرِ ( يَتَحَرَّكَ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ ) أَيْ : مِنْ أَسْفَلِهِ إِلَى أَعْلَاهُ ؛ لِأَنَّ بِحَرَكَةِ الْأَسْفَلِ يَتَحَرَّكُ الْأَعْلَى ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ تَحَرُّكَهُ بِحَرَكَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْإِشَارَةِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِنَفْسِهِ هَيْبَةً لَسَمْعِهِ كَمَا حَنَّ الْجِذْعُ ثُمَّ قَالَ : وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا وَرَدَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ مُشْكِلٍ ، وَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ ، وَلَا نُشَبِّهُ شَيْئًا بِهِ ، وَلَا نُشَبِّهُهُ بِشَيْءٍ ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَمَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَتَ عَنْهُ ، فَهُوَ حَقٌّ وَصِدْقٌ ، فَمَا أَدْرَكْنَا عِلْمَهُ فَبِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَمَا خَفِيَ عَلَيْنَا آمَنَّا بِهِ وَوَكَّلْنَا عِلْمَهُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَحَمَلْنَا لَفْظَهُ عَلَى مَا احْتُمِلَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ الَّذِي خُوطِبْنَا بِهِ ، وَلَمْ نَقْطَعْ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ بَعْدَ تَنْزِيهِهِ سُبْحَانَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى . وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .
قَوْلُهُ : ( وَالشَّجَرُ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ ) الثَّرَى هُوَ التُّرَابُ النَّدِيُّ .
قَوْلُهُ : ( بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ : أَنْيَابُهُ .