41 41 - مَالِكٌ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : إِذَا نَامَ أَحَدُكُمْ مُضْطَجِعًا فَلْيَتَوَضَّأْ .
42 - مَالِكٌ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ؛ أَنَّ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ أَنَّ ذَلِكَ إِذَا قُمْتُمْ مِنَ الْمَضَاجِعِ ، يَعْنِي النَّوْمَ .


[2/70] 1439 - وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ مِنَ النَّوْمِ :
1440 - فَقَالَ مَالِكٌ : مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ سَاجِدًا فَلْيَتَوَضَّأْ ، وَمَنْ نَامَ جَالِسًا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَطُولَ نَوْمُهُ .
1441 - وَهُوَ قَوْلُ : الزُّهْرِيِّ ، وَرَبِيعَةَ ، والْأَوْزَاعِيِّ فِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْهُ قَالَ : مَنْ نَامَ قَلِيلًا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوؤُهُ ، فَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ تَوَضَّأَ .
1442 - وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ .
1443 - وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ : أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ عَنِ الرَّجُلِ يَنَامُ جَالِسًا حَتَّى يَسْتَثْقِلَ ، قَالَ : إِذَا اسْتَثْقَلَ نَوْمًا فَإِنَّا نَرَى أَنْ يَتَوَضَّأَ .
1444 - وَأَمَّا إِنْ كَانَ نَوْمُهُ غِرَارًا : يَنَامُ وَيَسْتَيْقِظُ ، وَلَا يَغْلِبُهُ النَّوْمُ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ كَانَ ينَالُهُمْ ذَلِكَ ، ثُمَّ لَا يَقْطَعُونَ صَلَاتَهُمْ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ مِنْهُ .
1445 - قَالَ الْوَلِيدُ : سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ : إِذَا اسْتَثْقَلَ نَوْمًا تَوَضَّأَ .
1446 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ : لَا وُضُوءَ مِنَ النَّوْمِ ، وَإِنْ تَوَضَّأَ فَفَضْلٌ أَحْدَثَهُ ، وَإِنْ تَرَكَ فَلَا حَرَجَ . وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْهُ الْفَصْلُ بَيْنَ أَحْوَالِ النَّائِمِ .
1447 - وَسُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنِ النَّوْمِ فَقَالَ : إِنْ كَانَ غِرَارًا لَمْ يَنْقُضِ الطَّهَارَةَ .
1448 - قَالَ أَبُو عُمَرَ : الْغِرَارُ : الْقَلِيلُ مِنَ النَّوْمِ .
[2/71] 1449 - قَالَ جَرِيرٌ :
مَا بَالُ نَوْمِكَ بِالْفِرَاشِ غِرَارَا
لَوْ كَانَ قَلْبُكَ يَسْتَطِيعُ لَطَارَا
.
1450 - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَصْحَابُهُ : لَا وُضُوءَ إِلَّا عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ مُتَوَرِّكًا .
1451 - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إِنْ تَعَمَّدَ النَّوْمَ فِي السُّجُودِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ .
1452 - وَقَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : لَا وُضُوءَ إِلَّا عَلَى مَنِ اضْطَجَعَ .
1453 - وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ عُمَرَ ، لِأَنَّهُ خَصَّصَ الْمُضْطَجِعَ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ .
1454 - وَرَوَى أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ - وَاسْمُهُ : يَزِيدُ عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : إِنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا .
[2/72] 1455 - وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ مُنْكَرٌ لَمْ يَرْوِهِ مَرْفُوعًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ عَنْ قَتَادَةَ بِإِسْنَادِهِ .

1456 - وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ : إِذَا اتَّضَعَ لِلنَّوْمِ جَالِسًا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ ، وَلَا وُضُوءَ عَلَى الْقَائِمِ وَالْجَالِسِ . وَإِذَا غَلَبَهُ النَّوْمُ تَوَضَّأَ .
1457 - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : عَلَى كُلِّ نَائِمٍ الْوُضُوءُ إِلَّا الْجَالِسَ وَحْدَهُ ، فَكُلُّ مَنْ زَالَ عَنْ حَدِّ الِاسْتِوَاءِ وَنَامَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ .
1458 - وَسَوَاءٌ نَامَ قَاعِدًا ، أَوْ سَاجِدًا ، أَوْ قَائِمًا ، أَوْ رَاكِعًا ، أَوْ مُضْطَجِعًا .
[2/73] 1459 - وَهُوَ قَوْلُ الطَّبَرِيِّ ، وَدَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ .
1460 - وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ قَالُوا : مَنْ نَامَ جَالِسًا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ .
1461 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : وَجَبَ الْوُضُوءُ عَلَى كُلِّ نَائِمٍ خَفَقَ بِرَأْسِهِ خَفَقَاتٍ .
1462 - وَرُوِيَ عَنْهُ خَفْقَةً أَوْ خَفْقَتَيْنِ .
1463 - وَالْخَبَرُ عَنْهُ بِإِسْنَادِهِ فِي التَّمْهِيدِ .
1464 - وَقَالَ الْحَسَنُ ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ : إِذَا خَالَطَ النَّوْمُ قَلْبَ أَحَدِكُمْ وَاسْتَغْرَقَ نَوْمًا فَلْيَتَوَضَّأْ .
1465 - وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ .
1466 - وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ .
1467 - وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ : كُنْتُ أُفْتِي أَنَّ مَنْ نَامَ جَالِسًا لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ إِلَى جَنْبِي يَوْمَ الْجُمْعَةِ رَجُلٌ فَنَامَ ، فَخَرَجَتْ مِنْهُ رِيحٌ ، فَقُلْتُ لَهُ : قُمْ فَتَوَضَّأَ ، فَقَالَ : لَمْ أَنَمْ ، فَقُلْتُ : بَلَى ، وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْكَ رِيحٌ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ ، [2/74] فَجَعْلَ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ ، وَقَالَ لِي : بَلْ مِنْكَ خَرَجَتْ . فَتَرَكْتُ مَا كُنْتُ أَعْتَقِدُ فِي نَوْمِ الْجَالِسِ ، وَرَاعَيْتُ غَلَبَةَ النَّوْمِ وَمُخَالَطَتَهُ لِلْقَلْبِ .
1468 - وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ يَقُولُ : إِنْ نَامَ جَالِسًا أَوْ سَاجِدًا فِي صِلَاتِهِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ نَامَ سَاجِدًا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ ، وَكَذَلِكَ إِنْ تَعَمَّدَ النَّوْمَ جَالِسًا وَهُوَ فِي صَلَاةٍ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ .
1469 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ عِنْدَهُ بِحَدَثٍ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ حَتَّى يُحْدِثَ النَّائِمُ حَدَثًا غَيْرَ النَّوْمِ ، لِأَنَّهُ كَانَ يَنَامُ وَيُوَكِّلُ مَنْ يَحْرُسُهُ .
1470 - وَرُوِيَ عَنْ عُبَيْدَةَ نَحْوَ ذَلِكَ ، وَهُوَ يُشْبِهُ مَا نَزَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ إِلَّا أَنَّهُمْ يُوجِبُونَ الْوُضُوءَ مَعَ الِاسْتِثْقَالِ مِنْ أَجْلِ مَا يُدَاخِلُهُ مِنَ الشَّكِّ .
1471 - وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ : أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ مِرَارًا مُضْطَجِعًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ ، ثُمَّ يُصَلِّي .
1472 - وَقَالَ الْمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ : النَّوْمُ حَدَثٌ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ ، قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ .
1473 - وَحُجَّتُهُ حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيِّ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ ، فَأَمَرَنَا أَلَّا نَنْزِعَ خِفَافَنَا مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ نَوْمٍ ، وَلَا نَنْزِعَهَا إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ .
[2/75] 1474 - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي التَّمْهِيدِ .
1475 - قَالَ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالنَّوْمِ مَعَ الْقِيَاسِ عَلَى مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فِي أَنَّ غَلَبَةَ النَّوْمِ وَتَمَكُّنَهُ حَدَثٌ يُوجِبُ الْوُضُوءَ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَلِيلُهُ حَدَثًا كَمَا أَنَّ كَثِيرَهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ حَدَثٌ .
1476 - وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرْنَا عَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَعُبَيْدَةَ مَا يَخْرِقُ الْإِجْمَاعَ .
1477 - وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي " التَّمْهِيدِ " ، وَكَذَلِكَ بَيَّنَّا الْحُجَّةَ عَلَى الْمُزَنِيِّ هُنَالِكَ أَيْضًا .
1478 - وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى فِعْلِ الْأَشْعَرِيِّ وَقَوْلِ عُبَيْدَةَ بِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ ، وَحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ : أَنَّهُ قَالَ : الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَإِذَا نَامَتِ الْعَيْنَانِ اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ .
[2/76] 1479 - وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْحَابُنَا لِمَالِكٍ أَيْضًا ، وَهُمَا حَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ لَا حُجَّةَ فِيهِمَا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ . وَقَدْ ذَكَرْتُهُمَا فِي " التَّمْهِيدِ " .

[2/77] 1480 - وَأَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : شُغِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْعِشَاءِ لَيْلَةً فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا فِي الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ [2/78] اسْتَيْقَظْنَا ، ثُمَّ رَقَدْنَا ، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ : لَيْسَ أَحَدٌ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ غَيْرُكُمْ .
1481 - وَمِثْلُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ قَالَ : كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حَتَّى تَخْفُقَ رُءُوسُهُمْ ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ .
1482 - وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَعَ سَائِرِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي النَّوْمِ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي " التَّمْهِيدِ " ، وَكَذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَكُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ نَامَ جَالِسًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
1483 - وَمِثْلُهُ حَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ جَالِسًا ثُمَّ يُصَلِّي ، وَلَا يَتَوَضَّأُ
.
1484 - قَالَ أَبُو عُمَرَ : فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ مَا يَدُلُّ عَلَى نَوْمِ اللَّيْلِ وَشِبْهِهِ .
1485 - وَمَعْلُومٌ مِنْهُ فِي الْأَغْلَبِ الِاضْطِجَاعُ وَالِاسْتِثْقَالُ . فَعَلَى هَذَا خَرَجَ الْحَدِيثُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
1486 - وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ : فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ ذَلِكَ نَدْبٌ لَا إِيجَابٌ ، وَسُنَّةٌ لَا فَرْضٌ .
[2/79] 1487 - وَكَانَ مَالِكٌ يَسْتَحِبُّ لِكُلِّ مَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ سَوَاءٌ قَامَ مَنْ نَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ .
1488 - وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ تَأْكِيدًا وَاسْتِحْبَابًا .
1489 - وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ ، وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُتَوَضِّئِ يَخْرُجُ مِنْهُ رِيحٌ لَحَدَثَانِ وُضُوئِهِ وَيَدُهُ طَاهِرَةٌ . قَالَ : يَغْسِلُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي الْإِنَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ .
1490 - قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَقُولُ : إِنْ كَانَتْ يَدُهُ طَاهِرَةً فَلَا بَأْسَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي الْوُضُوءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا .
1491 - ثُمَّ قَالَ : أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ إِذَا أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وُضُوئِهِ وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرَةً .
1492 - وَذَكَر ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْهُ قَالَ : مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ ، أَوْ مَسَّ فَرْجَهُ ، أَوْ كَانَ جُنُبًا ، أَوِ امْرَأَةً حَائِضًا فَأَدْخَلَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ يَضُرُّهُ ، كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ نَجَاسَةٌ .
1493 - قَالَ : وَلَا يُدْخِلُ أَحَدُهُمْ يَدَهُ فِي وُضُوءٍ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا .
1494 - قَالَ أَبُو عُمَرَ : الْفُقَهَاءُ عَلَى هَذَا كُلُّهُمْ يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ وَيَأْمُرُونَ بِهِ .
1495 - فَإِنْ أَدْخَلَ أَحَدٌ يَدَهُ بَعْدَ قِيَامِهِ مِنْ نَوْمِهِ فِي وَضُوئِهِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا وَيَدُهُ نَظِيفَةٌ لَا نَجَاسَةَ فِيهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ وَضُوءَهُ .
[2/80] 1496 - وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " التَّمْهِيدِ " عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ [2/81] [2/82] أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ مِنَ الْمَطَاهِرِ .
1497 - وَفِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ إِدْخَالَ الْيَدِ السَّالِمَةِ مِنَ الْأَذَى فِي إِنَاءِ الْوَضُوءِ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ .
1498 - وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِيمَا رَوَى عَنْهُ أَشْعَثُ الْحُمْرَانِيُّ يَقُولُ : إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنَ النَّوْمِ فَغَمَسَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا أَهْرَاقَ ذَلِكَ الْمَاءَ .
1499 - وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ ، فَلَمْ يُجِيزُوا الْوُضُوءَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ مَاءٌ مَنْهِيٌّ عَنِ اسْتِعْمَالِهِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ لَا مَعْنَى لَهُ إِلَّا هَذَا ، كَأَنَّهُ قَالَ : فَلَا يُدْخِلُ يَدَهُ ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِذَلِكَ الْمَاءِ .
1500 - وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ دَاوُدَ .
1501 - وَمُحَصِّلُ مَذْهَبِ دَاوُدَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ عَاصٍ إِذَا كَانَ بِالنَّهْيِ عَالِمًا . وَالْمَاءُ طَاهِرٌ ، وَالْوُضُوءُ بِهِ جَائِزٌ مَا لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ نَجَاسَةٌ .
1502 - وَرَوَى هِشَامٌ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ فَغَمَسَ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ فَلَا يُهْرِقْهُ .
[2/83] 1503 - وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ .
1504 - وَاخْتُلِفَ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ نَوْمِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي ذَلِكَ : فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ نَوْمِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي غَسْلِ الْيَدِ ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْعَلُ نَوْمَ النَّهَارِ مِثْلَ نَوْمٍ اللَّيْلِ ، وَيَقُولُ : لَا بَأْسَ إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِ النَّهَارِ أَنْ يَغْمِسَ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ .
1505 - وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ .
1506 - وَقَدْ ذَكَرْنَا الَإِسْنَادَيْنِ وَالرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الْحَسَنِ فِي " التَّمْهِيدِ " .
1507 - وَذَكَر أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَسْأَلُ عَنِ الرَّجُلِ يَسْتَيْقِظُ مِنْ نَوْمِهِ فَيَغْمِسُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا ، فَقَالَ : أَمَّا بِالنَّهَارِ فَلَيْسَ بِهِ عِنْدِي بَأْسٌ ، وَأَمَّا إِذَا قَامَ مِنَ النَّوْمِ بِاللَّيْلِ فَلَا يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا . قِيلَ لِأَحْمَدَ : فَمَا يَصْنَعُ بِذَلِكَ ؟ قَالَ : إِنْ صَبَّ الْمَاءَ وَأَبْدَلَهُ فَهُوَ أَحْسَنُ وَأَسْهَلُ .
1508 - قَالَ أَبُو عُمَرَ : إِنَّمَا خَرَجَ ذِكْرُ الْمَبِيتِ عَلَى الْأَغْلَبِ ، وَنَوْمُ النَّهَارِ فِي مَعْنَى نَوْمِ اللَّيْلِ فِي الْقِيَاسِ ، لِأَنَّهُ نَوْمٌ كُلُّهُ .
1509 - وَفِي قَوْلِهِمْ : بَتُّ أُرَاعِي النُّجُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَبِيتَ غَيْرَ النَّوْمِ ، وَأَنَّهُ يَكُونُ بِنَوْمٍ وَبِغَيْرِ نَوْمٍ .
1510 - وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لِمَذْهَبِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَبَيْنَ وُرُودِهَا عَلَيْهِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا ، قَالَ : أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَافَ عَلَى النَّائِمِ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ نَوْمِهِ أَنْ تَكُونَ فِي يَدِهِ نَجَاسَةٌ - أَمَرَهُ بِطَرْحِ [2/84] الْمَاءِ مِنَ الْإِنَاءِ عَلَى يَدِهِ لِيَغْسِلَهَا ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِإِدْخَالِ يَدِهِ فِي الْإِنَاءِ لِيَغْسِلَهَا فِيهِ ؟ بَلْ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَدَلَّنَا ذَلِكَ مَعَ نَهْيِهِ عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ، وَحَدِيثِ وُلُوغِ الْكَلْبِ فِي الْإِنَاءِ ، وَأَمْرِهِ بِالصَّبِّ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ . عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ إِذَا وَرَدَتْ عَلَى الْمَاءِ أَفْسَدَتْهُ ، وَإِذَا وَرَدَ الْمَاءُ عَلَيْهَا طَهَّرَهَا إِلَّا أَنْ تَغْلِبَ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهَا لَوْ أَفْسَدَتْهُ مَعَ وُرُودِهِ عَلَيْهَا لَمْ تَصِحَّ طَهَارَةٌ أَبَدًا فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ . وَشَرَطُوا أَنْ يَكُونَ وُرُودُ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ صَبًّا مُهْرَاقًا . 50 1511 - قَالَ أَبُو عُمَرَ : هَذَا خِلَافُ أَصْلِهِمْ أَنَّ الشَّكَّ لَا يُوجِبُ شَيْئًا ، وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَلَى أَصْلِ حَالِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ .
1512 - وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْيَدُ عَلَى طَهَارَتِهَا حَتَّى تَتَبَيَّنَ فِيهَا النَّجَاسَةُ ، وَهَذَا عَيْنُ الْفِقْهِ ، وَعَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ ، لِأَنَّ غَسْلَ الْيَدِ هَاهُنَا هُوَ عِنْدَهُمْ نَدْبٌ وَاسْتِحْسَانٌ وَاحْتِيَاطٌ لَا عِلَّةٌ كَمَا زَعَمَ مَنْ قَالَ : إِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْأَحْجَارِ ، فَيَبْقَى لِلْأَذَى هُنَاكَ آثَارٌ فَرُبَّمَا جَالَتِ الْيَدُ فَأَصَابَتْ ذَلِكَ الْأَذَى ، فَنَدَبُوا إِلَى غَسْلِ الْيَدِ قَبْلَ إِدْخَالِهَا فِي الْإِنَاءِ لِذَلِكَ .
1513 - وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ فِي مَخْرَجِ النَّهْيِ مَا ذَكَرَ ، ثُمَّ ثَبَتَ النَّدْبُ فِي ذَلِكَ لِمَنِ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ قِيَاسًا عَلَى الْمُحْدِثِ النَّائِمِ .
[2/85] 1514 - وَيَنْتَقِضُ عَلَى الشَّافِعِيِّ أَصْلُهُ فِي وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ ، وَوُرُودِهَا عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْقُلَّتَيْنِ ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ عِنْدَهُ لَوْ وَرَدَ الْمَاءُ عَلَيْهَا فِيمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ أَفْسَدَتْهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ غَسْلًا وَصَبًّا مُهْرَاقًا .
1515 - وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي حُكْمِ الْمَاءِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
1516 - وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّدِّيُّ : إِنَّ ذَلِكَ [2/86] الْقِيَامَ مِنَ النَّوْمِ .
1517 - وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ ، وَعَلِيٍّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ عُنِيَ بِهَا تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ .
1518 - فَيَكُونُ - عَلَى هَذَا - الْوُضُوءُ لِمَنْ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ مُحْدِثٌ وَاجِبًا ، وَعَلَى غَيْرِ مُحْدِثٍ نَدْبًا وَفَضْلًا .
1519 - وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ إِلَّا يَوْمًا وَاحِدًا عَامَ الْفَتْحِ .
[2/87] 1520 - وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ .
1521 - وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي " التَّمْهِيدِ " .
1522 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَعُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، وَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، وَالسَّرِيِّ أَيْضًا - أَنَّ الْآيَةَ عُنِيَ بِهَا حَالُ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ الطُّهْرِ .
1523 - وَهَذَا أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ ، لَا خِلَافَ بَيْنِ الْفُقَهَاءِ فِيهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .
1524 - وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ . عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَتَوَضَّأُ ، لِكُلِّ صَلَاةٍ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ صَلَّى خَمْسَ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَعَلْتَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ ! فَقَالَ عَمْدًا فَعَلْتُهُ يَا عُمَرُ .
1525 - أَيْ لِيَعْلَمَ النَّاسُ ذَلِكَ .
[2/88] 1526 - وَمِنَ الدَّلِيلِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْوُضُوءِ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ إِلَى الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الْآيَةَ - لَيْسَ بِوَاجِبٍ إِلَّا إِنْ كَانَ مُحْدِثًا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي أَسْفَارِهِ وَلَا يَتَوَضَّأُ إِلَّا لِلْأُولَى مِنْهُمَا ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ بِعَرَفَةَ ، وَالْمُزْدَلِفَةِ فِي جَمْعِهِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِهِمَا .
1527 - وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا رُوِيَ فِي الْآثَارِ الصِّحَاحِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ كَتِفًا مَسَّتْهَا النَّارُ ، وَطَعَامًا مَسَّتْهُ النَّارُ ، وَقَامَ إِلَى الصَّلَاةِ ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ .
[2/89] 1528 - وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا لِأَنَّا قَدْ أَوْضَحْنَا اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ ، وَأَتَيْنَا بِالْآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ فِي إِيجَابِ الْوُضُوءِ عَلَى مَنْ أَكَلَ مَا غَيَّرَتْهُ النَّارُ مِنَ الطَّعَامِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .
1529 - وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ : فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ .
1530 - وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّكَ عَلَى مَعْنَى الْفَرْضِ وَمَوْضِعِ الْفَضْلِ . وَهَذَا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، فَسَقَطَ الْقَوْلُ فِيهِ .
1531 - وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَيْضًا الْفَرْقُ بَيْنَ وُرُودِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَاءِ وَبَيْنَ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى الْقَائِمَ إِلَى وُضُوئِهِ مِنْ نَوْمِهِ أَنْ يَغْمِسَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ، لِئَلَّا يَكُونَ فِيهَا مِنَ النَّجَاسَةِ مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَى يَدِهِ وَغَسْلِهَا بِبَعْضِ مَاءِ الْإِنَاءِ الَّذِي نَهَاهُ أَنْ يَغْمِسَ يَدَهُ فِيهِ .
1532 - فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ يُطَهِّرُ النَّجَاسَةَ بِأَنْ يُصَبَّ عَلَيْهَا حَتَّى تَزُولَ ، بِقَلِيلِ الْمَاءِ زَالَتْ أَوْ كَثِيرِهِ عَلَى حَسَبِ الْمَعْهُودِ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ تَطْهِيرِ الْأَنْجَاسِ . وَلَمْ تُعْتَبَرْ فِي ذَلِكَ قِلَّةٌ وَلَا كَثْرَةٌ وَلَا مِقْدَارٌ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْمَاءِ الَّذِي تَرِدُ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ ، وَهَذَا بَيِّنٌ لِمَنْ وُفِّقَ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .