1371 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ الْآنَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى


ثَالِثُهَا : حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ : " إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ الْآنَ مَا أَنْ كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ " . وَهَذَا مَصِيرٌ مِنْ عَائِشَةٍ إِلَى رَدِّ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورَةِ ، وَقَدْ خَالَفَهَا الْجُمْهُورُ فِي ذَلِكَ ، وَقَبِلُوا حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ ؛ لِمُوَافَقَةِ مَنْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ . وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى فَقَالُوا : مَعْنَاهَا لَا تُسْمِعُهُمْ سَمَاعًا يَنْفَعُهُمْ ، أَوْ لَا تُسْمِعُهُمْ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ . وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ : عَائِشَةُ لَمْ تَحْضُرْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَغَيْرُهَا مِمَّنْ حَضَرَ أَحْفَظُ لِلَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ قَالُوا لَهُ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتُخَاطِبُ قَوْمًا قَدْ جَيَّفُوا ؟ فَقَالَ : مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ " . قَالَ : وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونُوا فِي تِلْكَ الْحَالِ عَالِمِينَ جَازَ أَنْ يَكُونُوا سَامِعِينَ ، إِمَّا بِآذَانِ رُءُوسِهِمْ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، أَوْ بِآذَانِ الرُّوحِ عَلَى رَأْيِ مَنْ يُوَجِّهُ السُّؤَالَ إِلَى الرُّوحِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ إِلَى الْجَسَدِ . قَالَ : وَأَمَّا الْآيَةُ ، فَإِنَّهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ أَيْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يُسْمِعُ وَيَهْدِي . انْتَهَى . وَقَوْلُهُ : ( إِنَّهَا لَمْ تَحْضُرْ ) صَحِيحٌ ، لَكِنْ لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي رِوَايَتِهَا لِأَنَّهُ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا سَمِعَتْ ذَلِكَ مِمَّنْ حَضَرَهُ أَوْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَادِحًا فِي رِوَايَتِهَا لَقَدَحَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ أَيْضًا ، وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّفْظَيْنِ مَعًا ؛ فَإِنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا . وَقَالَ ابْنُ التِّينِ : لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَالْآيَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَى لَا يَسْمَعُونَ بِلَا شَكٍّ ، لَكِنْ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ إِسْمَاعَ مَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ السَّمَاعُ لَمْ يَمْتَنِعْ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ الْآيَةَ ، وَقَوْلِهِ : فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا الْآيَةَ . وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي قَوْلُ قَتَادَةَ : إِنَّ اللَّهَ أَحْيَاهُمْ حَتَّى سَمِعُوا كَلَامَ نَبِيِّهِ تَوْبِيخًا وَنِقْمَةً . انْتَهَى .
وَقَدْ أَخَذَ ابْنُ جَرِيرٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ السُّؤَالَ فِي الْقَبْرِ يَقَعُ عَلَى الْبَدَنِ فَقَطْ ، وَأَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِيهِ إِدْرَاكًا بِحَيْثُ يَسْمَعُ وَيَعْلَمُ وَيَلَذُّ وَيَأْلَمُ . وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ ، وَابْنُ هُبَيْرَةَ إِلَى أَنَّ السُّؤَالَ يَقَعُ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ عَوْدٍ إِلَى الْجَسَدِ ، وَخَالَفَهُمُ الْجُمْهُورُ ، فَقَالُوا : تُعَادُ الرُّوحُ إِلَى الْجَسَدِ أَوْ بَعْضِهِ ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَدَنِ بِذَلِكَ اخْتِصَاصٌ ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ الْمَيِّتِ قَدْ تَتَفَرَّقُ أَجْزَاؤُهُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ أَنْ يُعِيدَ الْحَيَاةَ إِلَى جُزْءٍ مِنَ الْجَسَدِ ، وَيَقَعُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ ، كَمَا هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ أَجْزَاءَهُ .
[3/278] وَالْحَامِلُ لِلْقَائِلِينَ بِأَنَّ السُّؤَالَ يَقَعُ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ ، أَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ يُشَاهَدُ فِي قَبْرِهِ حَالَ الْمَسْأَلَةِ لَا أَثَرَ فِيهِ مِنَ إِقْعَادٍ وَلَا غَيْرِهِ ، وَلَا ضِيقٍ فِي قَبْرِهِ وَلَا سَعَةٍ ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْمَقْبُورِ كَالْمَصْلُوبِ . وَجَوَابُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فِي الْقُدْرَةِ ، بَلْ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْعَادَةِ وَهُوَ النَّائِمُ ؛ فَإِنَّهُ يَجِدُ لَذَّةً وَأَلَمًا لَا يُدْرِكُهُ جَلِيسُهُ ، بَلِ الْيَقْظَانُ قَدْ يُدْرِكُ أَلَمًا أَوْ لَذَّةً لِمَا يَسْمَعُهُ أَوْ يُفَكِّرُ فِيهِ وَلَا يُدْرِكُ ذَلِكَ جَلِيسُهُ ، وَإِنَّمَا أَتَى الْغَلَطُ مِنْ قِيَاسِ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ ، وَأَحْوَالِ مَا بَعْدِ الْمَوْتِ عَلَى مَا قَبْلَهُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَرَفَ أَبْصَارَ الْعِبَادِ وَأَسْمَاعَهُمْ عَنْ مُشَاهَدَةِ ذَلِكَ ، وَسَتَرَهُ عَنْهُمُ إِبْقَاءً عَلَيْهِمْ ؛ لِئَلَّا يَتَدَافَنُوا ، وَلَيْسَتْ لِلْجَوَارِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ قُدْرَةٌ عَلَى إِدْرَاكِ أُمُورِ الْمَلَكُوتِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ . وَقَدْ ثَبَتَتِ الْأَحَادِيثُ بِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ كَقَوْلِهِ : " إِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ " . وَقَوْلِهِ : " تَخْتَلِفُ أَضْلَاعُهُ لِضَمَّةِ الْقَبْرِ " . وَقَوْلِهِ : " يَسْمَعُ صَوْتَهُ إِذَا ضَرَبَهُ بِالْمِطْرَاقِ " . وَقَوْلِهِ : " يُضْرَبُ بَيْنَ أُذُنَيْهِ " . وَقَوْلِهِ : " فَيُقْعِدَانِهِ " . وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَادِ . وَذَهَبَ أَبُو الْهُذَيْلِ وَمَنْ تَبِعَهُ إِلَى أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَشْعُرُ بِالتَّعْذِيبِ وَلَا بِغَيْرِهِ إِلَّا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ ، قَالُوا : وَحَالُهُ كَحَالِ النَّائِمِ وَالْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ لَا يُحِسُّ بِالضَّرْبِ وَلَا بِغَيْرِهِ إِلَّا بَعْدَ الْإِفَاقَةِ ، وَالْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ فِي السُّؤَالِ حَالَةَ تَوَلِّي أَصْحَابِ الْمَيِّتِ عَنْهُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ .
( تَنْبِيهٌ ) : وَجْهُ إِدْخَالِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَمَا عَارَضَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي تَرْجَمَةِ عَذَابِ الْقَبْرِ ، أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ مِنْ سَمَاعِ أَهْلِ الْقَلِيبِ وَتَوْبِيخِهِ لَهُمْ دَلَّ إِدْرَاكُهُمُ الْكَلَامَ بِحَاسَّةِ السَّمْعِ عَلَى جَوَازِ إِدْرَاكِهِمْ أَلَمَ الْعَذَابِ بِبَقِيَّةِ الْحَوَاسِّ بَلْ بِالذَّاتِ ، إِذِ الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إِلَى طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثَيِ ابْنِ عُمَرَ ، وَعَائِشَةَ بِحَمْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى أَنَّ مُخَاطَبَةَ أَهْلِ الْقَلِيبِ وَقَعَتْ وَقْتَ الْمَسْأَلَةِ ، وَحِينَئِذٍ كَانَتِ الرُّوحُ قَدْ أُعِيدَتْ إِلَى الْجَسَدِ ، وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى أَنَّ الْكَافِرَ الْمَسْئُولَ يُعَذَّبُ ، وَأَمَّا إِنْكَارُ عَائِشَةَ فَمَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ وَقْتِ الْمَسْأَلَةِ ، فَيَتَّفِقُ الْخَبَرَانِ . وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ وَجْهُ إِدْخَالِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .