10 - بَاب اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، وَالْقَلِيلِ مِنْ الصَّدَقَةِ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ : مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ
1415 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ - ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ ، فَقَالُوا : مُرَاءٍ ، وَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ فَقَالُوا : إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَاعِ هَذَا ، فَنَزَلَتْ : الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ الْآيَةَ .


[3/332] قَوْلُهُ : ( بَابُ اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، وَالْقَلِيلُ مِنَ الصَّدَقَةِ ، وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ - إِلَى قَوْلِهِ - فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ وَغَيْرُهُ : جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ لَفْظِ الْخَبَرِ وَالْآيَةِ لِاشْتِمَالِ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى الْحَثِّ عَلَى الصَّدَقَةِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا ، فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : أَمْوَالَهُمْ ، يَشْمَلُ قَلِيلَ النَّفَقَةِ وَكَثِيرِهَا ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ : لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبٍ نَفْسٍ . فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ ، إِذْ لَا قَائِلَ بِحِلِّ الْقَلِيلِ دُونَ [3/333] الْكَثِيرِ . وَقَوْلُهُ : اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، يَتَنَاوَلُ الْكَثِيرَ وَالْقَلِيلَ أَيْضًا ، وَالْآيَةُ أَيْضًا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى قَلِيلِ الصَّدَقَةِ وَكثَيْرِهَا مِنْ جِهَةِ التَّمْثِيلِ الْمَذْكُورِ فِيهَا بِالطَّلِّ وَالْوَابِلِ ، فَشُبِّهَتِ الصَّدَقَةُ بِالْقَلِيلِ بِإِصَابَةِ الطَّلِّ ، وَالصَّدَقَةُ بِالْكَثِيرِ بِإِصَابَةِ الْوَابِلِ . وَأَمَّا ذِكْرُ الْقَلِيلِ مِنَ الصَّدَقَةِ بَعْدَ ذِكْرِ شِقِّ التَّمْرَةِ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ ، وَلِهَذَا أَوْرَدَ فِي الْبَابِ حَدِيثَ أَبِي مَسْعُودٍ الَّذِي كَانَ سَبَبًا لِنُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى : وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : تَقْدِيرُ الْآيَةِ : مَثَلُ تَضْعِيفِ أُجُورِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ كَمَثَلِ تَضْعِيفِ ثِمَارِ الْجَنَّةِ بِالْمَطَرِ ، إِنْ قَلِيلًا فَقَلِيلٌ ، وَإِنْ كَثِيرًا فَكَثِيرٌ . وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَتْبَعَ الْآيَةَ الْأُولَى الَّتِي ضُرِبَتْ مَثَلًا بِالرَّبْوَةِ بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي تَضَمَّنَتْ ضَرْبَ الْمَثَلِ لِمَنْ عَمِلَ عَمَلًا يَفْقِدُهُ أَحْوَجُ مَا كَانَ إِلَيْهِ ، لِلْإِشَارَةِ إِلَى اجْتِنَابِ الرِّيَاءِ فِي الصَّدَقَةِ ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ يُشْعِرُ بِالْوَعِيدِ بَعْدَ الْوَعْدِ ، فَأَوْضَحَهُ بِذِكْرِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ ، وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى بَعْضِهَا اخْتِصَارًا .
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ :
أَحَدَهَا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ مِنْ وَجْهَيْنِ تَامًّا وَمُخْتَصَرًا .
قَوْلُهُ : ( عَنْ سُلَيْمَانَ ) هُوَ الْأَعْمَشُ ، وَأَبُو مَسْعُودٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ الْبَدْرِيُّ .
قَوْلُهُ : ( لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ ) كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً الْآيَةَ .
قَوْلُهُ : ( كُنَّا نُحَامِلُ ) أَيْ : نَحْمِلُ عَلَى ظُهُورِنَا بِالْأُجْرَةِ ، يُقَالُ : حَامَلْتُ بِمَعْنَى حَمَلْتُ كَسَافَرْتُ . وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : يُرِيدُ نَتَكَلَّفُ الْحَمْلَ بِالْأُجْرَةِ لِنَكْتَسِبَ مَا نَتَصَدَّقُ بِهِ ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ حَيْثُ قَالَ : انْطَلَقَ أَحَدُنَا إِلَى السُّوقِ فَيُحَامِلَ ، أَيْ : يَطْلُبُ الْحَمْلَ بِالْأُجْرَةِ .
قَوْلُهُ : ( فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّفْسِيرِ ، وَالشَّيْءُ الْمَذْكُورُ كَانَ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ أَوْ أَرْبَعَةَ آلَافٍ . )
قَوْلُهُ : ( وَجَاءَ رَجُلٌ ) هُوَ أَبُو عَقِيلٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّفْسِيرِ ، وَنَذْكُرُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الِاخْتِلَافَ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ ، وَمَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا مِنَ الصَّحَابَةِ كَأَبِي خَيْثَمَةَ ، وَأَنَّ الصَّاعَ إِنَّمَا حَصَلَ لِأَبِي عَقِيلٍ لِكَوْنِهِ أَجَّرَ نَفْسَهُ عَلَى النَّزْحِ مِنَ الْبِئْرِ بِالْحَبْلِ .
قَوْلُهُ : ( فَقَالُوا ) سُمِّيَ مِنَ اللَّامِزِينَ فِي " مَغَازِي الْوَاقِدِيِّ " مُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَبْتَلَ بِنُونٍ وَمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ، بَيْنَهُمَا مُوَحَّدَةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ لَامٌ .
قَوْلُهُ : ( يَلْمِزُونَ ) أَيْ يَعِيبُونَ ، وَشَاهِدُ التَّرْجَمَةِ قَوْلُهُ : وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ .