[1/55] 7 - بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ
عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِمَّا يُحِيطُ عِلْمًا أَنَّهُ
لَمْ يَقُلْهُ إِلَّا بِأَخْذِهِ إِيَّاهُ عَنْهُ إِذْ كَانَ مِثْلُهُ لَا يُوجَدُ
إِلَّا عَنْهُ ، وَلَا مِمَّا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ ، وَلَا مِنِ اسْتِنْبَاطٍ
وَلَا مِنِ اسْتِخْرَاجٍ فِي التِّسْعِ الْآيَاتِ الَّتِي أُوتِيَهَا
مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
63 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلِمَةَ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ ، قَالَ : { قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ لِآخَرَ : اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ ، فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ : لَا تَقُلْ هَذَا النَّبِيَّ ؛ فَإِنَّهُ إِنْ سَمِعَهَا كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ ، فَانْطَلَقَا إِلَيْهِ ، فَسَأَلَاهُ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ، فَقَالَ : تَعْبُدُوا اللهَ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ، وَلَا تَزْنُوا ، وَلَا تَسْرِقُوا ، وَلَا تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ ، وَلَا تَسْحَرُوا ، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا ، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى سُلْطَانٍ ، وَعَلَيْكُمْ يَهُودَ أَنْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ . فَقَالَا : نَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ } .
[1/56] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : هَذَا الْحَرْفُ " { نَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ } لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَصْحَابِ شُعْبَةَ إِلَّا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ التِّسْعَ آيَاتٍ الَّتِي آتَاهَا اللهُ مُوسَى هِيَ التِّسْعُ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَاتُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَأَنَّهَا عِبَادَاتٌ لَا نِذَارَاتٌ ، وَلَا تَخْوِيفَاتٌ ، وَلَا وَعِيدَاتٌ .
وَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا مِمَّنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ شُعْبَةَ ضَبَطَ التِّسْعَ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ فِيهِ غَيْرَ يَحْيَى ، وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ قَدْ ضَبَطَهَا عَنْ شُعْبَةَ أَيْضًا بِضَبْطِ يَحْيَى إِيَّاهَا عَنْهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ .
وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ :
[1/57] 64 - مَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، أَخْبَرَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ إِدْرِيسَ ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ عَبْدِ اللهِ عَنْ صَفْوَانَ قَالَ : { قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ : اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ ، فَقَالَ صَاحِبُهُ : لَا تَقُلْ نَبِيٌّ ، لَوْ سَمِعَهَا كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ ، فَأَتَيَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَأَلَاهُ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَقَالَ لَهُمْ : لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا ، وَلَا تَسْرِقُوا ، وَلَا تَزْنُوا ، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى سُلْطَانٍ ، وَلَا تَسْحَرُوا ، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا ، وَلَا تَقْذِفُوا الْمُحْصَنَةَ ، وَلَا تَوَلَّوْا يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةً يَهُودُ أَنْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ فَقَبَّلُوا يَدَيْهِ ، وَرِجْلَيْهِ ، وَقَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ قَالَ : فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونِي ؟ قَالُوا : إِنَّ دَاوُدَ دَعَا أَنْ لَا يَزَالَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ ، وَإِنَّا نَخَافُ إِنْ تَبِعْنَاكَ أَنْ تَقْتُلَنَا يَهُودُ } .
هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ ابْنُ شُعَيْبٍ بِلَا شَكٍّ مِنْهُ فِيهِ ، وَلَا مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُ ، وَلَا مِمَّنْ فَوْقَهُ مِنْ رُوَاتِهِ فِيهِ .
وَكَانَ مَا ظَنَّ هَذَا الظَّانُّ بِخِلَافِ مَا ظَنَّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا ظَنَّ ، لَكَانَ ابْنُ إِدْرِيسَ قَدْ زَادَ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فِيهِ آيَةً أُخْرَى ، فَصَارَ الَّذِي فِيهِ عَشْرَ آيَاتٍ ، وَإِنَّمَا الَّذِي أَخْبَرَ اللهُ أَنَّهُ آتَاهُ مُوسَى مِنْهَا تِسْعُ آيَاتٍ لَا عَشْرُ آيَاتٍ .
وَلَكِنْ حَقِيقَةُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ الَّتِي فِيهِ مِنْ عَبْدِ اللهِ عَلَى يَحْيَى إِنَّمَا هِيَ أَنَّ شُعْبَةَ قَدْ كَانَ شَكَّ فِيهِ بِأَخَرَةٍ ، فَلَمْ يَدْرِ : هَلْ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهِ التَّوَلِّي [1/58] يَوْمَ الزَّحْفِ ، أَوْ قَذْفُ الْمُحْصَنَةِ ، وَكَانَ يُحَدِّثُ بِهِ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ مَاتَ ، وَكَانَ سَمَاعُ يَحْيَى إِيَّاهُ مِنْهُ بِلَا شَكٍّ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا :
65 - أَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَتَّابِيَّ أَخْبَرَنَا خَالِدٌ ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ ، وَأَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ قَدْ حَدَّثُونَا ، قَالُوا : حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلِمَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ { أَنَّ يَهُودِيًّا قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ حَتَّى نَسْأَلَ هَذَا النَّبِيَّ فَقَالَ الْآخَرُ : لَا تَقُلْ لَهُ النَّبِيَّ فَإِنَّهُ إِنْ سَمِعَهَا صَارَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ ، فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَقَالَ : لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا ، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ، وَلَا تَسْرِقُوا ، وَلَا تَزْنُوا ، وَلَا تَسْحَرُوا ، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا ، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ ، وَلَا تَقْذِفُوا الْمُحْصَنَةَ أَوْ تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةً الْيَهُودَ أَنْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ قَالَ : فَقَبَّلُوا يَدَهُ وَقَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ قَالَ : فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونِي قَالُوا : إِنَّ دَاوُدَ دَعَا أَنْ لَا يَزَالَ فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ ، وَإِنَّا نَخْشَى إِنِ اتَّبَعْنَاكَ أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ } .
وَأَنَّ بَكَّارَ بْنَ قُتَيْبَةَ قَدْ حَدَّثَنَا ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ صَاحِبُ الطَّيَالِسَةِ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي الْوَلِيدِ بِالشَّكِّ الَّذِي فِيهِ .
وَأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ الرَّقِّيَّ ، حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، وَزَادَ أَنَّ ذَلِكَ الشَّكَّ مِنْ شُعْبَةَ .
[1/59] فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ انْفِرَادَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ شُعْبَةَ خَالِيًا مِنَ الشَّكِّ فِيهِ دُونَ ابْنِ إِدْرِيسَ وَدُونَ مَنْ سِوَاهُ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ .
فَهَذَا مَا وَجَدْنَاهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ عَنْ رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الشَّكُّ مِنْهَا هُوَ مَوْضِعٌ يَجِبُ أَنْ يُوقَفَ عَلَى الْفَائِدَةِ فِيهِ وَهُوَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ حُكْمَ اللهِ تَعَالَى كَانَ تَحْرِيمَ الْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ مِمَّا تَعَبَّدَ بِهِ نَبِيَّهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَمِمَّا لَمْ يَنْسَخْهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَ مِنْ شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ دَفْعٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى : وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ الْآيَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ خَاصَّةً ، وَأَنَّ حُكْمَهُ لَيْسَ فِيمَا بَعْدَهُ .
فَأَمَّا مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَأْوِيلِهَا وَفِي التِّسْعِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ فِيهَا .
فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ أَبُو صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ ، عَنْ خُصَيْفٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ، قَالَ : الْيَدُ ، وَالْعَصَا ، وَالطُّوفَانُ ، وَالْجَرَادُ ، وَالْقُمَّلُ ، وَالضَّفَادِعُ ، وَالدَّمُ ، وَالسِّنِينَ ، وَنَقْصٌ مِنَ الثَّمَرَاتِ .
[1/60] غَيْرَ أَنَّا تَأَمَّلْنَا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ مَوْلَاهُ ، فَوَجَدْنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي حَدِيثِهِ فِي الْفُتُونِ .
66 - كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى لِمُوسَى : وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْفُتُونِ مَا هُوَ ؟ قَالَ : اسْتَأْنِفِ النَّهَارَ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ ، فَإِنَّ لَهَا حَدِيثًا طَوِيلًا فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ إِلَيْهِ لِأَنْتَجِزَ مِنْهُ مَا وَعَدَنِي فَذَكَرَ عَنْهُ مَا ذَكَرَ عَنْهُ فِي حَدِيثِهِ إِلَى أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ أُرِيدُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ تَعَالَى وَتُرْسِلَ مَعِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَأَنَّ فِرْعَوْنَ أَبَى عَلَيْهِ ذَلِكَ ، فَقَالَ : ائْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ، فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ عَظِيمَةٌ فَاغِرَةٌ فَاهَا قَاصِدَةٌ مُسْرِعَةٌ إِلَى فِرْعَوْنَ ، فَلَمَّا رَآهَا فِرْعَوْنُ قَاصِدَةً إِلَيْهِ خَافَهَا ، فَاقْتَحَمَ عَنْ سَرِيرِهِ ، وَاسْتَغَاثَ بِمُوسَى أَنْ يَكُفَّهَا عَنْهُ فَفَعَلَ ، ثُمَّ أَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ جَيْبِهِ فَرَآهَا بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ ، ثُمَّ رَدَّهَا فَعَادَتْ إِلَى لَوْنِهَا الْأَوَّلِ ، ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ حَتَّى بَلَغَ ذِكْرَ مُكْثِ مُوسَى لِمَوَاعِيدِ فِرْعَوْنَ الْكَاذِبَةِ كُلَّمَا جَاءَهُ بِآيَةٍ وَعَدَهُ عِنْدَهَا أَنْ يُرْسِلَ مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَإِذَا [1/61] مَضَتْ أَخْلَفَ مَوْعِدَهُ ، وَقَالَ : هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يَصْنَعَ غَيْرَ هَذَا ؟ فَأَرْسَلَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْمِهِ الطُّوفَانَ ، وَالْجَرَادَ ، وَالْقُمَّلَ ، وَالضَّفَادِعَ ، وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ ، كُلُّ ذَلِكَ يَشْكُو إِلَى مُوسَى ، وَيَطْلُبُ إِلَيْهِ أَنْ يَكُفَّهَا عَنْهُ ، وَيُوَافِقُهُ عَلَى أَنْ يُرْسِلَ مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَإِذَا كَفَّ ذَلِكَ عَنْهُ نَكَثَ عَهْدَهُ ، وَأَخْلَفَ حَتَّى أُمِرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْخُرُوجِ بِقَوْمِهِ فَخَرَجَ بِهِمْ لَيْلًا ، فَلَمَّا أَصْبَحَ فِرْعَوْنُ وَرَآهُمْ قَدْ مَضَوْا أَرْسَلَ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ، فَتَبِعَهُمْ جُنْدٌ عَظِيمَةٌ كَثِيرَةٌ ، وَأَوْحَى اللهُ إِلَى الْبَحْرِ إِذَا ضَرَبَكَ عَبْدِي مُوسَى بِعَصَاهُ فَانْفَرِقِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً حَتَّى يَجُوزَ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ ثُمَّ الْتَقِمْ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَأَشْيَاعِهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا كَانَ مِنَ اللهِ تَعَالَى مِمَّا أَهْلَكَ بِهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ مِنَ الْغَرَقِ حَتَّى بَلَغَ إِلَى مَا كَانَ مِنَ اللهِ تَعَالَى فِيمَا كَانَ مِنْهُ فِي قَوْمِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَنَّهُ نَتَقَ عَلَيْهِمُ الْجَبَلَ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ ، وَدَنَا مِنْهُمْ حَتَّى خَافُوا أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِمْ . ثُمَّ ذَكَرَ مَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِهِ الَّذِي ذَكَرْنَا حَتَّى بَلَغَ إِلَى مَوْضِعِ تَحْرِيمِ اللهِ تَعَالَى عَلَى مَنْ حَرَّمَ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ مُوسَى قَبْلَ ذَلِكَ فَاسِقِينَ ثُمَّ ابْتَلَاهُمْ بِمَا ابْتَلَاهُمْ بِهِ مِنَ التِّيهِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي ابْتَلَاهُمْ بِالتِّيهِ فِيهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ، فَيُصْبِحُونَ كُلَّ يَوْمٍ فَيَسِيرُونَ لَيْسَ لَهُمْ قَرَارٌ ، ثُمَّ ظَلَّلَ عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ فِي التِّيهِ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى وَجَعَلَ لَهُمْ ثِيَابًا لَا تَبْلَى وَلَا تَتَّسِخُ ، وَجَعَلَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ حَجَرًا مُرَبَّعًا وَأَمَرَ تَعَالَى مُوسَى فَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ ثَلَاثَةُ أَعْيُنٍ ، وَأَعْلَمَ كُلَّ سِبْطٍ عَيْنَهُمُ الَّتِي يَشْرَبُونَ وَلَا يَرْتَحِلُونَ مِنْ مَنْقَلَةٍ إِلَّا وَجَدُوا ذَلِكَ الْحَجَرَ مِنْهُمْ بِالْمَكَانِ الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ بِالْأَمْسِ . رَفَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
[1/62] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْآيَاتِ التِّسْعِ سَبْعَ آيَاتٍ كَانَتْ مِنَ اللهِ تَعَالَى قَبْلَ تَغْرِيقِهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فِي الْبَحْرِ وَهِيَ : عَصَا مُوسَى ، وَيَدُهُ ، وَإِرْسَالُهُ عَلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ الطُّوفَانَ ، وَالْجَرَادَ ، وَالْقُمَّلَ ، وَالضَّفَادِعَ ، وَالدَّمَ .
وَمِنْهَا مَا بَعْدَ تَغْرِيقِهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ نَتْقِهِ الْجَبَلَ عَلَى مَنْ نَتَقَهُ ، وَمِنَ التِّيهِ الَّذِي ابْتَلَى بِهِ مَنِ ابْتَلَاهُ ، وَمِمَّا كَانَ مِنْهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ تَظْلِيلِهِ عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ فِي التِّيهِ ، وَإِنْزَالِهِ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ، وَبِمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنَ الثِّيَابِ الَّتِي لَا تَبْلَى وَلَا تَتَّسِخُ ، وَمِمَّا جَعَلَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ مِنَ الْحَجَرِ الْمَوْصُوفِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَمِمَّا كَانَ مِنْ مُوسَى فِيهِ مِنْ ضَرْبِهِ إِيَّاهُ بِعَصَاهُ حَتَّى انْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَعْيُنٍ ، وَإِعْلَامِهِ كُلَّ سِبْطٍ عَيْنَهُمُ الَّتِي يَشْرَبُونَ ، وَمِنْ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْحَلُونَ مِنْ مَنْقَلَةٍ إِلَّا وَجَدُوا ذَلِكَ الْحَجَرَ مِنْهُمْ بِالْمَكَانِ الَّذِي كَانُوا مِنْهُ بِالْأَمْسِ ، وَاللهُ أَعْلَمُ مَا الْآيَتَانِ الْبَاقِيَتَانِ بَعْدَ السَّبْعِ الْآيَاتِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ [1/63] تَغْرِيقِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، وَصَارَ هَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
ثُمَّ اعْتَبَرْنَا مَا يُرْوَى عَمَّنْ قَدَرْنَا عَلَيْهِ مِمَّنْ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ هَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِمَا رَوَيْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَنْ صَفْوَانَ فِي ذَلِكَ . ؟
فَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ دَاوُدَ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ ، أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ ، عَنِ الْحَسَنِ ، وَمُغِيرَةُ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ، قَالَ : الطُّوفَانُ ، وَالْجَرَادُ ، وَالْقُمَّلُ ، وَالضَّفَادِعُ ، وَالدَّمُ ، وَيَدُهُ ، وَعَصَاهُ ، وَالسُّنُونَ ، وَنَقْصٌ مِنَ الثَّمَرَاتِ .
0 وَوَجَدْنَا أَحْمَدَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَعِكْرِمَةَ مِثْلَهُ .
0 وَوَجَدْنَا عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ أَبِي يَحْيَى ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ .
وَكَانَتِ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَاتُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَفِي أَحَادِيثِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ مَعَهُ مِنَ التَّابِعِينَ نِذَارَاتٍ وَتَخْوِيفَاتٍ وَوَعِيدَاتٍ ، وَكَانَتِ الْآيَاتُ هِيَ الْعَلَامَاتُ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى : وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ، وَقَالَ : وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ، فَكَانَتْ تِلْكَ الْآيَاتُ حُجَجًا عَلَى الْخَلْقِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى ، وَأَنَّ [1/64] الْمَخْلُوقِينَ عَاجِزُونَ عَنْهَا فَيَعْقِلُونَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ اللهَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُمُ الرُّجُوعُ إِلَى أَمْرِهِ مِمَّا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ أَجْلِهِ مُعَاقِبُهُمْ وَمُعَذِّبُهُمْ .
وَالْآيَاتُ أَيْضًا فَقَدْ تَكُونُ عِبَادَاتٍ .
وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى عَنْ عَبْدِهِ وَنَبِيِّهِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ قَوْلِهِ : رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً ، وَمِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى لَهُ : آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِيهِمَا فِي كِتَابِهِ ، وَفِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ مِنْهُمَا { قَالَ : آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا فَكَانَ تَصْحِيحُ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَمَا فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ هُوَ عَلَى الْآيَاتِ الَّتِي تَعَبَّدُوا بِهَا ، وَكَانَ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ الْآيَاتُ الَّتِي أُوعِدُوا بِهَا وَخُوِّفُوهَا ، وَأُنْذِرُوا بِهَا إِنْ لَمْ يَعْمَلُوا مَا تُعُبِّدُوا بِهِ مَا قَدْ بَيَّنَهُ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَصَحَّ ذَلِكَ مَا فِي الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا ، وَعَقَلْنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ مُرَادَهُ بِمَا فِي أَحَدِهِمَا غَيْرُ مُرَادِهِ بِمَا فِي الْآخَرِ مِنْهُمَا ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
وَسَأَلَ سَائِلٌ فَقَالَ : فِيمَا قَدْ رَوَيْتَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَنْ صَفْوَانَ مَا قَدْ وَقَفْنَا بِهِ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ كَانَ آتَى نَبِيَّهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ آيَةً فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ رَوَيْتُهُمَا مِنْهُ تِسْعُ آيَاتٍ ، وَإِنَّمَا فِي الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرْتُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مِنْ أَجْلِهَا إِيتَاؤُهُ إِيَّاهُ تِسْعَ آيَاتٍ ، وَهِيَ قَوْلُهُ : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، فَالْحَاجَةُ بِنَا مِنْ بَعْدُ إِلَى الْوُقُوفِ عَلَى التِّسْعِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ فِيهَا مَا هِيَ ؟ قَائِمَةٌ .
فَكَانَ جَوَابُنَا فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ وَعَوْنِهِ أَنَّ فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَاهَا قَوْلَهُ [1/65] تَعَالَى : فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا .
فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ مُوسَى إِنَّمَا كَانَ جَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا كَانَ اللهُ تَعَالَى تَعَبَّدَهُمْ بِهِ حِينَئِذٍ لَا بِمَا سِوَاهُ ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْ أُرْسِلَ إِلَى قَوْمٍ بِمَا تُعُبِّدُوا بِهِ يَأْتِيهِمْ بِنِذَارَاتٍ وَلَا وَعِيدَاتٍ وَلَا تَخْوِيفَاتٍ ، وَإِنَّمَا يَأْتِيهِمْ بِمَا أُرْسِلَ بِهِ إِلَيْهِمْ لَا بِمَا سِوَاهُ ، فَإِنْ أَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ وَقَبِلُوهُ مِنْهُ اكْتَفَى بِذَلِكَ مِنْهُمْ ، وَحَمَلَهُمْ عَلَيْهِ ، وَغَنِيَ بِذَلِكَ عَمَّا سِوَاهُ مِنَ النِّذَارَاتِ وَالتَّخْوِيفَاتِ ، وَمِنَ الْوَعِيدَاتِ ، فَلَمَّا قَابَلَهُ فِرْعَوْنُ لَمَّا جَاءَهُمْ بِهَا بِمَا قَابَلَهُ بِهِ فِيهِمْ مِنْ حَبْسِهِمْ وَدَعْوَاهُ رُبُوبِيَّتَهُمْ بِمَا حَكَاهُ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ لَهُمْ : مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ، وَمِنْ قَوْلِهِ لِمُوسَى لَمَّا قَالَ لَهُ مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا قَدْ رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْفُتُونِ فِي هَذَا الْبَابِ لَمَّا جَاءَهُ هُوَ وَأَخُوهُ هَارُونُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مِنْ قَوْلِهِ لَمَّا سَأَلَهُ عَمَّا يُرِيدُ فَقَالَ لَهُ مُوسَى : تُؤْمِنُ بِاللهِ تَعَالَى وَتُرْسِلُ مَعِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَمِنْ قَوْلِ فِرْعَوْنَ عِنْدَ ذَلِكَ : ائْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ، فَجَاءَهُ مُوسَى مِنَ الْآيَاتِ بِمَا جَاءَهُ بِهِ مِمَّا قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ التَّخْوِيفَاتِ وَالنِّذَارَاتِ وَالْوَعِيدَاتِ ، فَلَمَّا عَتَا عَنْ ذَلِكَ وَتَمَادَى فِي كُفْرِهِ وَفِي إِبَاءَتِهِ عَلَى مُوسَى مَا دَعَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَيْهِ ، جَاءَهُ مِنَ اللهِ حَقِيقَةُ وَعِيدِهِ ، فَأَهْلَكَهُ وَقَوْمَهُ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ بِمَا أَهْلَكَهُمْ بِهِ مِمَّا ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْفُتُونِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ بَانَ بِهِ مَا الْآيَاتُ التِّسْعُ مِنَ الثَّمَانِيَ عَشْرَةَ الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا ، وَإِنَّمَا كَانَ قَصْدُنَا فِي هَذَا الْجَوَابِ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ جُبَيْرٍ عَنِ [1/66] ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْفُتُونِ دُونَ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ مَوْلَاهُ عَنْهُ ، اللَّذَيْنِ رَوَيْنَاهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ ابْنِ جُبَيْرٍ هِيَ الَّتِي خَوَّفَ بِهَا مُوسَى فِرْعَوْنَ ، وَأَوْعَدَهُ بِهَا حِينَ لَمْ يُؤْمِنْ ، وَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى إِرْسَالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ .
وَحَدِيثُ عِكْرِمَةَ فِي تَحْقِيقِ الْآيَاتِ التِّسْعِ الْمُرَادَاتِ بِقَوْلِهِ : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ، وَذَلِكَ مِمَّا قَدْ دَفَعَهُ حَدِيثُ صَفْوَانَ عَنْ رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ صَفْوَانَ هَذَا مَخْرَجُهُ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ، كَمَا مَخْرَجُ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ تِلْكَ الْآيَاتِ هِيَ الْآيَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي حَدِيثِهِ عَنْهُ ، فَضَادَّ ذَلِكَ حَدِيثَ صَفْوَانَ ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ حُجَّةٌ ، وَلِأَنَّ مَعْقُولًا ، أَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ عِكْرِمَةَ هَذَا مُحَالٌ ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْمَجِيءَ بِالنِّذَارَاتِ وَالْوَعِيدَاتِ وَالتَّخْوِيفَاتِ قَبْلَ الْمَجِيءِ بِالشَّرِيعَةِ الَّتِي تَكُونُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عِنْدَ إِبَاءَتِهَا . وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .