[7/383] 461 - بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ابْنِ صَيَّادٍ الْيَهُودِيِّ مِمَّا أَطْلَقَ بِهِ قَوْمٌ عَلَيْهِ الدَّجَّالُ ، وَمِمَّا مَنَعَ بِهِ قَوْمٌ أَنْ يَكُونَ هُوَ الدَّجَّالَ .
2942 - حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : إِنَّ امْرَأَةً مِنَ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ وَلَدَتْ غُلَامًا مَمْسُوحَةٌ عَيْنُهُ ، طَالِعَةٌ ، نَاتِئَةٌ ، وَأَشْفَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ الدَّجَّالَ ، فَوَجَدَهُ تَحْتَ قَطِيفَةٍ يُهَمْهِمُ ، فَآذَنَتْهُ أُمُّهُ ، فَقَالَتْ : يَا عَبْدَ اللهِ ، هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ جَاءَ فَاخْرُجْ إِلَيْهِ ، فَخَرَجَ مِنَ الْقَطِيفَةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا لَهَا - قَاتَلَهَا اللهُ - لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا ابْنَ صَيَّادٍ مَا تَرَى ؟ قَالَ : أَرَى حَقًّا ، وَأَرَى بَاطِلًا ، وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ ، فَقَالَ لَهُ : أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ ؟ فَقَالَ هُوَ : أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : آمَنْتُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرُسُلِهِ ، ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَهُ ، ثُمَّ أَتَاهُ مَرَّةً أُخْرَى ، فَوَجَدَهُ فِي نَخْلٍ لَهُمْ يُهَمْهِمُ فَآذَنَتْهُ أُمُّهُ ، فَقَالَتْ : يَا عَبْدَ اللهِ ، هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ جَاءَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : - مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللهُ - لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ ، قَالَ : وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطْمَعُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ كَلَامِهِ شَيْئًا ، فَيَعْلَمُ هُوَ هُوَ أَمْ لَا ، فَقَالَ : يَا ابْنَ صَيَّادٍ مَا تَرَى ؟ قَالَ : أَرَى حَقًّا ، وَأَرَى بَاطِلًا ، وَأَرَى عَرْشًا [7/384] عَلَى الْمَاءِ ، فَقَالَ : أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ ؟ فَقَالَ هُوَ : أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : آمَنْتُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرُسُلِهِ ، فَلُبِّسَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَهُ ، ثُمَّ جَاءَ فِي الثَّالِثَةِ ، وَالرَّابِعَةِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَنَا مَعَهُ ، فَبَادَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَيْدِينَا رَجَاءَ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ كَلَامِهِ شَيْئًا ، فَسَبَقَتْهُ أُمُّهُ إِلَيْهِ ، فَقَالَتْ : يَا عَبْدَ اللهِ ، هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ جَاءَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : - مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللهُ - لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ ، فَقَالَ : يَا ابْنَ صَيَّادٍ مَا تَرَى ؟ قَالَ : أَرَى حَقًّا ، وَأَرَى بَاطِلًا ، وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ ، فَقَالَ : أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ ؟ فَقَالَ : أَتَشْهَدُ أَنْتَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : آمَنْتُ بِاللهِ وَرُسُلِهِ ، فَلُبِّسَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا ابْنَ صَيَّادٍ ، إِنَّا قَدْ خَبَّأْنَا لَكَ خَبِيئًا فَمَا هُوَ ؟ قَالَ : الدُّخُّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْسَأْ ، اخْسَأْ ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : ائْذَنْ لِي فَأَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ يَكُنْ هُوَ ، فَلَسْتَ صَاحِبَهُ ، إِنَّمَا صَاحِبُهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَإِنْ لَا يَكُنْ هُوَ ، فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَقْتُلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ ، قَالَ : فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْفِقًا أَنْ يَكُونَ هُوَ الدَّجَّالَ .
[7/385] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى مِنِ ابْنِ صَيَّادٍ مَا رَأَى مِنْ عَيْنِهِ ، وَلَمَّا سَمِعَ مِنْ هَمْهَمَتِهِ مَا سَمِعَ ، وَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِ مِنْ شَوَاهِدِهِ الْمَذْكُورَةِ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الدَّجَّالَ الَّذِي قَدْ أَعْلَمَهُ اللهُ خُرُوجَهُ فِي أُمَّتِهِ ، فَقَالَ فِيهِ مَا قَالَ ، بِغَيْرِ تَحْقِيقٍ مِنْهُ أَنَّهُ هُوَ ، إِذْ لَمْ يَأْتِهِ بِذَلِكَ وَحْيٌ ؛ وَلَا أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ ، إِذْ لَمْ يَأْتِهِ بِذَلِكَ وَحْيٌ ، وَوَقَفَ عَنْ إِطْلَاقِ وَاحِدٍ مِنْ ذَيْنِكَ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ .
فَقَالَ قَائِلٌ : فَقَدْ حَلَفَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ الدَّجَّالُ ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ .
2943 - وَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُثَنَّى بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَحْلِفُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ : إِنَّ ابْنَ صَيَّادٍ الدَّجَّالُ ، وَلَا يَسْتَثْنِي ، فَقُلْتُ لَهُ : تَحْلِفُ بِاللهِ ، وَلَا تَسْتَثْنِي ! فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَحْلِفُ عَلَى ذَاكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
[7/386] 2944 - وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ شُعْبَةَ ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ .
2945 - وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ الْحِمْصِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ .
قَالَ : فَفِي هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَمِعَ عُمَرَ يَحْلِفُ أَنَّهُ الدَّجَّالُ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ ، قَالَ : فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى تَصْدِيقِهِ إِيَّاهُ عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَرَدَّهُ عَلَيْهِ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ : أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ [7/387] أَنْ يَكُونَ كَانَ تَرْكُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْكَارَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى مُحْتَمَلٍ لَمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ مِمَّا لَمْ يَنْزِلْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْيٌ بِخِلَافِهِ ، فَتَرَكَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ .
قَالَ هَذَا الْقَائِلُ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ مِنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : وَاللهِ لَأَنْ أَحْلِفَ تِسْعًا إِنَّ ابْنَ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ وَاحِدَةً إِنَّهُ لَيْسَ بِهِ .
قَالَ : فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ عَنْ هَذَا كَجَوَابِنَا إِيَّاهُ عَمَّا أَجَبْنَاهُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ هَذَا الَّذِي كَانَ مِنْهُ فِي ابْنِ صَيَّادٍ إِنَّمَا كَانَ مِنْهُ لِمِثْلِ الَّذِي قَدْ وَقَفَ عَلَيْهِ عُمَرُ مِنْهُ ، فَكَانَ مِنْ [7/388] عُمَرَ فِيهِ مَا كَانَ مِنْ حَلِفِهِ إِنَّهُ الدَّجَّالُ .
2946 - كَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَمْشِي فَمَرَرْنَا بِصِبْيَانٍ فِيهِمُ ابْنُ صَيَّادٍ ، فَفَرَّ الصِّبْيَانُ وَجَلَسَ ابْنُ صَيَّادٍ ، فَكَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ ذَلِكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَرِبَتْ يَدَاكَ ، أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ ؟ فَقَالَ : لَا ، بَلْ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ ؟ فَقَالَ عُمَرُ : ذَرْنِي أَقْتُلْهُ يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ يَكُنِ الَّذِي تَرَى فَلَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ .
فَوَقَفْنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي أَمْرِهِ حَتَّى قَالَ مِنْ أَجْلِهِ مَا قَالَ ، هُوَ الَّذِي كَانَ عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَمْرُهُ حَتَّى كَانَ مِنْ حَلِفِهِ فِي أَنَّهُ الدَّجَّالُ مَا كَانَ ، وَكَذَلِكَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ الَّذِي قَدْ رَوَيْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا مِنْ قَوْلِهِ : لَأَنْ أَحْلِفَ إِنَّ ابْنَ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ عَشْرًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِنَّهُ لَيْسَ بِهِ ، هُوَ مِثْلُ مَا كَانَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَلَيْهِ فِي أَمْرِهِ ، [7/389] ثُمَّ وَقَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْدُ ، عَلَى مَا حَدَّثَهُ بِهِ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ .
2947 - كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ الْمَعْرُوفُ بِالسُّوسِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ عَامِرٍ ، عَنْ فَاطِمَةَ ابْنَةِ قَيْسٍ قَالَتْ : بَيْنَمَا النَّاسُ بِالْمَدِينَةِ آمِنِينَ لَيْسَ بِهِمْ فَزَعٌ إِذْ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَمْشِي حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَفَزِعَ النَّاسُ ، قَالَتْ : فَلَمَّا رَأَى فِي وُجُوهِهِمْ ذَلِكَ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي لَمْ أُفْزِعْكُمْ ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي أَمْرٌ فَرِحْتُ بِهِ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ بِفَرَحِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ أَخْبَرَنِي أَنَّ قَوْمًا مِنْ بَنِي عَمٍّ لَهُ رَكِبُوا سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ ، فَانْتَهَتْ بِهِمْ سَفِينَتُهُمْ إِلَى جَزِيرَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا فَخَرَجُوا يَنْظُرُونَ ، فَإِذَا هُمْ بِإِنْسَانٍ لَا يَدْرُونَ ذَكَرًا هُوَ أَوْ أُنْثَى مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ ، فَقَالُوا : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ ، قَالُوا : فَحَدِّثِينَا ، قَالَتِ : ائْتُوا الدَّيْرَ فَإِنَّ فِيهِ رَجُلًا بِالْأَشْوَاقِ إِلَى أَنْ تُحَدِّثُوهُ ، قَالَ : فَدَخَلُوا الدَّيْرَ ، فَإِذَا هُمْ بِرَجُلٍ مُوثَقٍ بِالْحَدِيدِ يَتَأَوَّهُ شَدِيدَ التَّأَوُّهِ ، فَقَالَ لَهُمْ : مَنْ أَنْتُمْ ؟ فَقَالُوا : مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، قَالَ : فَخَرَجَ نَبِيُّهُمْ بَعْدُ ؟ فَقَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : فَمَا صَنَعَ ؟ قَالُوا : تَبِعَهُ قَوْمٌ وَفَارَقَهُ قَوْمٌ ، فَقَاتَلَ بِمَنِ اتَّبَعَهُ مَنْ فَارَقَهُ حَتَّى أَعْطَوْهُ الْجِزْيَةَ ، قَالَ : وَمِنْ أَيِّ أَرْضٍ أَنْتُمْ ؟ فَقَالُوا : مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِينَ ، قَالَ : فَمَا فَعَلَتْ بُحَيْرَةُ الطَّبَرِيَّةِ ؟ فَقَالُوا : هِيَ مَلْأَى تَدَفَّقُ ، قَالَ : فَمَا فَعَلَتْ عَيْنُ زُغَرَ ؟ قَالُوا : تَدَفَّقُ حَافَّتُهَا ، قَالَ : فَمَا فَعَلَ نَخْلٌ بَيْنَ عَمَّانَ وَبَيْسَانَ ؟ قَالُوا : قَدْ أَطْعَمَ ، قَالَ : لَوْ أُفْلِتُّ مِنْ وَثَاقِي لَقَدْ وَطِئْتُ الْبُلْدَانَ كُلَّهَا إِلَّا طَيْبَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ [7/390] اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِلَى هَذَا انْتَهَى فَرَحُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : هِيَ طَيْبَةُ هِيَ طَيْبَةُ - [ يَعْنِي ] - الْمَدِينَةَ ، وَمَا فِيهَا طَرِيقٌ ، وَلَا مَوْضِعٌ ضَيِّقٌ ، وَلَا وَاسِعٌ ، وَلَا ضَعِيفٌ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ شَاهِرٌ سَيْفَهُ ، لَوْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا ، ضَرَبَ وَجْهَهُ بِالسَّيْفِ .
قَالَ الشَّعْبِيُّ : فَلَقِيتُ مُحَرَّرَ بْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ ، فَحَدَّثْتُهُ ، فَقَالَ : هَلْ زَادَكَ فِيهِ شَيْئًا ؟ قُلْتُ : لَا ، قَالَ : صَدَقْتَ ، أَشْهَدُ عَلَى أَبِي أَنَّهُ حَدَّثَنِي بِهَذَا وَزَادَ فِيهِ ، ثُمَّ قَالَ : نَحْوَ الشَّامِ مَا هُوَ نَحْوُ الْعِرَاقِ مَا هُوَ ، ثُمَّ أَهْوَى بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ عِشْرِينَ مَرَّةً ، قَالَ : فَلَقِيتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَحَدَّثْتُهُ ، فَقَالَ : هَلْ زَادَ فِيهِ شَيْئًا ؟ قُلْتُ : لَا ، قَالَ : صَدَقَ ، أَشْهَدُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي بِهَذَا غَيْرَ أَنَّهَا زَادَتْ فِيهِ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَمَكَّةُ مِثْلُهَا .
[7/391] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَكَانَ سُرُورُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا كَانَ تَمِيمٌ حَدَّثَهُ إِيَّاهُ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَحَقَّقَ عِنْدَهُ ، بِمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ مِثْلُهُ عِنْدَهُ ، وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا قَامَ بِهِ فِي الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا خَطَبَ بِهِ عَلَيْهِمْ ، وَابْنُ صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ ، فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ الدَّجَّالَ الَّذِي كَانَ مِنْهُ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ مَا كَانَ ، وَمَنْ يُحَذِّرُ بِهِ أُمَّتَهُ مِنْهُ ، وَمِنْ إِخْبَارِهِ النَّاسَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلَهُ إِلَّا وَقَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ خِلَافَ ابْنِ صَيَّادٍ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَكَيْفَ بَقِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَأَبُو ذَرٍّ ، وَجَابِرٌ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِيهِ مِمَّا قَدْ رَوَيْتَهُ عَنْهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ مِمَّا قَالُوهُ فِيهِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ : أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا بِمَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا حَدَّثَ بِهِ النَّاسَ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ، وَلَا مِنْ سُرُورِهِ بِهِ ، فَقَالُوا مِنْ ذَلِكَ مَا قَالُوا لِهَذَا الْمَعْنَى - وَاللهُ أَعْلَمُ - ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ عِنْدَنَا - وَاللهُ أَعْلَمُ - كَانَ ابْنُ صَيَّادٍ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الدَّجَّالَ بِمَا خَاطَبَ بِهِ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ كَمَا . حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْغَافِرِ ، قَالَ : [7/392] حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ ، قَالَ : خَرَجْنَا صَادِرِينَ مِنْ مَكَّةَ إِذْ لَحِقَنِي ابْنُ صَيَّادٍ ، فَقَالَ : يَا أَبَا سَعِيدٍ ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَحْرَقُونِي يَزْعُمُونَ أَنِّي أَنَا الدَّجَّالُ ، وَالدَّجَّالُ لَا يُولَدُ لَهُ ، وَقَدْ وُلِدَ لِي ، وَالدَّجَّالُ لَا يَدْخُلُ الْحَرَمَيْنِ وَقَدْ دَخَلْتُهُمَا ، وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ مَكَانَهُ ، قَالَ : فَمَا ارْتَبْتُ بِهِ أَنَّهُ هُوَ إِلَّا حِينَئِذٍ .
فَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ مِنِ ابْنِ صَيَّادٍ عِنْدَنَا - وَاللهُ أَعْلَمُ - يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ ، لِوُقُوفِهِ عَلَى مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ بِهِ مِمَّا حَدَّثَهُ بِهِ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي هَذَا الْبَابِ مِمَّا فِيهِ إِخْبَارُهُ إِيَّاهُمْ عَنْ تَمِيمٍ عَنْ بَنِي عَمِّهِ بِمَكَانِهِ الَّذِي رَأَوْهُ فِيهِ ، فَقَالَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَا قَالَ ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ كَانَ فِي ذَلِكَ ، وَإِيَّاهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .