[9/156] 563 - بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَوَالِي : لَيُقَاتِلُنَّكُمْ عَلَى هَذَا الدِّينِ عَوْدًا كَمَا قَاتَلْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ بَدْءًا
3530 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ - يَعْنِي الْأَعْمَشَ - ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : خَطَبَنَا عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَصَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ حَاضِرٌ عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ آجُرٍّ ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ حَتَّى كَلَّمَهُ بِشَيْءٍ ، فَانْتَهَرَهُ ، وَلَا أَدْرِي مَا قَالَ لَهُ ، ثُمَّ جَاءَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ حَتَّى دَنَا مِنْهُ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، غَلَبَتْنَا هَذِهِ الْحَمْرَاءُ عَلَى وَجْهِكَ - يَعْنِي الْمَوَالِيَ - فَضَرَبَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ عَلَى ظَهْرِي وَقَالَ : لَيُبْدِيَنَّ مِنْ أَمْرِ الْعَرَبِ أَمْرًا قَدْ كَانَ يَكْتُمُهُ ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ هَذِهِ الضَّيَاطِرَةِ ، يَتَقَلَّبُ أَحَدُهُمْ عَلَى حَشَايَاهُ ، وَيَهْجُرُ قَوْمٌ لِذِكْرِ اللهِ ، تَأْمُرُونِي أَنْ أَطْرُدَهُمْ ، فَأَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ، وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَيَضْرِبُنَّكُمْ عَلَى الدِّينِ عَوْدًا كَمَا ضَرَبْتُمُوهُمْ بَدْءًا .
[9/157] 3531 - حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ النَّخَعِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، قَالَ حَدَّثَنِي الْمِنْهَالُ ، عَنْ عَبَّادٍ الْأَسَدِيِّ ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ : بَيْنَا عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَخْطُبُنَا يَوْمَ جُمُعَةٍ عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ آجُرٍّ ، وَزَيْدُ بْنُ صُوحَانَ خَلْفِي ; إِذْ رَأَى رَجُلًا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ حَتَّى دَنَا فَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ ، فَغَضِبَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى رُؤِيَ فِي وَجْهِهِ ، ثُمَّ جَاءَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ حَتَّى دَنَا ، فَقَالَ : غَلَبَتْنَا هَذِهِ الْحَمْرَاءُ عَلَى وَجْهِكَ ، فَغَضِبَ عَلِيٌّ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ هَذِهِ الضَّيَاطِرَةِ ، يَتَضَجَّعُونَ عَلَى فُرُشِهِمْ ، وَيَرُوحُ أَقْوَامٌ إِلَى ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَيَأْمُرُونِي أَنْ أَطْرُدَهُمْ فَأَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ، وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَيَضْرِبُنَّكُمْ عَلَى الدِّينِ عَوْدًا كَمَا ضَرَبْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ بَدْءًا ، فَضَرَبَ زَيْدٌ عَلَى [9/158] مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ : لَيُظْهِرَنَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْعَرَبِ الْيَوْمَ أَمْرًا كَانَ يَكْتُمُهُ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ لِنَقِفَ عَلَى الْمُرَادِ بِمَا فِيهِ إِنْ شَاءَ اللهُ ، فَكَانَ مَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْحَمْرَاءِ يُرَادُ بِهَا الْمَوَالِي ، وَمِنْهُ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
3532 - مِمَّا قَدْ حَدَّثَنِي الْمُزَنِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي : جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ ، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ .
قَالَ لَنَا الْمُزَنِيُّ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : ثُمَّ جَلَسْتُ إِلَى سُفْيَانَ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ ، فَقَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَوْ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، ثُمَّ ذَكَرَهُ .
[9/159] [9/160] [9/161] وَكَانَ فِيهِ مِنَ الضَّيَاطِرَةِ الْمَذْكُورِينَ فِيهِ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِمُ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ الْأَسْوَاقَ بِلَا مَالٍ مَعَهُمْ ، يَحْضُرُ بِهِ الْأَسْوَاقَ وَيَنْتَفِعُ بِهِ فِي حُضُورِهَا ، وَكَانَ مَنْ يَحْضُرُهَا كَذَلِكَ كَمَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا ، فَمِثْلُهُ مَنْ يَحْضُرُ غَيْرَهَا بِلَا مَنْفَعَةٍ فِي حُضُورِهِ لِمَا يَحْضُرُهُ ، وَالْوَاحِدُ مِنَ الضَّيَاطِرَةِ ضَيْطَارٌ .
ثُمَّ تَأَمَّلْنَا مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيهِ عَنْهُ ، فَكَانَ الْعَرَبُ بَدْءًا هُمُ الَّذِينَ قَاتَلُوا الْعَجَمَ حَتَّى أَدْخَلُوهُمْ فِي الْإِسْلَامِ ، كَمَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ .
3533 - مِمَّا قَدْ حَدَّثَنَا الْكَيْسَانِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْخَصِيبُ بْنُ نَاصِحٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ أَبِي الْأَعْيَنِ ، قَالَ : [9/162] حَدَّثَنِي أَبُو الطُّفَيْلِ ، قَالَ : ضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَغْرَبَ ، فَقَالَ : أَلَا تَسْأَلُونِي مِمَّ ضَحِكْتُ ؟ قَالُوا : مِمَّ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : عَجِبْتُ مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي السَّلَاسِلِ وَهُمْ يَتَقَاعَسُونَ عَنْهَا فَمَا يُكَرِّهُهَا إِلَيْهِمْ . قَالُوا : وَكَيْفَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : قَوْمٌ مِنَ الْعَجَمِ يَسْبِيهِمُ الْمُهَاجِرُونَ لِيُدْخِلُوهُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَهُمْ كَارِهُونَ .
[9/163] 3534 - وَكَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْمِنْقَرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ أَعْيَنَ أَبِي مُحَمَّدٍ (1)، قَالَ : حَدَّثَنِي [9/164] أَبُو الطُّفَيْلِ بِمَكَّةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمِائَةٍ ، قَالَ : ضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَغْرَبَ ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ .
3535 - وَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي كَثِيرٌ أَبُو مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنِي أَبُو الطُّفَيْلِ ، قَالَ : ضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : أَلَا تَسْأَلُونِي مِمَّ ضَحِكْتُ ؟ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ .
فَكَانَ الْعَرَبُ الَّذِينَ أَدْخَلُوا الْعَجَمَ فِي الْإِسْلَامِ حَتَّى صَارُوا مِنْ أَهْلِهِ ، وَحَتَّى صَارَ فِيهِمْ مَنْ عَلِمَ وَعَقَلَ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَنْ رَسُولِهِ شَرَائِعَ دِينِهِ ، حَتَّى صَارَتْ إِلَيْهِ مُطَالَبَةُ مَنْ خَرَجَ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْهُ إِلَى ضِدِّهِ بِالرُّجُوعِ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ ، فَكَانَ ذَلِكَ قِتَالُهُمْ إِيَّاهُ عَوْدًا لِيَعُودُوا إِلَى مَا تَرَكُوا مِنْهُ كَمِثْلِ مَا كَانَ الْعَرَبُ قَاتَلُوهُمْ عَلَى مَا قَاتَلُوهُمْ بَدْءًا حَتَّى أَدْخَلُوهُمْ بِذَلِكَ فِيمَا أَدْخَلُوهُمْ فِيهِ ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مِنَ الْعَجَمِ مَنْ قَدْ وَصَفَهُ بِطَلَبِ الْعِلْمِ حَتَّى قَالَ فِيهِ : لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالثُّرَيَّا ، أَوْ لَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ .
[9/165] فَنَظَرْنَا هَلْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا ؟
3536 - فَوَجَدْنَا إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ النُّمَيْرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ، فَأَخَذَ الْكَرْزَنَ ، فَحَفَرَ بِهِ ، فَصَادَفَ حَجَرًا ، فَضَحِكَ ، فَسُئِلَ : مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : مِنْ نَاسٍ يُؤْتَى بِهِمْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ بِالْكُبُولِ يُسَاقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَهُمْ كَارِهُونَ .
فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَرَادَ مِنَ الْعَجَمِ بِمَا قَالَهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْعَجَمَ الَّذِينَ كَانُوا بِنَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ وَهُمْ أَبْنَاءُ فَارِسَ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي الصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ ، وَدَخَلُوا فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ . أَيْ : يَلْحَقُونَ بِالْمَذْكُورِينَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ . وَبِاللهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .

(1) كذا في طبعة الرسالة ، والصواب : ( أبي أعين) .