[ النَّبِيُّ وَالْمُسْلِمُونَ بِالْحِجْرِ في غزوة تبوك ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَرَّ بِالْحِجْرِ نَزَلَهَا ، وَاسْتَقَى النَّاسُ مِنْ بِئْرِهَا . فَلَمَّا رَاحُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَشْرَبُوا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا ، وَلَا تَتَوَضَّئُوا مِنْهُ لِلصَّلَاةِ ، وَمَا كَانَ مِنْ عَجِينٍ عَجَنْتُمُوهُ فَاعْلِفُوهُ الْإِبِلَ ، وَلَا تَأْكُلُوا مِنْهُ شَيْئًا ، وَلَا يَخْرُجَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ إلَّا وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ . فَفَعَلَ النَّاسُ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إلَّا أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ خَرَجَ أَحَدُهُمَا لِحَاجَتِهِ ، وَخَرَجَ الْآخَرُ فِي طَلَبِ بَعِيرٍ لَهُ ، فَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فَإِنَّهُ خُنِقَ عَلَى مَذْهَبِهِ ، وَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ فِي طَلَبِ بَعِيرِهِ فَاحْتَمَلَتْهُ الرِّيحُ ، حَتَّى طَرَحَتْهُ بِجَبَلَيْ طَيِّئٍ . فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْكُمْ أَحَدٌ إلَّا وَمَعَهُ صَاحِبُهُ ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِلَّذِي أُصِيبَ عَلَى مَذْهَبِهِ فَشُفِيَ ، وَأَمَّا الْآخَرُ الَّذِي وَقَعَ بِجَبَلَيْ طَيِّئٍ ، فَإِنَّ طَيِّئًا أَهْدَتْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ [2/522] .
وَالْحَدِيثُ عَنْ الرَّجُلَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ ؛ وَقَدْ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنْ قَدْ سَمَّى لَهُ الْعَبَّاسُ الرَّجُلَيْنِ ، وَلَكِنَّهُ اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهُمَا ، فَأَبَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يُسَمِّيَهُمَا لِي .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بَلَغَنِي عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ : لَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجْرِ سَجَّى ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهِهِ ، وَاسْتَحَثَّ رَاحِلَتَهُ ، ثُمَّ قَالَ : لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ الَّذِينَ ظَلَمُوا إلَّا وَأَنْتُمْ بَاكُونَ ، خَوْفًا أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ وَلَا مَاءَ مَعَهُمْ شَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ سَحَابَةً فَأَمْطَرَتْ حَتَّى ارْتَوَى النَّاسُ ، وَاحْتَمَلُوا حَاجَتَهُمْ مِنْ الْمَاءِ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، قَالَ : قُلْتُ لِمَحْمُودِ : هَلْ كَانَ النَّاسُ يَعْرِفُونَ النِّفَاقَ فِيهِمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ وَاَللَّهِ ، إنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَعْرِفُهُ مِنْ أَخِيهِ وَمِنْ أَبِيهِ وَمِنْ عَمِّهِ وَفِي عَشِيرَتِهِ ، ثُمَّ يَلْبَسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى ذَلِكَ . ثُمَّ قَالَ مَحْمُودٌ : لَقَدْ أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ مَعْرُوفٌ نِفَاقُهُ ، كَانَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ سَارَ ؛ فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ بِالْحِجْرِ مَا كَانَ ، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَعَا ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ السَّحَابَةَ ، فَأَمْطَرَتْ حَتَّى ارْتَوَى النَّاسُ قَالُوا : أَقْبَلْنَا عَلَيْهِ نَقُولُ : وَيْحَكَ ، هَلْ بَعْدَ هَذَا شَيْءٌ قَالَ : سَحَابَةٌ مَارَّةٌ .