[9/371] 588 - بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا كَانَ مِنْهُ فِي قَبْرِ أَبِي رِغَالٍ ، وَفِي إِخْبَارِهِ النَّاسَ أَنَّهُ مِنْ ثَمُودَ ، وَأَنَّ الْحَرَمَ مَنَعَهُ مِنْ مَا نَزَلَ بِسَائِرِ ثَمُودَ سِوَاهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ فَأَدْرَكَتْهُ النِّقْمَةُ فَأُهْلِكَ
3753 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ ، عَنْ بُجَيْرِ بْنِ أَبِي بُجَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ ، فَمَرُّوا بِقَبْرِ أَبِي رِغَالٍ ، فَقَالَ : هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ وَهُوَ أَبُو ثَقِيفَ ، وَكَانَ امْرَأً مِنْ ثَمُودَ ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ بِالْحَرَمِ ، فَلَمَّا أَهْلَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَوْمَهُ بِمَا أَهْلَكَهُمْ بِهِ ، مَنَعَهُ لِمَكَانِهِ مِنَ الْحَرَمِ ، وَأَنَّهُ خَرَجَ حَتَّى إِذَا بَلَغَ هَاهُنَا مَاتَ ، فَدُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ فَابْتَدَرْنَاهُ فَاسْتَخْرَجْنَاهُ .
[9/372] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَقَدْ كُنْتُ أَنَا بَعْدَ سَمَاعِي هَذَا الْحَدِيثَ مِنِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ نَظَرْتُ فِي كِتَابِي ، فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ لِإِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ ذِكْرًا ، فَدَخَلَ قَلْبِي مِنْهُ شَيْءٌ ، فَذَكَرْتُهُ لِأَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ النَّسَائِيِّ ، فَقَالَ لِي : هُوَ كَمَا حَفِظْتَ ، فَقُلْتُ لَهُ : فَعَنْ مَنْ أَخَذْتَهُ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : عَنْ أَبِي حَفْصٍ - يَعْنِي : عَمْرَو بْنَ عَلِيٍّ - ، عَنِ الرِّيَاحِيِّ ، قُلْتُ لَهُ : عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، عَنْ يَزِيدَ .
3754 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زُبَالَةَ الْمَدِينِيُّ أَبُو الْحَسَنِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الْمَكِّيُّ ، قَالَا : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ ، عَنْ بُجَيْرِ بْنِ أَبِي بُجَيْرٍ ، قَالَ : [9/373] سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : حِينَ خَرَجْنَا إِلَى الطَّائِفِ فَمَرَرْنَا بِقَبْرٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ ، وَهُوَ أَبُو ثَقِيفَ ، وَكَانَ مِنْ ثَمُودَ ، وَكَانَ بِهَذَا الْحَرَمِ يَدْفَعُ عَنْهُ ، فَلَمَّا خَرَجَ أَصَابَتْهُ النِّقْمَةُ بِهَذَا الْمَكَانِ ، وَدُفِنَ فِيهِ ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ دُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ إِنْ أَنْتُمْ نَبَشْتُمْ عَنْهُ ، أَصَبْتُمُوهُ مَعَهُ . فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ ، فَاسْتَخْرَجُوا مَعَهُ الْغُصْنَ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْنَا فِيهِ إِخْبَارَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ بِأَنَّ أَبَا رِغَالٍ كَانَ مِنْ ثَمُودَ ، وَأَنَّهُ مِمَّنْ مَنَعَهُ حَرَمُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّا أَصَابَ بِهِ غَيْرَهُ مِنْ ثَمُودَ مِنَ النِّقْمَةِ ، وَقَدْ عَقَلْنَا أَنَّ مَنَازِلَ ثَمُودَ لَمْ تَكُنْ فِي الْحَرَمِ ، وَأَنَّهَا كَانَتْ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ مَا ذُكِرَ فِي الْبَابَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا قَبْلَ هَذَا الْبَابِ ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ ، فَدَخَلَهُ ، فَمَنَعَهُ مِمَّا نَزَلَ بِغَيْرِهِ مِنْ ثَمُودَ .
فَقَالَ قَائِلٌ : فَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ رَوَيْنَاهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ مَسْكَنَهُ كَانَ فِي الْحَرَمِ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ : أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَسْكَنُهُ فِي الْحُرُمِ ، وَكَانَ مَعَ ثَمُودَ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَعَاصِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْخُرُوجِ عَنْ أَمْرِهِ ، فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْوَعِيدُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَخَافَ أَنْ يَلْحَقَهُ ذَلِكَ بِالْمَكَانِ الَّذِي هُوَ بِهِ ، لَجَأَ إِلَى مَسْكَنِهِ فِي الْحَرَمِ ، فَدَخَلَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَرَمَ فَمَنَعَهُ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ [9/374] أَبِي رِغَالٍ أَيْضًا مَا يُوَافِقُ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ مِمَّا ذَكَرْنَا .
3755 - كَمَا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْكُوفِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجْرِ ، فَقَالَ : لَا تَسْأَلُوا الْآيَاتِ ، فَإِنَّ قَوْمَ صَالِحٍ سَأَلُوا ، فَكَانَتْ تَرِدُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ وَتَصْدُرُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ - يَعْنِي النَّاقَةَ - ، فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَعَقَرُوهَا ، وَكَانَتْ تَشْرَبُ مَاءَهُمْ يَوْمًا وَيَشْرَبُونَ لَبَنَهَا يَوْمًا ، فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةٌ أَهَمَدَتْ مَنْ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا كَانَ فِي حَرَمِ اللهِ ، فَلَمَّا خَرَجَ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ قَوْمَهُ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ هُوَ ؟ قَالَ : أَبُو رِغَالٍ ، فَدُفِنَ هَاهُنَا .
[9/375] 3756 - وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ خُثَيْمٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ مَعْنَاهُ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : إِلَّا رَجُلًا كَانَ فِي حَرَمِ اللهِ ، فَمَنَعَهُ حَرَمُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَذَابِ اللهِ .
3757 - وَكَمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي عَبَّادٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنِ ابْنِ سَابِطٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ فِي الْحِجْرِ : هَؤُلَاءِ قَوْمُ صَالِحٍ أَهْلَكَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا رَجُلًا كَانَ فِي حَرَمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنَعَهُ اللهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ هُوَ ؟ قَالَ : أَبُو رِغَالٍ .
[9/376] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَإِذَا كَانَ الْحَرَمُ يَمْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي مَعَهَا تَلَفُ الْأَنْفُسِ ، كَانَ فِي الْإِسْلَامِ مِمَّنْ مِثْلُ ذَلِكَ أَمْنَعَ ، وَشَدَّ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِيمَنْ أَصَابَ حَدًّا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ، ثُمَّ لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : مَنْ أَصَابَ حَدًّا فِي الْحَرَمِ ، أُقِيمَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَصَابَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ ، ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ ، لَمْ يُكَلَّمْ وَلَمْ يُجَالَسْ وَلَمْ يُبَايَعْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ ، فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ .
0 [9/377] وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ .
0 وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ، ثُمَّ لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ : لَمْ يُكَلَّمْ ، وَلَمْ يُبَايَعْ ، وَلَمْ يُؤْذَ ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ ، فَإِذَا خَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ ، أُخِذَ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ مَا عَلَيْهِ ، وَمَا أَحْدَثَ فِي الْحَرَمِ ، أُقِيمَ [9/378] عَلَيْهِ مَا أَحْدَثَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ .
كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُوسَى ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمِنْقَرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَطَاءٌ ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ قَالَا فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا : الرَّجُلُ يُصِيبُ الْحَدَّ ، ثُمَّ يَدْخُلُهُ ، فَلَا يُبَايَعُ ، وَلَا يُجَالَسُ ، وَلَا يُؤْوَى ، وَلَا يُكَلَّمُ ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ ، فَيُتَّبَعُ ، فَيُؤْخَذُ ، فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ .
قَالَ : وَقَالَ لِي عَطَاءٌ : إِنْ قَذَفَ فِيهِ ، أَوْ سَرَقَ ، أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَإِذَا صَنَعَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ ، ثُمَّ لَجَأَ - يَعْنِي إِلَيْهِ - لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ
.
وَكَمَا حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ ، عَنْ عَطَاءٍ ، [9/379] عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : لَوْ وَجَدْتُ قَاتِلَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي الْحَرَمِ مَا هِجْتُهُ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَقَدْ خَالَفَهُمَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي ذَلِكَ ، وَكَانَ مِنْهُ .
فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ ، عَنْ عَطَاءٍ ، قَالَ : كَانَ سَعِيدٌ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابٌ لَهُ فِي الطَّائِفِ مُتَحَصِّنِينَ فِي قَلْعَةٍ ، فَاسْتُنْزِلُوا مِنْهَا ، فَانْطُلِقَ بِهِ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، وَهُوَ بِمَكَّةَ ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ : مَا تَرَى فِي هَؤُلَاءِ النَّفَرِ ؟ فَقَالَ : أَرَى أَنْ تُخَلِّيَ سَبِيلَهُمْ ، فَإِنَّهُمْ قَدْ آمَنُوا إِذْ أَدْخَلْتَهُمُ الْحَرَمَ ، فَقَالَ : لَا ، نُخْرِجُهُمْ مِنَ الْحَرَمِ ، ثُمَّ نَقْتُلُهُمْ ، قَالَ : فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تُدْخِلَهُمْ ، فَأَخْرَجَهُمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ ، فَصَلَبَهُمْ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَوْ لَقِيتُ قَاتِلَ أَبِي فِي الْحَرَمِ مَا هِجْتُهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ : أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ [9/380] لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَنَّ الْحَرَمَ قَدْ أَجَارَ الْقَوْمَ الَّذِينَ أُدْخِلُوهُ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْهُ ، فَيُقَامُ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِهِ ، فَكَانَ بِمَذْهَبِهِ أَنْ لَا يُقَامَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِيهِ مُوَافِقًا لِابْنِ عَبَّاسٍ ، وَكَانَ فِي قَوْلِهِ إِنَّهُمْ يُخْرَجُونَ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ مُخَالِفًا لَهُ فِي ذَلِكَ ، وَكَانَ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ أَوْلَى عِنْدَنَا ، لِأَنَّ الْآيَةَ تُوجِبُ ذَلِكَ وَهِيَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا . وَكَانَ أُولَئِكَ النَّفَرُ قَدْ دَخَلُوهُ فَأَمِنُوا بِدُخُولِهِمْ إِيَّاهُ ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لَمْ يَجْعَلْ رُجُوعَهُمُ الْحَرَمَ أَمَانًا لَهُمْ ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ دُخُولُهُمْ إِيَّاهُ بِاخْتِيَارِهِمْ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ بِفِعْلِ غَيْرِهِمْ إِيَّاهُ بِهِمْ ، لِأَنَّ دُخُولَهُمْ إِيَّاهُ بِاخْتِيَارِهِمْ طَلَبًا لِلْأَمَانِ بِهِ مِمَّا كَانُوا يَخَافُونَهُ ، وَإِدْخَالَ غَيْرِهِمْ إِيَّاهُمْ إِيَّاهُ لَيْسَ فِيهِ طَلَبٌ مِنْهُمْ لِلْأَمَانِ بِهِ مِمَّا كَانُوا يَخَافُونَهُ ، فَلَمْ يُؤَمِّنْهُمْ ذَلِكَ الدُّخُولُ مِمَّا كَانُوا يَخَافُونَهُ ، فَيَعُودُ مَعْنَى مَا كَانَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ إِلَى مَا لَا خِلَافَ فِيهِ ، لِمَا كَانَ مِنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ .
فَقَالَ قَائِلٌ : إِنَّمَا كَانَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا . عَلَى الصَّيْدِ لَا عَلَى مَا سِوَاهُ ، فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ هَذَا جَهْلٌ شَدِيدٌ مِنْهُ بِاللُّغَةِ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ ، لَكَانَتْ : وَمَا دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ، لِأَنَّ « مَنْ » لَا يَكُونُ إِلَّا لِبَنِي آدَمَ ، وَيَكُونُ لِمَنْ سِوَاهُمْ مَكَانَهَا « مَا » كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ . فِي أَمْثَالٍ لِهَذَا فِي الْقُرْآنِ يَطُولُ ذِكْرُهَا ، وَكَانَتْ « مَنْ » مُسْتَعْمَلَةً فِي بَنِي آدَمَ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ . وَكَقَوْلِهِ : وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . وَكَقَوْلِهِ : مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ . [9/381] وَأَشْبَاهٌ لِهَذَا كَثِيرَةٌ إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا جَاءَ فِي بَنِي آدَمَ اسْتِعْمَالُ « مَا » مَكَانَ « مَنْ » مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ . فِي مَعْنَى : وَوَالِدٍ وَمَنْ وَلَدَ ، فَكَانَتْ « مَا » قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي بَنِي آدَمَ مَكَانَ « مَنْ » ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَقِلُّ اسْتِعْمَالُهُمْ إِيَّاهُ ، وَلَمْ يَكُونُوا يَسْتَعْمِلُونَ فِي غَيْرِ بَنِي آدَمَ « مَنْ » مَكَانَ « مَا » فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ ، فَلَمَّا كَانَتْ « مَنْ » لِبَنِي آدَمَ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ ، كَانَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا . عَلَى بَنِي آدَمَ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ ، وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ قَدْ قَالَ بِهِ بَعْدَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ .
0 كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِذَلِكَ ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا .
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ زُفَرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ ، قَالَ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا يُجِيرُ الْحَرَمُ ظَالِمًا .
وَكَانَ الْقَوْلُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَمُحَمَّدٌ مِمَّا وَافَقَهُمْ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ ، لِمَا قَدْ تَقَدَّمَهُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ، وَمِمَّا وَافَقَهُمَا فِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى مَا وَافَقَهُمَا فِيهِ مِنْهُ ، وَلَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا لَهُمْ ، وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ ، وَهُمُ الْعَالِمُونَ بِمَا خُوطِبُوا بِهِ فِيهِ ، وَاللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .