[13/80] 803 - بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الضَّرِيرِ فِي بَصَرِهِ ، هَلْ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجَمَاعَاتِ كَمَا عَلَى مَنْ سِوَاهُ مِمَّنْ لَا ضَرَرَ بِبَصَرِهِ ، أَمْ لَا ؟
5082 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ ، يُحَدِّثُ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ رَبِيعٍ ، عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي رَجُلٌ مَحْجُوبُ الْبَصَرِ ، وَإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ ، فَهَلْ لِي مِنْ عُذْرٍ ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ ؟ " فَقَالَ : نَعَمْ . فَقَالَ : مَا أَجِدُ لَكَ عُذْرًا إِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ . قَالَ سُفْيَانُ : وَفِيهِ قِصَّةٌ لَمْ أَحْفَظْهَا .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : سَمِعْتُ الْمُزَنِيَّ يَقُولُ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَمْ أَرَهُ اسْتَجْلَسَ النَّاسَ فِي حَدِيثٍ قَطُّ إِلَّا هَذَا ، وَحَدِيثُهُ: " يَا بَقَايَا الْعَرَبِ " ، [13/81] وَكَانَ سُفْيَانُ يَتَوَقَّاهُ وَيَعْرِفُ أَنَّهُ لَا يَضْبِطُهُ .
5083 - قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : سَمِعْتُ الْمُزَنِيَّ يَقُولُ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ أَوْهَمَ فِيهِ فِيمَا نَرَى ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى ذَلِكَ - وَاللهُ أَعْلَمُ - أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَنَا ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ ، أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ ، وَهُوَ أَعْمَى ، وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالْمَطَرُ وَالسَّيْلُ ، وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ ، فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللهِ فِي بَيْتِي فِي مَكَانٍ أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى . فَجَاءَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ ؟ " . فَأَشَارَ لَهُ إِلَى مَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ ، فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا أُضِيفَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعِتْبَانَ لَمَّا أَعْلَمَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النِّدَاءَ : " مَا أَجِدُ لَكَ عُذْرًا " ، يَعْنِي فِي تَرْكِ حُضُورِ الصَّلَوَاتِ فِي الْجَمَاعَاتِ ، غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ نَجِدْهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةٍ عَنْ سُفْيَانَ غَيْرَ الشَّافِعِيِّ .
5084 - وَقَدْ حَدَّثَنَاهُ يُونُسُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : عَنْ مَحْمُودٍ ، إِنْ شَاءَ اللهُ : أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ رَجُلًا مَحْجُوبَ الْبَصَرِ ، وَأَنَّهُ ذَكَرَ [13/82] لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخُلْفَ عَنِ الصَّلَاةِ ، فَقَالَ : هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ ؟ " قَالَ : نَعَمْ . فَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ .
وَقَدْ وَجَدْنَا هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عُقَيْلٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مُوَافِقًا لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، وَمُخَالِفًا لِمَا رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ .
5085 - كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي اللَّيْثُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيُّ : أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ - وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْأَنْصَارِ - : أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي ، وَإِنِّي أُصَلِّي لِقَوْمِي ، فَإِذَا كَانَتِ الْأَمْطَارُ ، سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ ، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ ، فَأُصَلِّيَ لَهُمْ ، فَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَّكَ تَأْتِي فَتُصَلِّي فِي بَيْتِي ، فَأَتَّخِذُهُ مُصَلًّى . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللهُ " .
قَالَ عِتْبَانُ : فَغَدَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَذِنْتُ لَهُ ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ ، ثُمَّ قَالَ : أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ ؟ فَأَشَرْتُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُمْنَا ، فَصَفَفْنَا ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ سَلَّمَ
.
[13/83] فَعَادَ هَذَا الْحَدِيثُ مُنْقَطِعًا ، فَلَمْ يَكُنْ مِمَّا يُحْتَجُّ فِي هَذَا الْبَابِ بِمِثْلِهِ .
ثُمَّ نَظَرْنَا : هَلْ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ . ؟
5086 - فَوَجَدْنَا يُوسُفَ بْنَ يَزِيدَ قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي عَبَّادٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ، قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ [13/84] اللهِ ، إِنِّي شَيْخٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ ، شَاسِعُ الدَّارِ ، وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي ، وَبَيْنِي وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ شَجَرٌ وَأَنْهَارٌ ، فَهَلْ لِي مِنْ عُذْرٍ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي ؟ فَقَالَ : هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ ؟ " قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : " فَأْتِهَا .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحْسَنِ مَا وَجَدْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ ; لِأَنَّ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ قَدْ سَمِعَ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَمِنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، فَلَيْسَ بِمُسْتَنْكَرٍ مِنْهُ سَمَاعُ هَذَا الْحَدِيثِ مِنِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ; لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَضَرَ فَتْحَ الْقَادِسِيَّةِ ، وَكَانَ حَامِلَ الرَّايَةِ يَوْمَئِذٍ لِأَهْلِهَا .
[13/85] وَوَجَدْنَا فِي هَذَا الْبَابِ أَيْضًا .
5087 - مَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ الْقَسْمَلِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ، قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْمَسْجِدِ ، فَرَأَى فِي النَّاسِ رِقَّةً ، فَقَالَ : إِنِّي لَأَهُمُّ أَنْ أَجْعَلَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ، ثُمَّ أَخْرُجَ ، فَلَا أَقْدِرُ عَلَى رَجُلٍ تَخَلَّفَ فِي بَيْتِهِ عَنِ الصَّلَاةِ ، إِلَّا أَحْرَقْتُ عَلَيْهِ ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ نَخْلًا وَشَجَرًا ، وَلَيْسَ كُلَّ حِينٍ أَقْدِرُ عَلَى قَائِدٍ ، أَفَأُصَلِّي فِي بَيْتِي ؟ قَالَ : " تَسْمَعُ الْإِقَامَةَ ؟ " قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : " فَأْتِهَا .
[13/86] قَالَ : فَطَعَنَ طَاعِنٌ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَنَفَى أَنْ يَكُونَ سَمَاعًا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ مِنِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ، فَتَأَمَّلْنَا ذَلِكَ ، فَوَجَدْنَا عَبْدَ اللهِ بْنَ شَدَّادٍ قَدْ سَمِعَ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْ عُمَرَ كَانَ غَيْرَ مُسْتَنْكَرٍ مِنْهُ سَمَاعُهُ مِنِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ .
وَذَكَرَ بَعْضُ الطَّاعِنِينَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ : أَنَّ شُعْبَةَ قَدْ رَوَاهُ عَنْ حُصَيْنٍ ، فَخَالَفَ عَبْدَ الْعَزِيزِ فِيهِ ، وَذَكَرَ .
5088 - مَا قَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ أَبِي عَقِيلٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ الرَّصَاصِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ : أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ أَشْيَاءَ ، وَرُبَّمَا وَجَدْتُ قَائِدًا ، وَرُبَّمَا لَمْ أَجِدْ قَائِدًا . قَالَ : " أَلَسْتَ تَسْمَعُ النِّدَاءَ ؟ فَإِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ فَامْشِ إِلَيْهَا " . ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ آخَرُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ ، فَقَالَ : " إِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ فَآذِنْ " . وَمَا رَخَّصَ لَهُ ، ثُمَّ قَالَ : لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ، ثُمَّ آتِيَ أَقْوَامًا لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ .
قَالَ هَذَا الطَّاعِنُ : فَهَذَا شُعْبَةُ إِنَّمَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ حُصَيْنٍ ، فَقَالَ فِيهِ : إِنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ ، وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ كَمَا قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ : عَنِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَوْنِهِ : أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ [13/87] أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنِ اخْتِلَافِ شُعْبَةَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى حُصَيْنٍ ; لِأَنَّ حُصَيْنًا حَدَّثَ بِهِ مَرَّةً هَكَذَا ، وَمَرَّةً هَكَذَا ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ شُعْبَةَ وَمِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِمَامٌ حَافِظٌ حُجَّةٌ ، مِمَّنْ إِذَا تَفَرَّدَ بِشَيْءٍ كَانَ مَقْبُولًا مِنْهُ ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا رَوَى مِمَّا قَدْ خُولِفَ فِيهِ بِمِثْلِ مَا قَدْ ذَكَرْنَا ، لَا يُحْمَلُ عَلَى الْوَهْمِ مِنْهُ ، فِيمَا رَوَى ، مَا لَمْ تَقُمِ الْحُجَّةُ بِذَلِكَ .
5089 - وَقَدْ وَجَدْنَا فِي هَذَا الْبَابِ أَيْضًا مَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ - يَعْنِي الْوَاسِطِيَّ - قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ- يَعْنِي الرَّازِيَّ - قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سِنَانٍ - يَعْنِي سَعِيدَ بْنَ سِنَانٍ الشَّيْبَانِيَّ الْمَعْرُوفَ بِالْقَزْوِينِيِّ - عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو رَزِينٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : جَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : إِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرٌ ، شَاسِعُ الدَّارِ ، وَلَيْسَ لِي قَائِدٌ يُلَائِمُنِي ، أَفَلِي رُخْصَةٌ أَنْ لَا آتِيَ الْمَسْجِدَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " لَا .
[13/88] فَطَعَنَ طَاعِنٌ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا بِأَنْ قَالَ : قَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، وَلَمْ يَتَجَاوَزْهُ بِهِ .
5090 - وَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى ، يَقُولُ : كَانَ رَجُلٌ مِنَّا ضَرِيرُ الْبَصَرِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ نَخْلًا . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : " أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ ؟ " فَقَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَإِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ فَآذِنْهُ . قَالَ : فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مُنْقَطِعًا ، لَا عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ - جَلَّ وَعَزَّ وَعَوْنِهِ - : أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ عَلَيْهِ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَا لَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَعْجَلَ بِمَا عَجِلَ بِهِ فِيهِمَا ; لِأَنَّ حَدِيثَ شُعْبَةَ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فِيهِ : [13/89] قَالَ : كَانَ رَجُلٌ مِنَّا ضَرِيرُ الْبَصَرِ ، فَكَانَ ذَلِكَ إِخْبَارًا مِنْهُ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ ، يُرِيدُ الْأَنْصَارَ ; لِأَنَّهُ مِنْهُمْ ، وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ رَوَاهُ أَبُو سِنَانٍ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، هُوَ فِي ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، لَا مِنَ الْأَنْصَارِ .
فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ : أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ فِي رَجُلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، مَعَ وُقُوفِنَا عَلَى ثَبْتِ أَبِي سِنَانٍ هَذَا فِي رِوَايَتِهِ وَاسْتِقَامَتِهِ فِيهَا ، وَقَبُولِ الْأَئِمَّةِ إِيَّاهَا مِنْهُ ، ثُمَّ نَظَرْنَا فِي مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ : هَلْ يَتَهَيَّأُ مِنْ مِثْلِهِ لِقَاءُ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ ، أَمْ لَا ؟ .
5091 - فَوَجَدْنَا أَبَا أُمَيَّةَ قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَدِمَ أَبِي مِنَ الشَّامِ وَافِدًا وَأَنَا مَعَهُ ، فَلَقِينَا مَحْمُودَ بْنَ الرَّبِيعِ ، فَحَدَّثَ أَبِي ، عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ ، فَقَالَ أَبِي : احْفَظْ هَذَا الْحَدِيثَ ، فَإِنَّهُ مِنْ كُنُوزِ الْحَدِيثِ . فَلَمَّا قَفَلْنَا انْصَرَفْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ ، فَإِذَا هُوَ حَيٌّ ، وَإِذَا شَيْخٌ أَعْمَى كَأَنَّهُ يَعْنِي عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْحَدِيثِ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، ذَهَبَ بَصَرِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، ذَهَبَ بَصَرِي ، وَلَا أَسْتَطِيعُ الصَّلَاةَ خَلْفَكَ ، فَلَوْ بَوَّأْتَ لِي فِي دَارِي مَسْجِدًا صَلَّيْتَ فِيهِ فَأَتَّخِذُهُ مُصَلًّى . قَالَ : " نَعَمْ ، فَإِنِّي غَادٍ إِلَيْكَ غَدًا " . فَلَمَّا صَلَّى مِنَ الْغَدِ الْتَفَتَ إِلَيْهِ ، وَقَامَ حَتَّى أَتَى ، فَقَالَ : يَا عِتْبَانُ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُبَوِّئَ لَكَ ؟ " قَالَ : فَوَصَفْتُ لَهُ مَكَانًا ، فَبَوَّأَ لَهُ [13/90] وَصَلَّى فِيهِ . فَإِنْ ثَقُلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ لِمَكَانِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ .
5092 - فَإِنَّهُ قَدْ حَدَّثَنَاهُ حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ ، عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ أَنَسٌ : فَلَقِيتُ عِتْبَانَ ، فَحَدَّثَنِي بِهِ ، فَأَعْجَبَنِي ، فَقُلْتُ لِابْنِي : اكْتُبْهُ فَكَتَبَهُ . [13/91] فَكَانَ فِي هَذَا عَوْدُ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى مُوَافَقَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَلِيَّ بْنَ زَيْدٍ عَلَيْهِ ، وَكَانَتْ رِوَايَةُ مَحْمُودٍ إِيَّاهُ عَنْ عِتْبَانَ غَيْرَ مُسْتَنْكَرَةٍ ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ وُجُوبُ الْعُذْرِ لِابْنِ عُيَيْنَةَ فِيمَا رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ مَحْمُودٍ عَلَيْهِ ، وَلِمَا قَامَ بِهَذِهِ الْآثَارِ ، أَوْ بِمَا قَامَ مِنْهَا ، مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ حُضُورِ الْجَمَاعَاتِ عَلَى الضَّرِيرِ فِي بَصَرِهِ كَمَا يَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي بَصَرِهِ ، وَكَانَ هَذَا الْبَابُ مِمَّا قَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِوُجُوبِ حُضُورِ الْجَمَاعَاتِ عَلَى الضَّرِيرِ كَوُجُوبِهَا عَلَى الصَّحِيحِ ، وَجَعَلُوهُ كَمَنْ لَا يَعْرِفُ الطَّرِيقَ ، فَلَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلِهِ إِيَّاهُ عَنِ التَّخَلُّفِ عَنْ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ لِذَلِكَ ، وَقَدْ عَذَرَهُ آخَرُونَ فِي تَرْكِ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ ، وَقَدْ رُوِيَ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، غَيْرَ أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا عَنْهُ هُوَ وُجُوبُ حُضُورِهَا عَلَيْهِ ، وَإِلَى ذَلِكَ كَانَ يَذْهَبُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، وَلَا يَحْكِي فِيهِ خِلَافًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَقَدْ خَاطَبَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ [13/92] رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تَلَا عَلَى النَّاسِ : لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ قَبْلَ إِنْزَالِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَيْهِ فِي الْآيَةِ : غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ بِأَنْ قَالَ لَهُ : لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقُلْ لَهُ : إِنَّكَ أَعْمَى وَلَا فَرْضَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْأَعْمَى .
وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا يَسْتَطِيعُهُ الْأَعْمَى مِنَ الْعَمَى ، يَكُونُ فِيهِ كَالصَّحِيحِ الَّذِي لَا عَمَى بِهِ ، وَإِذَا كَانَ الْأَعْمَى فِي حُضُورِ الْجَمَاعَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا كَانَ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ إِذَا وَجَدَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ، وَوَجَدَ مَا يُبَلِّغُهُ بِهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَمِنْ مُوصِلٍ لَهُ إِلَيْهِ كَغَيْرِ الْأَعْمَى وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .