[14/384] 914 - بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ مَبْعُوثٍ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ هُوَ ؟ !
5695 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي سُوَيْدٍ الذَّارِعُ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : أَوَّلُ نَبِيٍّ بُعِثَ نُوحٌ ، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ .
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ : أَنَّ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللهِ نُوحٌ ، فَدَفَعَ ذَلِكَ دَافَعٌ ، وَقَالَ : كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ إِدْرِيسَ وَهُوَ إِلْيَاسُ .
[14/385] كَمَا حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : إِنَّ إِدْرِيسَ هُوَ إِلْيَاسُ ، وَإِنَّ يَعْقُوبَ هُوَ إِسْرَائِيلُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا .
وَقَدْ أَخْبَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ - يَعْنِي إِلْيَاسَ - أَنَّهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ بِقَوْلِهِ : وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ وَهُوَ أَبُو جَدِّ نُوحٍ ، لِأَنَّ نُوحًا هُوَ ابْنُ لَمْكَ بْنِ مَتُّوشَلَخَ بْنَ أَخْنُوخَ ، وَهُوَ إِدْرِيسُ .
كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَرْقِيُّ (1)، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَكَّائِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : أَخْنُوخُ : هُوَ إِدْرِيسُ النَّبِيُّ فِيمَا يَزْعُمُونَ - وَاللهُ أَعْلَمُ - ، فَكَانَ أَوَّلَ بَنِي آدَمَ أُعْطِيَ النُّبُوَّةَ وَخَطَّ بِالْقَلَمِ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَبُو الرَّوَّادِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّمَّارُ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ : قَالَ اللهُ فِي كِتَابِهِ مَا قَدْ تَلَوْنَا مِنْ إِثْبَاتِ رِسَالَتِهِ إِيَّاهُ ، وَذَلِكَ [14/386] قَبْلَ أَنْ يَكُونَ نُوحٌ ، فَوَجَبَ لَهُ بِذَلِكَ التَّقَدُّمُ فِي الرِّسَالَةِ مِنَ اللهِ ، وَهُوَ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللهِ الَّذِينَ قَدْ ذَكَرَهُمْ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ : وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا " .
وَكَانَ فِيمَا قَدْ ذَكَرْنَا مَا قَدْ نَفَى مَا رَوَيْتُمْ أَنَّ نُوحًا كَانَ أَوَّلَ أَنْبِيَاءِ اللهِ بُعِثَ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّهُ لَمْ يَنْتِفْ بِذَلِكَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَ هَذَا الْمُتَوَهِّمُ الْمُنْكِرُ انْتِفَاءَهُ بِهِ ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ ، فَخُوطِبُوا بِمَا يَعْرِفُونَ ، وَفَهِمُوا بِذَلِكَ مُرَادَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَهَّمَهُمْ إِيَّاهُ مَا أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ الْمَبْعُوثِ إِلَيْهِمْ بِلِسَانِهِمْ ، وَكَانَ إِدْرِيسُ رَسُولًا مِنَ اللهِ إِلَى قَوْمِهِ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ النَّاسِ ، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ إِخْبَارُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ : وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِهَذَا الْخِطَابِ إِلَّا قَوْمَهُ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ ، فَمَنْ هُوَ مَبْعُوثٌ إِلَيْهِمْ كَمَنْ كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى قَوْمِهِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ بِهَذَا الْخِطَابِ لَهُمْ ، وَكَانَ نُوحٌ مَبْعُوثًا إِلَى جَمِيعِ مَنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ فِي زَمَنِهِ ، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ عُقُوبَةِ اللهِ إِيَّاهُمْ إِذْ عَتَوْا عَمَّا بَلَّغَهُمْ إِيَّاهُ بِتَغْرِيقِهِ الْأَرْضَ كُلَّهَا ، وَلَا [14/387] يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا وَقَدْ كَانَ جَمِيعُ مَنْ كَانَ فِيهَا مِمَّنْ كَانَ مِنْهُ مَا اسْتَحَقَّ بِهِ تِلْكَ الْعُقُوبَةَ ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ عَقَلْنَا بِهِ أَنَّ إِدْرِيسَ كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ ، وَأَنَّ نُوحًا صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ جَمِيعًا الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِهِ ، وَلَمْ يُبْعَثْ قَبْلَهُ أَحَدٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ ، فَكَانَ أَوَّلَ نَبِيٍّ بُعِثَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ جَمِيعًا فِي زَمَنِهِ .
وَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاطَبَ بِهِ النَّاسَ الْخِطَابَ الَّذِي أَعْلَمَهُمْ بِهِ فِي نُوحٍ مَا أَعْلَمَهُمْ بِهِ فِيهِ هُوَ الَّذِي ذَكَرْنَا مِمَّا لَمْ يَكُنْ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِأَحَدٍ مِنْ أَنْبِيَائِهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ مِثْلُ الَّذِي كَانَ مِنْهُ لِنَبِيِّهِ نُوحٍ ، وَكَانَ الَّذِي كَانَ مِنَ اللهِ مِمَّا خَاطَبَ بِهِ فِي إِدْرِيسَ ، وَفِي نُوحٍ مِمَّا قَدْ تَوَلَّى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ، إِذْ كَانَ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ ، يُرِيدُ بِهِ الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ ، لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا .
وَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ مَا أَجْرَاهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى " .

(1) كذا في طبعة الرسالة ، والصواب : ( عبد الرحيم )