[1/163] فصل
في هَدْيه - صلى الله عليه وسلم - في هيئة الجلوسِ للأكل
صحَّ عنه أنه قال : " لا آكُلُ مُتَّكِئا " ، وقال : " إنما أجْلِسُ كما يَجْلِسُ العبدُ ، وآكُلُ كما يأكُلُ العبدُ " .
وروى ابن ماجه في ( سننه ) أنه نَهى أن يأكلَ الرجلُ وهو منبطحٌ على وجهه .
وقد فُسِّر الاتكاءُ بالتربُّع ، وفُسِّر بالاتكاء على الشيء ، وهو الاعتمادُ عليه ، وفُسِّر بالاتكاء على الجنب . والأنواعُ الثلاثة من الاتكاء ، فنوعٌ منها يضرُّ بالآكل ، وهو الاتكاء على الجنب ، فإنه يمنعُ مجرَى الطعام الطبيعي عن هيئته ، ويَعوقُه عن سرعة نفوذه إلى المَعِدَة ، ويضغطُ المَعِدَةَ ، فلا يستحكم فتحُها للغذاء ، وأيضا فإنها تميل ولا تبقى منتصبة ، فلا يصل الغذاء إليها بسهولة .
وأما النوعان الآخران : فمن جلوس الجبابرة المنافي للعبودية ، ولهذا قال : " آكُلُ كما يأكُلُ العبد " وكان يأكل وهو مُقْعٍ ، ويُذكر عنه أنه كان يجلس للأكل مُتَورِّكا على ركبتيه ، ويضعُ بطنَ قدمِه اليُسْرى على ظهر قدمه اليمنى تواضعا لربه - عز وجل - وأدبا بين يديه ، واحتراما للطعام وللمؤاكِل ، فهذه الهيئة أنفعُ هيئات الأكل وأفضلُها ، لأنَّ الأعضاء كلها تكون على وضعها الطبيعي الذي خلقها الله سبحانه عليه مع ما فيها من الهيئة الأدبية ، وأجودُ ما اغتذى الإنسان إذا كانت أعضاؤه على وضعها الطبيعي ، ولا يكون كذلك إلا إذا كان الإنسان منتصبا الانتصابَ الطبيعي ، وأردأ الجلسات للأكل الاتكاءُ على الجنب ، لما تقدم من أن المَريء ، وأعضاء الازدراد تضيقُ عند هذه الهيئة ، والمَعِدَةُ لا تبقى على وضعها الطبيعي ، لأنها تنعصر مما يلي البطن بالأرض ، ومما يلي الظهر بالحجاب الفاصل بين آلات الغذاء ، وآلات التنفس .
[1/164] وإن كان المراد بالاتكاء الاعتماد على الوسائد والوطاء الذي تحت الجالس ، فيكون المعنى أَني إذا أكلت لم أقعد متكئا على الأوْطِية والوسائد ، كفعل الجبابرة ، ومَن يُرِيد الإكثار من الطعام ، لكني آكُلُ بُلْغةً كما يأكل العبد .