18 - حديث آخر :
أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل القطان قال : قرئ على أبي عمر وعثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق ، وأنا أسمع ، نا حنبل بن إسحاق ، نا أبو سلمة المنقري ، نا سعيد بن سلمة المديني عن هشام بن عروة [1/238] عن أخيه عن أبيه عن عائشة قالت : قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : كنت لك كأبي زرع لأم زرع ، ثم أنشأ يحدث بحديث أم زرع وصواحبها قال : اجتمع إحدى عشرة امرأة ، فتعاقدن وتعاهدن أن ينعتن أزواجهن ويصدقنه .
فقالت إحداهن : زوجي عيايا ، طبقاء ، كل داء له داء ، شجك أو [1/239] فلك أو جمع كلا لك .
قالت الأخرى : زوجي لحم جمل غث بجبل لا سمين فيرتقى إليه ولا سهل فينتقل .
وقالت الأخرى : زوجي العشنق ، إن أسكت أعلق ، وإن أنطق أطلق . وقالت الأخرى : زوجي إذا شرب اشتف ، وإذا رقد التف ، ولا يدخل الكف فيعلم البث .
وقالت الأخرى : زوجي لا أبث خبره أخشى ألا أذره .
فقال عروة : هؤلاء خمسة يشكون .
وقالت الأخرى : زوجي ليل تهامة ، لا حر ولا برد ولا مخافة .
[1/240] وقالت الأخرى : زوجي إذا دخل فهد ، وإذا خرج أسد ، ولا يسأل عما عهد . وقالت الأخرى : زوجي الريح ريح زرنب والمس مس أرنب ، أغلبه والناس يغلب . وقالت الأخرى : زوجي أبو مالك وما أبو مالك ذو إبل كثيرة المسالك قليلة المبارك ، إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك .
وقالت الأخرى : زوجي طويل النجاد رفيع العماد عظيم الرماد قريب البيت من الناد .
قالت أم زرع : زوجي أبو زرع وما أبو زرع ، أناس من حلي أنيه ومن [1/241] شمم عضديه ، وبجح بنفسي فبجحت إليه . ابن أبي زرع وما ابن أبي زرع ، مضجعه كمسل الشبطة ، تكفيه ذراع الجفرة . بنت أبي زرع ، وما بنت أبي زرع ، ملء كسائها، وصفر ردائها، وخير نسائها ، وغيظ جاراتها، وطوع أبيها ، وطوع أمها . خادم أبي زرع ، وما خادم أبي زرع لا تبث حديثنا تبثيثًا، ولا تعش بيتنا تعشيشًا .
[1/242] أتاني أبو زرع وأنا في شق فنكحني فانطلق بي إلى أهل صهيل وأطيط ودائس ومنق .
فأنا عنده أشرب فأتقمح وأرقد فأتصبح ، وأقول فلا أقبح ، خرج من عندي أبو زرع والأوطاب تمخض ، فأبصر امرأة لها ابنان كالفهدين يلعبان من تحتها برمانتين فنكحها أبو زرع وطلقني، فنكحت بعده شابا سريا فركب فرسا شريا وأخذ رمحا خطيا ، وأراح على بيتي نعما ثريا ، وأتاني [1/243] من كل سائمة زوجا فقال : كلي وميري أهلك ، فلو جمعت كل شيء أصبته منه ، فجعلته في أصغر وعاء من أوعية أبي زرع ما ملأه .
قالت عائشة : فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنت لك كأبي زرع لأم زرع
.
المرفوع من هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قوله لعائشة : " كنت لك كأبي زرع لأم زرع " حسب .
وأما جميع الحديث سوى هذه الكلمات فإنه كلام عائشة ، حدثت هي به النبي صلى الله عليه وسلم .
بين ذلك عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي في روايته هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أخيه -واسمه عبد الله بن عروة - عن أبيه ، وكذلك رواه أبو أيوس عبد الله بن عبد الله المدني ، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير عن هشام إلا أنهما لم يذكرا في الإسناد عبد الله بن عروة بل روياه عن هشام عن أبيه .
[1/244] ونرى أن القائل في حديث سعيد بن سلمة بن أبي الحسام عن هشام الذي ذكرناه ، ثم أنشأ يحدث بحديث أم زرع وصواحبها هو هشام بن عروة ، حكى أن أباه أنشأ يحدث وأدرج ذلك القول فصار كأنه إخبار من عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حدث بحديث أم زرع .
وقد روى محمد بن الضحاك الحزامي عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن هشام عن أبيه عن عائشة الحديث ، فجعله كله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وسمى فيه النسوة ، وهو حديث غريب لا أعلم رواه كذلك سوى محمد بن الضحاك :
[1/245] أخبرناه أبو الحسن محمد بن إسماعيل بن محمد بن عمر بن محمد بن إبراهيم البجلي . قال : قرئ على أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن البزار وأنا أسمع قيل له : حدثكم أبو بكر أحمد بن محمد بن شبيب ، نا الزبير بن بكار قال : حدثني محمد بن الضحاك بن عثمان الحزامي ، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : " دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعندي بعض نسائه فقال : يا عائشة ، أنا لك كأبي زرع لأم زرع ، قلت : يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما حديث أبي زرع وأم زرع ؟
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : إن قرية من قرى اليمن كان بها بطن من بطون أهل اليمن ، وكان منهن إحدى عشرة امرأة ، وإنهن خرجن إلى مجلس من مجالسهن .
فقال بعضهن لبعض : تعالين فلنذكر بعولتنا بما فيهم ولا نكذب فتبايعن على ذلك . فقيل للأولى : تكلمي بنعت زوجك .
فقالت : الليل ليل تهامة والغيث غيث غمامة . وساق الحديث بطوله . [1/246] وهكذا رواه عن هشام غير واحد .
والصحيح حديث عيسى بن يونس في متابعة سعيد بن سلمة على إدخال عبد الله بن عروة في إسناده بين هشام وأبيه ، وفي وقف جميع المتن على عائشة سوى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : " كنت لك كأبي زرع لأم زرع " .
أخبرنا أبو بكر البرقاني قال : قرأت على أبي العباس محمد بن أحمد بن حمدان ، حدثكم محمد بن إسماعيل بن مهران ، نا هشام بن عمار ، نا عيسى بن يونس ، نا هشام بن عروة عن أخيه عبد الله بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : " اجتمع إحدى عشرة امرأة ، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا . قالت الأولى : زوجي لحم جمل غث على رأس جبل [1/247] لا سهل فيرتقى إليه ولا سمين فينتقل " وساق الحديث بطوله ، وقال في آخره : قالت عائشة : " فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : يا عائشة كنت لك كأبي زرع لأم زرع " .
وأما حديث أبي أويس الذي وافق فيه عيسى بن يونس عن هشام في سياقه وخالفه في إسناده حيث أسقط منه عبد الله بن عروة :
فأخبرناه القاضي أبو الفرج محمد بن أحمد بن الحسن الشافعي ، نا أبو بكر أحمد بن محمد بن أبزون الأنباري، أنا بهلول بن إسحاق الأنباري ، نا إسماعيل بن أبي أويس ، واسم أبي أويس : عبد الله بن عبد الله بن أويس بن أبي عامر القرشي ، ثم التيمي ، ثم الأصبحي ابن أخي مالك بن أنس ، قال : حدثني أبي أبو أويس بن عبد الله عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت : " اجتمع إحدى عشرة امرأة في الجاهلية ، فتعاهدن ليتصادقن ولا يكتمن بينهن من أخبار أزواجهن شيئا ، قالت الأولى : زوجي لحم جمل غث ، على رأس جبل ، لا سمين فيرتقى إليه ، ولا سهل فينتقل " . . . وساق الحديث بطوله ، إلى أن قال : قالت عائشة : " قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لي : يا عائشة كنت لك كأبي زرع غير أني لا أطلقك " .
[1/248] قال إسماعيل بن أبي أويس: قال أبي أبو أويس : وأخبرني يزيد بن رومان مولى آل الزبير عن عروة بن الزبير بمثل هذا الحديث .
وأما حديث أبي معاوية الضرير عن هشام :
فأخبرناه أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل الصيرفي ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، نا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، نا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت : " قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أولا ترضين أن أكون لك كأبي زرع لأم زرع .
قالت : كان رجل يكنى أبا زرع وامرأته أم زرع ، وكان يحسن إليها فتقول : أحسن علي أبو زرع ، وكساني أبو زرع وأعطاني أبو زرع وفعل بي أبو زرع ، فخرج أبو زرع ذات يوم فمر على جارية تلعب معها أخواها ، وهي مستلقية على قفاها ، وأخواها معهما رمانة يلعبان بها يرميان بها من تحتها فتخرج من الجانب الآخر من عظم أليتها ، فخطبها أبو زرع ، فتزوجها فلم تزل به أم زرع حتى طلقها ، فتزوجت أم زرع رجلا فأكرمها أيضا ، فكانت تقول : أكرمني وأعطاني وفعل بي ، وتقول في آخر ذلك : لو جمع ذلك كله ما ملأ أصغر وعاء لأبي زرع . "