16 - باب السُّهُولَةِ وَالسَّمَاحَةِ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ ، وَمَنْ طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ
2076 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى ، وَإِذَا اقْتَضَى " .


قَوْلُهُ : ( بَابُ السُّهُولَةِ وَالسَّمَاحَةِ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ مُرَتَّبًا أَوْ غَيْرَ مُرَتَّبٍ ، وَيُحْتَمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا ، إِذِ السُّهُولَةُ وَالسَّمَاحَةُ مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى فَعَطْفُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مِنَ التَّأْكِيدِ اللَّفْظِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ الْبَابِ ، وَالْمُرَادُ بِالسَّمَاحَةِ تَرْكُ الْمُضَاجَرَةِ وَنَحْوِهَا لَا الْمُكَايَسَةِ فِي ذَلِكَ .
قَوْلُهُ : ( وَمَنْ طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ ) أَيْ : عَمَّا لَا يَحِلُّ ، أَشَارَ بِهَذَا الْقَدْرَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، وَعَائِشَةَ مَرْفُوعًا : " مَنْ طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ وَافٍ أَوْ غَيْرَ وَافٍ " .
قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ ) بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَالْمُعْجَمَةِ .
قَوْلُهُ : ( رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا ) يَحْتَمِلُ الدُّعَاءَ وَيَحْتَمِلُ الْخَبَرَ ، وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ ابْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ ، وَابْنُ بَطَّالٍ وَرَجَّحَهُ الدَّاوُدِيُّ ، وَيُؤَيِّدُ الثَّانِيَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ : " غَفَرَ اللَّهُ لِرَجُلٍ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ سَهْلًا إِذَا بَاعَ " الْحَدِيثَ ، وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ قَصَدَ رَجُلًا بِعَيْنِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ : ظَاهِرُهُ الْإِخْبَارُ لَكِنَّ قَرِينَةَ الِاسْتِقْبَالِ الْمُسْتَفَادُ مِنْ " إِذَا " تَجْعَلُهُ دُعَاءً وَتَقْدِيرُهُ : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا يَكُونُ كَذَلِكَ ، وَقَدْ يُسْتَفَادُ الْعُمُومُ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالشَّرْطِ .
قَوْلُهُ : ( سَمْحًا ) بِسُكُونِ الْمِيمِ وَبِالْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ : سَهْلًا ، وَهِيَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ تَدُلُّ عَلَى الثُّبُوتِ ، فَلِذَلِكَ كَرَّرَ أَحْوَالَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّقَاضِي ، وَالسَّمْحُ الْجَوَادُ ، يُقَالُ سَمْحٌ بِكَذَا إِذَا جَادَ ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْمُسَاهَلَةُ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا اقْتَضَى ) أَيْ : طَلَبَ قَضَاءَ حَقِّهِ بِسُهُولَةٍ وَعَدَمِ إِلْحَافٍ ، فِي رِوَايَةٍ حَكَاهَا ابْنُ التِّينِ : " وَإِذَا قَضَى " أَيْ : أَعْطَى الَّذِي عَلَيْهِ بِسُهُولَةٍ بِغَيْرِ مَطْلٍ ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ ، وَالْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ سَمْحَ الْبَيْعِ سَمْحَ الشِّرَاءِ سَمْحَ الْقَضَاءِ " وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ رَفَعَهُ : " أَدْخَلَ اللَّهُ الْجَنَّةَ رَجُلًا كَانَ سَهْلًا مُشْتَرِيًا وَبَائِعًا وَقَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا " وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو نَحْوُهُ وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى السَّمَاحَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ وَاسْتِعْمَالِ مَعَالِي الْأَخْلَاقِ وَتَرْكُ الْمُشَاحَةِ وَالْحَضُّ عَلَى تَرْكِ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فِي الْمُطَالَبَةِ وَأَخْذُ الْعَفْوِ مِنْهُمْ .