3 - بَاب أَدَاءِ الدَّيْون ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا
2388 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ ، عَنْ الْأَعْمَشِ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا أَبْصَرَ - يَعْنِي أُحُدًا - قَالَ : مَا أُحِبُّ أَنَّهُ تَحَوَّلَ لِي ذَهَبًا يَمْكُثُ عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا دِينَارًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ . ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الْأَكْثَرِينَ هُمْ الْأَقَلُّونَ ، إِلَّا مَنْ قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا - وَأَشَارَ أَبُو شِهَابٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ - وَقَلِيلٌ مَا هُمْ . وَقَالَ : مَكَانَكَ ، وَتَقَدَّمَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَسَمِعْتُ صَوْتًا ، فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ ، ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَهُ : مَكَانَكَ حَتَّى آتِيَكَ . فَلَمَّا جَاءَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الَّذِي سَمِعْتُ - أَوْ قَالَ : الصَّوْتُ الَّذِي سَمِعْتُ - قَالَ : وَهَلْ سَمِعْتَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ : مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، قُلْتُ : وَمَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ .


[5/68] قَوْلُهُ : ( بَابُ أَدَاءِ الدَّيْنِ ) فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ " الدُّيُونُ " بِالْجَمْعِ ( وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا الْآيَةَ ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ ، وَسَاقَ الْأَصِيلِيُّ وَغَيْرُهُ الْآيَةَ . قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ : أُدْخِلَ الدَّيْنُ فِي الْأَمَانَةِ لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِأَدَائِهِ ، إِذِ الْمُرَادُ بِالْأَمَانَةِ فِي الْآيَةِ هُوَ الْمُرَادُ بِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَفُسِّرَتْ هُنَاكَ بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فَيَدْخُلُ فِيهَا جَمِيعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ اهـ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْأَمَانَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا ، وَإِذَا أَمَرَ اللَّهُ بِأَدَائِهَا وَمَدَحَ فَاعِلَهُ وَهِيَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فَحَالُ مَا فِي الذِّمَّةِ أَوْلَى . وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ حَاجِبِ الْكَعْبَةِ ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ نَزَلَتْ فِي الْوُلَاةِ ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هِيَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَمَانَاتِ . وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ طَلْقِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ : " كَانَ لِي دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ فَخَاصَمْتُهُ إِلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ لَهُ : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَأَمَرَ بِحَبْسِهِ " ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ : كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا أَبْصَرَ أُحُدًا قَالَ : مَا أُحِبُّ أَنَّهُ يُحَوَّلُ لِي ذَهَبًا يَمْكُثُ عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ فَوْقَ ثَلَاثٍ ، إِلَّا دِينَارًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ الْحَدِيثَ ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ .
وَغَرَضُهُ هُنَا هَـذَا الْقَدْرُ الْمَذْكُورُ . قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عَدَمِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي كَثِيرِ الدَّيْنِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْيَسِيرِ مِنْهُ أَخْذًا مِنِ اقْتِصَارِهِ عَلَى ذِكْرِ الدِّينَارِ الْوَاحِدِ ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ مَثَلًا لَمْ يَرْصُدْ لِأَدَائِهَا دِينَارًا وَاحِدًا اهـ . وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ . وَفِيهِ الِاهْتِمَامُ بِأَمْرِ وَفَاءِ الدَّيْنِ ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الزَّهَادَةِ فِي الدُّنْيَا .
قَوْلُهُ : ( مَا أُحِبُّ أَنَّهُ تَحَوَّلَ لِي ذَهَبًا ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ " تَحَوَّلَ " بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ ، وَلِغَيْرِهِ بِضَمِّ التَّحْتَانِيَّةِ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ : فِيهِ حَوَّلَ بِمَعْنَى صَيَّرَ وَقَدْ خَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النُّحَاةِ ، وَعَابَ بَعْضُهُمُ اسْتِعْمَالَهُ عَلَى الْحَرِيرِيِّ . قَالَ : وَقَدْ جَاءَ هُنَا عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ جَارِيًا مَجْرَى صَارَ فِي رَفْعِ مَا كَانَ مُبْتَدَأً وَنَصْبِ مَا كَانَ خَبَرًا ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ مَا صِيغَ مِنْ حَوَّلَ مِثْلُ تَحَوَّلَ فَإِنَّهُ بِزِيَادَةِ الْمُثَنَّاةِ تَجَدَّدَ لَهُ حَذْفُ مَا كَانَ فَاعِلًا وَجُعِلَ أَوَّلُ الْمَفْعُولَيْنِ فَاعِلًا وَثَانِيهِمَا خَبَرًا مَنْصُوبًا .
قَوْلُهُ : ( أَرْصُدُهُ ) ثَبَتَ فِي رِوَايَتِنَا بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ وَحَكَى ابْنُ التِّينِ عَنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ رَصَدَ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ تَقُولُ : أَرْصَدْتُهُ أَيْ هَيَّأْتُهُ وَأَعْدَدْتُهُ وَرَصَدْتُهُ أَيْ رَقَبْتُهُ ، وَقَوْلُهُ : " الْأَكْثَرُونَ " ؛ أَيْ : مَالًا وَ" الْأَقَلُّونَ " أَيْ : ثَوَابًا إِلَّا مَنْ ذَكَرَ ، وَقَوْلُهُ : " وَقَلِيلٌ مَا هُـمْ " مَا زَائِدَةٌ أَوْ صِفَةٌ ، وَقَوْلُهُ : " مَكَانَكَ " بِالنَّصْبِ مَحْذُوفُ الْعَامِلِ أَيِ الْزَمْ مَكَانَكَ ، وَقَوْلُهُ : " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الَّذِي سَمِعْتُ " خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مَا هُـوَ ، وَقَوْلُهُ : " وَمَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا " فُسِّرَ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ فِي الرِّقَاقِ " وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ " وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي هُنَا " وَإِنْ " بَدَلَ وَمَنْ .