15 - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْعَبِيدُ إِخْوَانُكُمْ ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى : وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ : ذِي الْقُرْبَى الْقَرِيبُ ، وَالْجُنُبُ : الْغَرِيبُ .
2545 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الْأَحْدَبُ قَالَ : سَمِعْتُ الْمَعْرُورَ بْنَ سُويْدٍ قَالَ : رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ .


[5/206] قَوْلُهُ : ( بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : الْعَبِيدُ إِخْوَانُكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ ) لَفْظُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ ، وَقَدْ رُوِّينَاهُ فِي " كِتَابِ الْإِيمَانِ لِابْنِ مَنْدَهْ " بِلَفْظِ : إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ ، فَمَنْ لَإيَمَكُمْ مِنْهُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَكْتَسُونَ . وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مُوَرِّقٍ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ بِلَفْظِ : مَنْ لَإيَمَكُمْ مِنْ مَمْلُوكِيكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي " الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ " مِنْ طَرِيقِ سَلَامِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَرْفُوعًا قَالَ : " أَرِقَّاؤُكُمْ إِخْوَانُكُمُ " الْحَدِيثَ ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ : كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوصِي بِالْمَمْلُوكِينَ خَيْرًا ، وَيَقُولُ : أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ . وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الْيَسَرِ - بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْمُهْمَلَةِ - وَاسْمُهُ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ رَفَعَهُ : أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَطْعَمُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ . وَفِيهِ قِصَّتُهُ . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ كِتَابِهِ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ .
قَوْلُهُ : ( وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ - إِلَى قَوْلِهِ - مُخْتَالا فَخُورًا كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ ، وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَةَ كُلَّهَا .
قَوْلُهُ : ( قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : ذِي الْقُرْبَى : الْقَرِيبُ ، وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ الْغَرِيبُ ) هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي " كِتَابِ الْمَجَازِ " وَقَدْ خُولِفَ فِي الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ، فَقِيلَ : هُوَ الْمَرْأَةُ ، وَقِيلَ : الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ . وَالْمُرَادُ بِذِكْرِ هَذِهِ الْآيَةِ هُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى : وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَدَخَلُوا فِيمَنْ أُمِرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ لِعَطْفِهِمْ عَلَيْهِمْ .
قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الْأَحْدَبُ ) هُوَ ابْنُ حَيَّانَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ الثَّقِيلَةِ ، وَهُوَ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ مِنْ طَبَقَةِ الْأَعْمَشِ ، وَالْمَعْرُورُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ كُوفِيٌّ أَيْضًا ، يُكَنَّى أَبَا أُمَيَّةَ ، مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ ، يُقَالُ : عَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً .
[5/207] قَوْلُهُ : ( رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَتَسْمِيَةُ الرَّجُلِ الَّذِي سَابَّهُ أَبُو ذَرٍّ وَالْكَلَامُ عَلَى الْحُلَّةِ .
قَوْلُهُ : ( أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ؟ ثُمَّ قَالَ : إِنَّ إِخْوَانَكُمْ ) كَذَا هُـنَا ، وَتَقَدَّمَ فِي الْإِيمَانِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شُعْبَةَ بِزِيَادَةِ " إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ " وَالِاخْتِصَارُ فِيهِ مِنْ آدَمَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ آدَمَ كَذَلِكَ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شُعْبَةُ اخْتَصَرَهُ لَهُ لَمَّا حَدَّثَهُ بِهِ . وَالْخَوَلُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْوَاوِ هُمُ الْخَدَمُ ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَتَخَوَّلُونَ الْأُمُورَ أَيْ يُصْلِحُونَهَا ، وَمِنْهُ الْخَوْلِيُّ لِمَنْ يَقُومُ بِإِصْلَاحِ الْبُسْتَانِ ، وَيُقَالُ الْخَوَلُ جَمْعُ خَائِلٍ وَهُوَ الرَّاعِي ، وَقِيلَ : التَّخْوِيلُ التَّمْلِيكُ تَقُولُ خَوَّلَكَ اللَّهُ كَذَا أَيْ مَلَّكَكَ إِيَّاهُ . وَقَوْلُهُ : " عَيَّرْتَهُ " أَيْ نَسَبْتَهُ إِلَى الْعَارِ ، وَفِي قَوْلِهِ : " بِأُمِّهِ " رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ وَإِنَّمَا يُقَالُ عَيَّرْتَهُ أُمَّهُ ، وَمِثْلُ الْحَدِيثِ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
أَيُّهَا الشَّامِتُ الْمُعَيِّرُ بِالدَّهْرِ ،
وَالْعَارُ الْعَيْبُ ، وَفِي تَقْدِيمِ لَفْظِ إِخْوَانِكُمْ عَلَى خَوَلِكُمْ إِشَارَةٌ إِلَى الِاهْتِمَامِ بِالْأُخُوَّةِ ، وَقَوْلُهُ : " تَحْتَ أَيْدِيكُمْ " مَجَازٌ عَنِ الْقُدْرَةِ أَوِ الْمِلْكِ .
قَوْلُهُ : ( فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ) أَيْ مِنْ جِنْسِ مَا يَأْكُلُ لِلتَّبْعِيضِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ " مِنْ " ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي بَعْدَ بَابَيْنِ : فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً ، فَالْمُرَادُ الْمُوَاسَاةُ لَا الْمُسَاوَاةُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ . لَكِنْ مَنْ أَخَذَ بِالْأَكْمَلِ كَأَبِي ذَرٍّ فَعَلَ الْمُسَاوَاةَ وَهُوَ الْأَفْضَلُ ، فَلَا يَسْتَأْثِرُ الْمَرْءُ عَلَى عِيَالِهِ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا ، وَفِي الْمُوَطَّأِ وَمُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلَا يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ " وَهُوَ يَقْتَضِي الرَّدَّ فِي ذَلِكَ إِلَى الْعُرْفِ ، فَمَنْ زَادَ عَلَيْهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا . وَأَمَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ : " كَانُوا يَوْمَئِذٍ لَيْسَ لَهُمْ هَذَا الْقُوتُ " وَاسْتَحْسَنَهُ فَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ حَمْلَ الْأَمْرِ عَلَى عُمُومِهِ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ بِحَسَبِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ) أَيْ عَمَلَ مَا تَصِيرُ قُدْرَتُهُمْ فِيهِ مَغْلُوبَةً ، أَيْ مَا يَعْجَزُونَ عَنْهُ لِعِظَمِهِ أَوْ صُعُوبَتِهِ ، وَالتَّكْلِيفُ تَحْمِيلُ النَّفْسِ شَيْئًا مَعَهُ كُلْفَةٌ ، وَقِيلَ : هُوَ الْأَمْرُ بِمَا يَشُقُّ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ ) أَيْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، وَحُذِفَ لِلْعِلْمِ بِهِ ، وَالْمُرَادُ أَنْ يُكَلَّفَ الْعَبْدُ جِنْسَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُهُ وَحْدَهُ وَإِلَّا فَلْيُعِنْهُ بِغَيْرِهِ . وَفِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الرَّقِيقِ وَتَعْيِيرِهِمْ بِمَنْ وَلَدَهُمْ ، وَالْحَثُّ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَالرِّفْقِ بِهِمْ ، وَيَلْتَحِقُ بِالرَّقِيقِ مَنْ فِي مَعْنَاهُمْ مِنْ أَجِيرٍ وَغَيْرِهِ . وَفِيهِ عَدَمُ التَّرَفُّعِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالِاحْتِقَارِ لَهُ . وَفِيهِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَإِطْلَاقُ الْأَخِ عَلَى الرَّقِيقِ ، فَإِنْ أُرِيدَ الْقَرَابَةُ فَهُوَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِنِسْبَةِ الْكُلِّ إِلَى آدَمَ ، أَوِ الْمُرَادُ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَيَكُونُ الْعَبْدُ الْكَافِرُ بِطَرِيقِ التَّبَعِ ، أَوْ يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِالْمُؤْمِنِ .