157 - بَاب الْحَرْبُ خَدْعَةٌ
3027 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ هَمَّامٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : هَلَكَ كِسْرَى ، ثُمَّ لَا يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ ، وَقَيْصَرٌ لَيَهْلِكَنَّ ثُمَّ لَا يَكُونُ قَيْصَرٌ بَعْدَهُ ، وَلَتُقْسَمَنَّ كُنُوزُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ .
3028 - وَسَمَّى الْحَرْبَ خَدْعَةً .
3029 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَصْرَمَ - اسمه بور - ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرْبَ خَدْعَةً .

3030 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرٍو ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْحَرْبُ خَدْعَةٌ .


[6/183] قَوْلُهُ : ( بَابُ الْحَرْبُ خَدْعَةٌ ) أَوْرَدَ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مُخْتَصَرًا ، وَفِي أَوَّلِ الْمُطَوَّلِ ذِكْرُ كِسْرَى ، وَقَيْصَرَ ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ .
وَقَوْلُهُ : خَدْعَةٌ : بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَبِضَمِّهَا مَعَ سُكُونِ الْمُهْمَلَةِ فِيهِمَا ، وَبِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ . قَالَ النَّوَوِيُّ : اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأُولَى الْأَفْصَحُ ، حَتَّى قَالَ ثَعْلَبٌ : بَلَغَنَا أَنَّهَا لُغَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ ، وَالْقَزَّازُ . وَالثَّانِيَةُ ضُبِطَتْ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ . قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ طَلْحَةَ : أَرَادَ ثَعْلَبٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَعْمِلُ هَذِهِ الْبِنْيَةَ كَثِيرًا لِوَجَازَةِ لَفْظِهَا وَلِكَوْنِهَا تُعْطِي مَعْنَى الْبِنْيَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ ، قَالَ : وَيُعْطِي مَعْنَاهَا أَيْضًا الْأَمْرُ بِاسْتِعْمَالِ الْحِيلَةِ مَهْمَا أَمْكَنَ وَلَوْ مَرَّةً وَإِلَّا فَقَاتِلْ ; قَالَ : فَكَانَتْ مَعَ اخْتِصَارِهَا كَثِيرَةَ الْمَعْنَى .
وَمَعْنَى خَدْعَةٍ بِالْإِسْكَانِ أَنَّهَا تَخْدَعُ أَهْلَهَا ، مِنْ وَصْفِ الْفَاعِلِ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ ، أَوْ أَنَّهَا وَصْفُ الْمَفْعُولِ ، كَمَا يُقَالُ : هَذَا الدِّرْهَمُ ضَرْبُ الْأَمِيرِ ، أَيْ : مَضْرُوبُهُ . وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَاهُ أَنَّهَا مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ ، أَيْ : إِذَا خُدِعَ مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ تُقَلْ عَثْرَتُهُ . وَقِيلَ : الْحِكْمَةُ فِي الْإِتْيَانِ بِالتَّاءِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْوَحْدَةِ فَإِنَّ الْخِدَاعَ إِنْ كَانَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَكَأَنَّهُ حَضَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْكُفَّارِ فَكَأَنَّهُ حَذَّرَهُمْ مِنْ مَكْرِهِمْ وَلَوْ وَقَعَ مَرَّةً وَاحِدَةً ، فَلَا يَنْبَغِي التَّهَاوُنُ بِهِمْ لِمَا يَنْشَأُ عَنْهُمْ مِنَ الْمَفْسَدَةِ وَلَوْ قَلَّ ، وَفِي اللُّغَةِ الثَّالِثَةِ صِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ كَهُمَزَةٍ وَلُمَزَةٍ ، وَحَكَى الْمُنْذِرِيُّ لُغَةً رَابِعَةً بِالْفَتْحِ فِيهِمَا ، قَالَ : وَهُوَ جَمْعُ خَادِعٍ ، أَيْ أَنَّ أَهْلَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، وَكَأَنَّهُ قَالَ : أَهْلُ الْحَرْبِ خَدَعَةٌ .
قُلْتُ : وَحَكَى مَكِّيٌّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ لُغَةً خَامِسَةً : كَسْرَ أَوَّلِهِ مَعَ الْإِسْكَانِ ، قَرَأْتُ ذَلِكَ بِخَطِّ مُغْلَطَايْ . وَأَصْلُ الْخَدْعِ : إِظْهَارُ أَمْرٍ وَإِضْمَارُ خِلَافِهِ .
وَفِيهِ التَّحْرِيضُ عَلَى أَخْذِ الْحَذَرِ فِي الْحَرْبِ ، وَالنَّدْبُ إِلَى خِدَاعِ الْكُفَّارِ ، وَإنَّ مَنْ لَمْ يَتَيَقَّظْ لِذَلِكَ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَنْعَكِسَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ ، قَالَ النَّوَوِيُّ : وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ خِدَاعِ الْكُفَّارِ فِي الْحَرْبِ كَيْفَمَا أَمْكَنَ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَقْضُ عَهْدٍ أَوْ أَمَانٍ فَلَا يَجُوزُ ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : الْخِدَاعُ فِي الْحَرْبِ يَقَعُ بِالتَّعْرِيضِ وبالسكين وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَفِي الْحَدِيثِ الْإِشَارَةُ إِلَى اسْتِعْمَالِ الرَّأْيِ فِي الْحَرْبِ : بَلْ الِاحْتِيَاجُ إِلَيْهِ آكَدُ مِنَ الشَّجَاعَةِ ، ولهذا وَقَعَ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ : " الْحَجُّ عَرَفَةُ " ، قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ : مَعْنَى الْحَرْبُ خَدْعَةٌ ، أَيِ : الْحَرْبُ الْجَيِّدَةُ لِصَاحِبِهَا الْكَامِلَةُ فِي مَقْصُودِهَا إِنَّمَا هِيَ الْمُخَادَعَةُ لَا الْمُوَاجَهَةُ ، وَذَلِكَ لِخَطَرِ الْمُوَاجَهَةِ وَحُصُولِ الظَّفَرِ مَعَ الْمُخَادَعَةِ بِغَيْرِ خَطَرٍ .
( تَكْمِيلٌ ) :
ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ أَوَّلَ مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْحَرْبُ خَدْعَةٌ " فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ .