[1/128] أمارات النسخ مِنْهَا : أَنْ يَكُونَ لَفْظُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُصَرِّحًا بِهِ نَحْوُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : « م 014» كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا . [ ومنها ] : أن يَكُونَ لَفْظُ الصَّحَابِيِّ نَاطِقًا بِهِ ، نَحْوُ : « م 015» حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنَا بِالْقِيَامِ فِي الْجِنَازَةِ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ . وَمِنْهَا : أَنْ يَكُونَ التَّارِيخُ مَعْلُومًا نَحْوُ : [1/129] « م 016» مَا رَوَاهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا جَامَعَ أَحَدُنَا فَأَكْسَلَ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : يَغْسِلُ مَا مَسَّ الْمَرْأَةَ مِنْهُ ، وَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لْيُصَلِّ . هَذَا حَدِيثٌ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا غُسْلَ مَعَ الْإِكْسَالِ ، وَأَنَّ مُوجِبَ الْغُسْلِ الْإِنْزَالُ ، ثُمَّ لَمَّا اسْتَقْرَأْنَا طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ أَفَادَنَا بَعْضُ الطُّرُقِ أَنَّ شَرْعِيَّةَ هَذَا كَانَ فِي مَبْدَأِ الْإِسْلَامِ ، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ إِلَى ما بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِزَمَانٍ ، ثُمَّ وَجَدْنَا : « م 017» الزُّهْرِيَّ قَدْ سَأَلَ عُرْوَةَ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا يَغْتَسِلُ وَذَلِكَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ ، ثُمَّ اغْتَسَلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالْغُسْلِ . وَمِنْهَا : أَنْ تَجْتَمِعَ الْأُمَّةُ فِي حُكْم عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ . فَهَذِهِ مُعْظَمُ أَمَارَاتِ النَّسْخِ ، وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ زِيَادَاتٌ أُخَرُ ، نَحْوُ حُسْنِ الظَّنِّ بِالرَّاوِي ، وَهُوَ كَمَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ ؛ فَإِنَّهُ رَوَى الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ فِي غَسْلِ الْإِنَاءِ سَبْعَ مَرَّاتٍ مِنْ وُلُغِ الْكَلْبِ ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى : « م 018» حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [1/130] مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أنه قَالَ : إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَأَهْرِقْهُ ، ثُمَّ اغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ . فَاعْتَمَدَ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ ، وَتَرَكَ الْأَحَادِيثَ الثَّابِتَةَ فِي الْوُلُوغِ ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى نَسْخِ السَّبْعِ عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْهُ ، إِلَّا مَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ نَسْخُهُ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ نَظَائِرِهِ الَّتِي لَا يُكْتَرَثُ بِهَا . وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ أُبْهِمَ التَّارِيخُ ، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ، فَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَى التَّرْجِيحِ .
|