4 - بَاب مَنْ سَمَّى النِّفَاسَ حَيْضًا
298 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ : أَنَّ زَيْنَبَ ابنة أُمِّ سَلَمَةَ ، حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهَا ، قَالَتْ : بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعَةٌ فِي خَمِيصَةٍ إِذْ حِضْتُ فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي ، قَالَ أَنُفِسْتِ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ


[1/480] قَوْلُهُ : ( بَابُ مَنْ سَمَّى النِّفَاسَ حَيْضًا ) قِيلَ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَقْلُوبَةٌ ; لِأَنَّ حَقَّهَا أَنْ يَقُولَ مَنْ سَمَّى الْحَيْضَ نِفَاسًا ، وَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ، وَالتَّقْدِيرَ : مَنْ سَمَّى حَيْضًا النِّفَاسَ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " مَنْ سَمَّى " مَنْ أَطْلَقَ لَفْظَ النِّفَاسِ عَلَى الْحَيْضِ فَيُطَابِقُ مَا فِي الْخَبَرِ بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ .
وَقَالَ الْمُهَلَّبُ وَغَيْرُهُ لَمَّا لَمْ يَجِدِ الْمُصَنِّفُ نَصًّا عَلَى شَرْطِهِ فِي النُّفَسَاءِ وَوَجَدَ تَسْمِيَةَ الْحَيْضِ نِفَاسًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَهِمَ مِنْهُ أَنَّ حُكْمَ دَمِ النِّفَاسِ حُكْمُ دَمِ الْحَيْضِ . وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ التَّرْجَمَةَ فِي التَّسْمِيَةِ لَا فِي الْحُكْمِ ، وَقَدْ نَازَعَ الْخَطَّابِيُّ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهمَا مِنْ حَيْثُ الِاشْتِقَاقُ كَمَا سَيَأْتِي ، وَقَالَ ابْنُ رَشِيدٍ وَغَيْرُهُ : مُرَادُ الْبُخَارِيُّ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ النِّفَاسَ هُوَ الْأَصْلُ فِي تَسْمِيَةِ الدَّمِ الْخَارِجِ ، وَالتَّعْبِيرُ بِهِ تَعْبِيرٌ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ ، وَالتَّعْبِيرُ عَنْهُ بِالْحَيْضِ تَعْبِيرٌ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ . فَعَبَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَوَّلِ ، وَعَبَّرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ بِالثَّانِي ، فَالتَّرْجَمَةُ عَلَى هَذَا مُطَابِقَةٌ لِمَا عَبَّرَتْ بِهِ أُمُّ سَلَمَةَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا هِشَامٌ ) هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ .
قَوْلُهُ : ( عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَخْرَجَهَا مِنْ طَرِيقِ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ .
قَوْلُهُ : ( مُضْطَجِعَةٌ ) بِالرَّفْعِ وَيَجُوزُ النَّصْبُ .
قَوْلُهُ : ( فِي خَمِيصَةٍ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ : كِسَاءٌ أَسْوَدُ لَهُ أَعْلَامٌ يَكُونُ مِنْ صُوفٍ وَغَيْرِهِ ، وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ بِلَفْظِ خَمِيصَةٍ إِلَّا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ . وَأَصْحَابُ يَحْيَى ثُمَّ أَصْحَابُ هِشَامٍ كُلُّهُمْ قَالُوا : خَمِيلَةٌ بِاللَّامِ بَدَلَ الصَّادِ ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي آخِرِ الْحَدِيثِ ، قِيلَ : الْخَمِيلَةُ الْقَطِيفَةُ ، وَقِيلَ الطِّنْفِسَةُ . وَقَالَ الْخَلِيلُ : الْخَمِيلَةُ ثَوْبٌ لَهُ خَمْلٌ أَيْ هُدْبٌ ، وَعَلَى هَذَا لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْخَمِيصَةِ وَالْخَمِيلَةِ ، فَكَأَنَّهَا كَانَتْ كِسَاءً أَسْوَدَ لَهَا أَهْدَابٌ .
قَوْلُهُ : ( فَانْسَلَلْتُ ) بِلَامَيْنِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ سَاكِنَةٌ ، أَيْ ذَهَبْتُ فِي خُفْيَةٍ . زَادَ الْمُصَنِّفُ مِنْ رِوَايَةِ شَيْبَانَ ، عَنْ يَحْيَى كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا " فَخَرَجْتُ مِنْهَا " أَيْ مِنَ الْخَمِيصَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ : كَأَنَّهَا خَافَتْ وُصُولَ شَيْءٍ مِنْ دَمِهَا إِلَيْهِ ، أَوْ خَافَتْ أَنْ يَطْلُبَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا فَذَهَبَتْ لِتَتَأَهَّبَ لِذَلِكَ ، أَوْ تَقَذَّرَتْ نَفْسُهَا وَلَمْ تَرْضَهَا لِمُضَاجَعَتِهِ ، فَلِذَلِكَ أَذِنَ لَهَا فِي الْعَوْدِ .
قَوْلُهُ : ( ثِيَابُ حَيْضَتِي ) وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا الْحَاءُ وَكَسْرُهَا مَعًا ، وَمَعْنَى الْفَتْحِ أَخَذْتُ ثِيَابِي الَّتِي أَلْبَسُهَا زَمَنَ الْحَيْضِ ; لِأَنَّ الْحَيْضَةَ بِالْفَتْحِ هِيَ الْحَيْضُ . وَمَعْنَى الْكَسْرِ أَخَذْتُ ثِيَابِي الَّتِي أَعْدَدْتُهَا لِأَلْبَسَهَا حَالَةَ الْحَيْضِ ، وَجَزَمَ الْخَطَّابِيُّ بِرِوَايَةِ الْكَسْرِ وَرَجَّحَهَا النَّوَوِيُّ ، وَرَجَّحَ الْقُرْطُبِيُّ رِوَايَةَ الْفَتْحِ لِوُرُودِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ بِلَفْظِ حَيْضِي بِغَيْرِ تَاءٍ .
[1/481] قَوْلُهُ : ( أَنُفِسْتِ ) ؟ قَالَ الْخَطَّابِيُّ : أَصْلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنَ النَّفْسِ وَهُوَ الدَّمُ ، إِلَّا أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ بِنَاءِ الْفِعْلِ مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ، فَقَالُوا فِي الْحَيْضِ نَفِسَتْ بِفَتْحِ النُّونِ ، وَفِي الْوِلَادَةِ بِضَمِّهَا . انْتَهَى ، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ، لَكِنْ حَكَى أَبُو حَاتِمٍ ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ : يُقَالُ نُفِسَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْحَيْضِ وَالْوِلَادَةِ ، بِضَمِّ النُّونِ فِيهِمَا . وَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَتِنَا بِالْوَجْهَيْنِ فَتْحِ النُّونِ وَضَمِّهَا ، وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ النَّوْمِ مَعَ الْحَائِضِ فِي ثِيَابِهَا ، وَالِاضْطِجَاعِ مَعَهَا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ ، وَاسْتِحْبَابُ اتِّخَاذِ الْمَرْأَةِ ثِيَابًا لِلْحَيْضِ غَيْرَ ثِيَابِهَا الْمُعْتَادَةِ ، وَقَدْ تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مُبَاشَرَتِهَا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ .