20 - بَاب إِفْشَاءُ السَّلَامِ مِنْ الْإِسْلَامِ ، وَقَالَ عَمَّارٌ : ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ : الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ ، وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ ، وَالْإِنْفَاقُ مِنْ الْإِقْتَارِ .
28 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : تُطْعِمُ الطَّعَامَ ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ .


قَوْلُهُ : ( بَابٌ ) هُوَ مُنَوَّنٌ . وَقَوْلُهُ : ( السَّلَامُ مِنَ الْإِسْلَامِ ) زَادَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ : " إِفْشَاءَ السَّلَامِ " وَالْمُرَادُ بِإِفْشَائِهِ نَشْرُهُ سِرًّا أَوْ جَهْرًا ، وَهُوَ مُطَابِقٌ لِلْمَرْفُوعِ فِي قَوْلِهِ : " عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ " . وَبَيَانُ كَوْنِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ تَقَدَّمَ فِي بَابِ إِطْعَامِ الطَّعَامِ مَعَ بَقِيَّةَ فَوَائِدِهِ . وَغَايَرَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ شَيْخَيْهِ اللَّذَيْنِ حَدَّثَاهُ عَنِ اللَّيْثِ مُرَاعَاةً لِلْإِتْيَانِ بِالْفَائِدَةِ الْإِسْنَادِيَّةِ وَهِيَ تَكْثِيرُ الطُّرُقِ حَيْثُ يَحْتَاجُ إِلَى إِعَادَةِ الْمَتْنِ ، فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ فِي مَوْضِعَيْنِ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ . فَإِنْ قِيلَ : كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْمَعَ الْحُكْمَيْنِ فِي تَرْجَمَةٍ وَاحِدَةٍ وَيُخَرِّجَ الْحَدِيثَ عَنْ شَيْخَيْهِ مَعًا ، أَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ شَيْخَيْهِ أَوْرَدَهُ فِي مَعْرِضِ غَيْرِ الْمَعْرِضِ الْآخَرِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِطَائِلٍ ; لِأَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى ثُبُوتِ وُجُودِ تَصْنِيفٍ مُبَوَّبٍ لِكُلٍّ مِنْ شَيْخَيْهِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ; وَلِأَنَّ مَنِ اعْتَنَى بِتَرْجَمَةِ كُلٍّ مِنْ قُتَيْبَةَ ، وَعَمْرِو بْنِ خَالِدٍ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا تَصْنِيفًا عَلَى الْأَبْوَابِ ; وَلِأَنَّهُ لَزِمَ مِنْهُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ يُقَلِّدُ فِي التَّرَاجِمِ ، وَالْمَعْرُوفُ الشَّائِعُ عَنْهُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْتَنْبِطُ الْأَحْكَامَ فِي الْأَحَادِيثِ وَيُتَرْجِمُ لَهَا وَيَتَفَنَّنُ فِي ذَلِكَ بِمَا لَا يُدْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ ; وَلِأَنَّهُ يَبْقَى السُّؤَالُ بِحَالِهِ إِذْ لَا يَمْتَنِعُ مَعَهُ أَنْ يَجْمَعَهُمَا الْمُصَنِّفُ ، وَلَوْ كَانَ سَمِعَهُمَا مُفْتَرِقَيْنِ . وَالظَّاهِرُ مِنْ صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ يَقْصِدُ تَعْدِيدَ شُعَبِ الْإِيمَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ، فَخَصَّ كُلَّ شُعْبَةٍ بِبَابٍ تَنْوِيهًا بِذِكْرِهَا ، وَقَصْدُ التَّنْوِيهِ يَحْتَاجُ إِلَى التَّأْكِيدِ فَلِذَلِكَ غَايَرَ بَيْنَ التَّرْجَمَتَيْنِ .
[1/104] قَوْلُهُ : ( وَقَالَ عَمَّارٌ ) هُوَ ابْنُ يَاسِرٍ ، أَحَدُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ ، وَأَثَرُهُ هَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُهُمَا ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ ، عَنْ عَمَّارٍ ، وَلَفْظُ شُعْبَةَ : " ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ " وَهُوَ بِالْمَعْنَى ، وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ فِي جَامِعِ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ . وَكَذَا حَدَّثَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مَعْمَرٍ ، وَحَدَّثَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِأُخْرَةٍ فَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، كَذَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ ، كِلَاهُمَا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ ، وَكَذَا رَوَاهُ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ كَعْبٍ الْوَاسِطِيِّ ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ فِي مُعْجَمِهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الصَّنْعَانِيِّ ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مَرْفُوعًا . وَاسْتَغْرَبَهُ الْبَزَّارُ ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ : هُوَ خَطَأٌ . قُلْتُ : وَهُوَ مَعْلُولٌ مِنْ حَيْثُ صِنَاعَةُ الْإِسْنَادِ ; لِأَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ تَغَيَّرَ بِأَخِرَةٍ ، وَسَمَاعُ هَؤُلَاءِ مِنْهُ فِي حَالِ تَغَيُّرِهِ ، إِلَّا أَنَّ مِثْلَهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ ، وَقَدْ رُوِّينَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَمَّارٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ ، وَلَهُ شَوَاهِدُ أُخْرَى بَيَّنْتُهَا فِي " تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ " .
قَوْلُهُ : ( ثَلَاثٌ ) أَيْ : ثَلَاثُ خِصَالٍ ، وَإِعْرَابُهُ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ : " ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ " وَالْعَالَمُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا جَمِيعُ النَّاسِ ، وَالْإِقْتَارُ الْقِلَّةُ ، وَقِيلَ الِافْتِقَارُ ، وَعَلَى الثَّانِي فَمِنْ فِي قَوْلِهِ : " مِنَ الْإِقْتَارِ " بِمَعْنَى مَعَ ، أَوْ بِمَعْنَى عِنْدَ . قَالَ أَبُو الزِّنَادِ بْنُ سِرَاجٍ وَغَيْرُهُ : إِنَّمَا كَانَ مَنْ جَمَعَ الثَّلَاثِ مُسْتَكْمِلًا لِلْإِيمَانِ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَيْهَا ; لِأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا اتَّصَفَ بِالْإِنْصَافِ لَمْ يَتْرُكْ لِمَوْلَاهُ حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ إِلَّا أَدَّاهُ ، وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِمَّا نَهَاهُ عَنْهُ إِلَّا اجْتَنَبَهُ ، وَهَذَا يَجْمَعُ أَرْكَانَ الْإِيمَانِ . وَبَذْلُ السَّلَامِ يَتَضَمَّنُ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَالتَّوَاضُعَ وَعَدَمَ الِاحْتِقَارِ ، وَيَحْصُلُ بِهِ التَّآلُفُ وَالتَّحَابُبُ ، وَالْإِنْفَاقُ مِنَ الْإِقْتَارِ يَتَضَمَّنُ غَايَةَ الْكَرَمِ لِأَنَّهُ إِذَا أَنْفَقَ مِنَ الِاحْتِيَاجِ كَانَ مَعَ التَّوَسُّعِ أَكْثَرَ إِنْفَاقًا ، وَالنَّفَقَةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ عَلَى الْعِيَالِ وَاجِبَةً وَمَنْدُوبَةً ، أَوْ عَلَى الضَّيْفِ وَالزَّائِرِ ، وَكَوْنُهُ مِنَ الْإِقْتَارِ يَسْتَلْزِمُ الْوُثُوقَ بِاللَّهِ وَالزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا وَقِصَرَ الْأَمَلِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مُهِمَّاتِ الْآخِرَةِ . وَهَذَا التَّقْرِيرُ يُقَوِّي أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا ; لِأَنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَلَامَ مَنْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ .