3547 - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ خَالِدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ : سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كَانَ رَبْعَةً مِنْ الْقَوْمِ ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ ، لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلَا آدَمَ ، لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلَا سَبْطٍ رَجِلٍ أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ ، فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ ، وَقُبِضَ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ . قَالَ رَبِيعَةُ : فَرَأَيْتُ شَعَرًا مِنْ شَعَرِهِ فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ ، فَسَأَلْتُ فَقِيلَ : احْمَرَّ مِنْ الطِّيبِ .
3548 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ ، وَلَا بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ وَلَيْسَ بِالْآدَمِ ، وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبْطِ . بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ ، فَتَوَفَّاهُ اللَّهُ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ .


الْحَدِيثُ الْخَامِسُ حَدِيثُ أَنَسٍ مِنْ رِوَايَةِ رَبِيعَةَ عَنْهُ ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَرُّوخَ الْفَقِيهُ الْمَدَنِيُّ الْمَعْرُوفُ بِرَبِيعَةِ الرَّأْيِ ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : مِنْ رِوَايَةِ خَالِدٍ ، وَهُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْجُمَحِيُّ الْمِصْرِيُّ ، وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ لَكِنَّهُ مَاتَ قَبْلَهُ ، وَقَدْ أَكْثَرَ عَنْهُ اللَّيْثُ .
قَوْلُهُ : ( كَانَ رَبْعَةً ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مَرْبُوعًا ، وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ النَّفْسِ ، يُقَالُ : رَجُلٌ رَبْعَةٌ وَامْرَأَةٌ رَبْعَةٌ ، وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ : " لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ " وَالْمُرَادُ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ الْمُفْرِطُ فِي الطُّولِ مَعَ اضْطِرَابِ الْقَامَةِ ، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بَعْدَ قَلِيلٍ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا " وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الذُّهْلِيِّ فِي " الزُّهْرِيَّاتِ " بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ " كَانَ رَبْعَةً وَهُوَ إِلَى الطُّولِ أَقْرَبُ " .
قَوْلُهُ : ( أَزْهَرَ اللَّوْنِ ) أَيْ أَبْيَضُ مُشَرَّبٌ بِحُمْرَةٍ ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ ، وَعِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، وَالطَّيَالِسِيِّ ، وَالتِّرْمِذِيِّ ، وَالْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى [6/658] اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ مُشَرَّبًا بَيَاضُهُ بِحُمْرَةٍ " وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ ، وَعَنْ جَابِرٍ ، وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَلِيٍّ ، وَفِي " الشَّمَائِلِ " مِنْ حَدِيثِ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ أَنَّهُ أَزْهَرُ اللَّوْنِ .
قَوْلُهُ : ( لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ ) كَذَا فِي الْأُصُولِ ، وَوَقَعَ عِنْدَ الدَّاوُدِيِّ تَبَعًا لِرِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ " أَمْهَقُ لَيْسَ بِأَبْيَضَ " وَاعْتَرَضَهُ الدَّاوُدِيُّ ، وَقَالَ عِيَاضٌ : إِنَّهُ وَهْمٌ ، قَالَ : وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنَّهُ لَيْسَ بِالْأَبْيَضِ وَلَا الْآدَمِ لَيْسَ بِصَوَابٍ ، كَذَا قَالَ ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ فِي هَذَا الثَّانِي ، لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الشَّدِيدِ الْبَيَاضِ وَلَا بِالْآدَمِ الشَّدِيدِ الْأُدْمَةِ ، وَإِنَّمَا يُخَالِطُ بَيَاضَهُ الْحُمْرَةُ ، وَالْعَرَبُ قَدْ تُطْلِقُ عَلَى مَنْ كَانَ كَذَلِكَ أَسْمَرَ ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ ، وَالْبَزَّارِ ، وَابْنِ مَنْدَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَسْمَرَ " وَقَدْ رَدَّ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِقَوْلِهِ : فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ رَبِيعَةَ : " وَلَا بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ وَلَيْسَ بِالْآدَمِ " وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ " مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَ الصِّفَةَ النَّبَوِيَّةَ قَالَ : " كَانَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ بَيَاضُهُ إِلَى السُّمْرَةِ " .
وَفِي حَدِيثِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَجُلٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ جِسْمُهُ وَلَحْمُهُ أَحْمَرُ " وَفِي لَفْظٍ " أَسْمَرَ إِلَى الْبَيَاضِ " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ .
وَتَبَيَّنَ مِنْ مَجْمُوعِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّمْرَةِ الْحُمْرَةُ الَّتِي تُخَالِطُ الْبَيَاضَ ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيَاضِ الْمُثْبَتِ مَا يُخَالِطُهُ الْحُمْرَةُ ، وَالْمَنْفِيُّ مَا لَا يُخَالِطُهُ ، وَهُوَ الَّذِي تَكْرَهُ الْعَرَبُ لَوْنَهُ وَتُسَمِّيهِ أَمْهَقَ ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ رِوَايَةَ الْمَرْوَزِيِّ " أَمْهَقَ لَيْسَ بِأَبْيَضَ " مَقْلُوبَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ تَوْجِيهُهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْهَقِ الْأَخْضَرُ اللَّوْنِ الَّذِي لَيْسَ بَيَاضُهُ فِي الْغَايَةِ وَلَا سُمْرَتُهُ وَلَا حُمْرَتُهُ ، فَقَدْ نُقِلَ عَنْ رُؤْبَةَ أَنَّ الْمَهَقَ خُضْرَةُ الْمَاءِ ، فَهَذَا التَّوْجِيهُ يَتِمُّ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ الرِّوَايَةِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ إِطْلَاقُ كَوْنِهِ أَبْيَضَ ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ عِنْدَ مُسْلِمٍ .
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ " مَا أَنْسَى شِدَّةَ بَيَاضِ وَجْهِهِ مَعَ شِدَّةِ سَوَادِ شَعْرِهِ " وَكَذَا فِي شِعْرِ أَبِي طَالِبٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ :
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ .
وَفِي حَدِيثِ سُرَاقَةَ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ : " فَجَعَلْتُ أَنْظُرَ إِلَى سَاقِهِ كَأَنَّهَا جُمَّارَةٌ " وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ مُحَرِّشٍ الْكَعْبِيِّ فِي عُمْرَةِ الْجِعِرَّانَةِ أَنَّهُ قَالَ : " فَنَظَرْتُ إِلَى ظَهْرِهِ كَأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ " .
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " كَانَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ " أَخْرَجَهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ ، وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِمَا تَقَدَّمَ .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ : يُقَالُ : إِنَّ الْمُشَرَبَ مِنْهُ حُمْرَةٌ وَإِلَى السُّمْرَةِ مَا ضَحَى مِنْهُ لِلشَّمْسِ وَالرِّيحِ ، وَأَمَّا مَا تَحْتَ الثِّيَابِ فَهُوَ الْأَبْيَضُ الْأَزْهَرُ . قُلْتُ : وَهَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ عَقِبَ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا ، وَزَادَ " وَلَوْنُهُ الَّذِي لَا يُشَكُّ فِيهِ الْأَبْيَضُ الْأَزْهَرُ " وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي " زِيَادَاتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ " مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ " أَبْيَضُ مُشَرَّبٌ شَدِيدُ الْوَضَحِ " فَهُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ أَنَسٍ " لَيْسَ بِالْأَمْهَقِ " وَهُوَ أَصَحُّ ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ مَا فِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ عَلَى مَا تَحْتَ الثِّيَابِ مِمَّا لَا يُلَاقِي الشَّمْسَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ : ( لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلَا سَبِطٍ ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ ، وَالْجُعُودَةُ فِي الشَّعْرِ أَنْ لَا يَتَكَسَّرَ وَلَا يَسْتَرْسِلَ وَالسُّبُوطَةُ ضِدُّهُ ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ وَسَطٌ بَيْنَهُمَا . وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ ، وَابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ " وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ ، وَلَا بِالسَّبِطِ ، كَانَ جَعْدًا رَجِلًا " وَقَوْلُهُ : رَجِلٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ - وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَكِّنُهَا - [6/659] أَيْ مُتَسَرِّحٌ ، وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ ، أَيْ هُوَ رَجِلٌ . وَوَقَعَ عِنْدَ الْأَصِيلِيِّ بِالْخَفْضِ وَهُوَ وَهْمٌ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْطُوفًا عَلَى الْمَنْفِيِّ ، وَقَدْ وُجِّهَ عَلَى أَنَّهُ خَفَضَهُ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ .
قَوْلُهُ : ( أُنْزِلَ عَلَيْهِ ) فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ " بَعَثَهُ اللَّهُ " .
قَوْلُهُ : ( وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ ) فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ " عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ " وَهَذَا إِنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ بُعِثَ فِي الشَّهْرِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ وُلِدَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ بُعِثَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لَهُ حِينَ بُعِثَ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَنِصْفٌ أَوْ تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ وَنِصْفٌ ، فَمَنْ قَالَ أَرْبَعِينَ أَلْغَى الْكَسْرَ أَوْ جَبَرَ ، لَكِنْ قَالَ الْمَسْعُودِيُّ ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : إِنَّهُ بُعِثَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ . فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً سَوَاءً . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بُعِثَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ ، وَعِنْدَ الْجِعَابِيِّ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَعِشْرُونَ يَوْمًا ، وَعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ أَنَّهُ وُلِدَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَهُوَ شَاذٌّ ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا وَضُمَّ إِلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الْمَبْعَثَ فِي رَمَضَانَ فَيَصِحُّ أَنَّهُ بُعِثَ عِنْدَ إِكْمَالِ الْأَرْبَعِينَ أَيْضًا .
وَأَبْعَدُ مِنْهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ : بُعِثَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَشَهْرَيْنِ ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ وُلِدَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ . ثُمَّ رَأَيْتُهُ كَذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي " تَارِيخِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُتَقِيِّ " وَعَزَاهُ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَزَادَ " لِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ " وَهُوَ شَاذٌّ . وَمِنَ الشَّاذِّ أَيْضًا مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ : " أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ " وَهُوَ قَوْلُ الْوَاقِدِيِّ ، وَتَبِعَهُ الْبِلَاذُرِيُّ ، وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ ، وَفِي " تَارِيخِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ " وَغَيْرِهِ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ بُعِثَ بَعْدَ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ .
قَوْلُهُ : ( فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ ) مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ عَاشَ سِتِّينَ سَنَةً ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ " أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ " وَهُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَاضِي قَرِيبًا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ ، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ : لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ أَحَدَهُمَا ، وَجَمَعَ غَيْرُهُ بِإِلْغَاءِ الْكَسْرِ ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فِي الْوَفَاةِ آخَرَ الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
قَوْلُهُ : ( وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ ) أَيْ بَلْ دُونَ ذَلِكَ ، وَلِابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ " قُلْتُ لِرَبِيعَةَ : جَالَسْتَ أَنَسًا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : شَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ شَيْبَةً هَهُنَا يَعْنِي الْعَنْفَقَةَ " وَلِإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ ، وَابْنِ حِبَّانَ ، وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ " كَانَ شَيْبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ فِي مُقَدَّمِهِ " وَقَدِ اقْتَضَى حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ أَنَّ شَيْبَهُ كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى عَشْرِ شَعَرَاتٍ لِإِيرَادِهِ بِصِيغَةِ جَمْعِ الْقِلَّةِ ، لَكِنْ خُصَّ ذَلِكَ بِعَنْفَقَتِهِ ، فَيُحْمَلُ الزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ فِي صُدْغَيْهِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ .
لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ قَالَ : " وَلَمْ يَبْلُغْ مَا فِي لِحْيَتِهِ مِنَ الشَّيْبِ عِشْرِينَ شَعْرَةً " قَالَ حُمَيْدٌ : " وَأَوْمَأَ إِلَى عَنْفَقَتِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ " وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَعْدٍ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : " مَا كَانَ فِي رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِحْيَتِهِ إِلَّا سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانِي عَشْرَةَ " وَلِابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسٍ " لَمْ يَكُنْ فِي لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ [6/660] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ . قَالَ حُمَيْدٌ : " كُنَّ سَبْعَ عَشْرَةَ " وَفِي مُسْنَدِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ " مَا عَدَدْتُ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ إِلَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ شَعْرَةً " وَعِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ " إِلَّا سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ عِشْرِينَ شَعْرَةً " وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي " الْمُسْتَدْرَكِ " مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : " لَوْ عَدَدْتُ مَا أَقْبَلَ عَلَيَّ مِنْ شَيْبِهِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ مَا كُنْتُ أَزِيدُهُنَّ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ شَيْبَةً " وَفِي حَدِيثِ الْهَيْثَمِ بْنِ زُهَيْرٍ عِنْدَ " ثَلَاثُونَ عَدَدًا " .
قَوْلُهُ : ( قَالَ رَبِيعَةُ ) هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ .
قَوْلُهُ : ( فَرَأَيْتُ شَعْرًا مِنْ شَعْرِهِ فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ ، فَسَأَلْتُ فَقِيلَ : احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ ) لَمْ أَعْرِفِ الْمَسْئُولَ الْمُجِيبَ بِذَلِكَ ، إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَقِيلٍ الْمَذْكُورَةِ مِنْ قَبْلُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ لِأَنَسٍ : " هَلْ خَضَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ شَعْرًا مِنْ شَعْرِهِ قَدْ لُوِّنَ ، فَقَالَ : إِنَّمَا هَذَا الَّذِي لُوِّنَ مِنَ الطِّيبِ الَّذِي كَانَ يُطَيَّبُ بِهِ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الَّذِي غَيَّرَ لَوْنَهُ " فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَبِيعَةُ سَأَلَ أَنَسًا عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ . وَوَقَعَ فِي " رِجَالِ مَالِكٍ " لِلدَّارَقُطْنِيِّ وَهُوَ فِي " غَرَائِبِ مَالِكٍ " لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَضَبَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ شَعْرِهِ لِيَكُونَ أَبْقَى لَهَا " . قُلْتُ : فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا اسْتَقَامَ إِنْكَارُ أَنَسٍ ، وَيَقْبَلُ مَا أَثْبَتَهُ سِوَاهُ التَّأْوِيلَ ، وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .