بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
( 64 ) كِتَاب الْمَغَازِي
1 - بَاب غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ أَوْ الْعُسَيْرَةِ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : أَوَّلُ مَا غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَبْوَاءَ ، ثُمَّ بُوَاطَ ، ثُمَّ الْعُشَيْرَةَ .
3949 - حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ : كُنْتُ إِلَى جَنْبِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ، فَقِيلَ لَهُ : كَمْ غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةٍ ؟ قَالَ : تِسْعَ عَشْرَةَ . قِيلَ : كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَهُ ؟ قَالَ : سَبْعَ عَشْرَةَ . قُلْتُ : فَأَيُّهُمْ كَانَتْ أَوَّلَ ؟ قَالَ : العشير أَوْ العسيرة . فَذَكَرْتُ لِقَتَادَةَ ، فَقَالَ : الْعُشَيْرة .


[7/326] قَوْلُهُ : ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . كِتَابُ الْمَغَازِي . بَابُ غَزْوَةِ الْعَشِيرَةِ ) : بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ ، وَلِغَيْرِهِ تَأْخِيرُ الْبَسْمَلَةِ عَنْ قَوْلِهِ : " كِتَابُ الْمَغَازِي " وَزَادُوا " بَابُ غَزْوَةِ الْعَشِيرَةِ أَوِ الْعَسِيرَةِ " بِالشَّكِّ هَلْ هِيَ بِالْإِهْمَالِ أَوْ بِالْإِعْجَامِ ، مَكَانُهَا عِنْدَ مَنْزِلِ الْحَجِّ بِيَنْبُعَ ، لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَلَدِ إِلَّا الطَّرِيقُ . وَخَرَجَ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةٍ ، وَقِيلَ : مِائَتَيْنِ ، وَاسْتَخْلَفَ فِيهَا أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ . وَالْمَغَازِي جَمْعُ مَغْزًى ، يُقَالُ : غَزَا يَغْزُو غَزْوًا وَمَغْزًى ، وَالْأَصْلُ غَزْوًا ، وَالْوَاحِدَةُ غَزْوَةٌ وغزاة وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ ، وَعَنْ ثَعْلَبٍ الْغَزْوَةُ الْمَرَّةُ وَالْغَزَاةُ عَمَلُ سَنَةٍ كَامِلَةٍ ، وَأَصْلُ الْغَزْوِ الْقَصْدُ ، وَمَغْزَى الْكَلَامِ مَقْصِدُهُ ، وَالْمُرَادُ بِالْمَغَازِي هُنَا مَا وَقَعَ مِنْ قَصْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكُفَّارَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِجَيْشٍ مِنْ قِبَلِهِ ، وَقَصْدُهُمْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إِلَى بِلَادِهِمْ أَوْ إِلَى الْأَمَاكِنِ الَّتِي حَلُّوهَا حَتَّى دَخَلَ مِثْلُ أُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ .
قَوْلُهُ : ( قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : أَوَّلُ مَا غَزَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَبْوَاءُ ثُمَّ بَوَاطُ ثُمَّ الْعَشِيرَةُ ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ ، وَسَقَطَ لِأَبِي ذَرٍّ إِلَّا عَنِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ آخَرَ الْبَابِ ، وَالْأَبْوَاءُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْمَدِّ قَرْيَةٌ مِنْ عَمَلِ الْفَرْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُحْفَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ مِيلًا ، قِيلَ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا كَانَ فِيهَا مِنَ الْوَبَاءِ وَهِيَ عَلَى الْقَلْبِ وَإِلَّا لَقِيلَ : الْأَوْبَاءُ ، وَالَّذِي وَقَعَ فِي مَغَازِي ابْنِ إِسْحَاقَ مَا صُورَتُهُ : غَزْوَةُ وَدَّانَ بِتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ ، قَالَ : وَهِيَ أَوَّلُ غَزَوَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ يُرِيدُ قُرَيْشًا ، فَوَادَعَ بَنِي ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ مِنْ كِنَانَةَ ، وَادَعَهُ رَئِيسُهُمْ مَجْدِي بْنُ عَمْرٍو الضُّمَرِيُّ وَرَجَعَ [7/327] بِغَيْرِ قِتَالٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ قَدِ اسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ا هـ . وَلَيْسَ بَيْنَ مَا وَقَعَ فِي السِّيرَةِ وَبَيْنَ مَا نَقَلَهُ الْبُخَارِيُّ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ اخْتِلَافٌ ؛ لِأَنَّ الْأَبْوَاءَ وَوَدَّانَ مَكَانَانِ مُتَقَارِبَانِ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ ثَمَانِيَةٌ ، وَلِهَذَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ " وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ " كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ ، وَوَقَعَ فِي " مَغَازِي الْأُمَوِيِّ " حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ : خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَازِيًا بِنَفْسِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى وَدَّانَ وَهِيَ الْأَبْوَاءُ . وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ : أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي بِنَفْسِهِ - الْأَبْوَاءُ . وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : أَوَّلُ غَزَاةٍ غَزَوْنَاهَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْأَبْوَاءُ .
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ الصَّغِيرِ " عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ ، وَكَثِيرٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ ، لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ مَشَاهُ وَتَبِعَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَذَكَرَ أَبُو الْأَسْوَدِ فِي مَغَازِيهِ عَنْ عُرْوَةَ وَوَصَلَهُ ابْنُ عَائِذٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا وَصَلَ إِلَى الْأَبْوَاءِ بَعَثَ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ فِي سِتِّينَ رَجُلًا فَلَقُوا جَمْعًا مِنْ قُرَيْشٍ فَتَرَامَوْا بِالنَّبْلِ ، فَرَمَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ بِسَهْمٍ ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " وَعِنْدَ الْأُمَوِيِّ : يُقَالُ : إِنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَوَّلُ مَنْ عَقَدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْإِسْلَامِ رَايَةً ، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ، وَأَبُو مَعْشَرٍ ، وَالْوَاقِدِيُّ فِي آخَرِينَ قَالُوا : وَكَانَ حَامِلَ رَايَتِهِ أَبُو مَرْثَدَ حَلِيفُ حَمْزَةَ ، وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ الْأُولَى ، وَكَانُوا ثَلَاثِينَ رَجُلًا لِيَعْتَرِضُوا عِيرَ قُرَيْشٍ ، فَلَقُوا أَبَا جَهْلٍ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ ، فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِي .
وَأَمَّا بَوَاطُ فَبِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَقَدْ تُضَمُّ ، وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ ، وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ : جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ جُهَيْنَةَ بِقُرْبِ يَنْبُعَ ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : ثُمَّ غَزَا فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يُرِيدُ قُرَيْشًا أَيْضًا حَتَّى بَلَغَ بَوَاطَ مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى وَرَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ أَحَدًا ، وَرَضْوَى بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ : جَبَلٌ مَشْهُورٌ عَظِيمٌ بِيَنْبُعَ ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ اسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ السَّائِبَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ ، وَفِي نُسْخَةٍ السَّائِبَ بْنَ مَظْعُونٍ ، وَعَلَيْهِ جَرَى السُّهَيْلِيُّ ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ : سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ .
وَأَمَّا الْعُشَيْرَةُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَى أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّهَا بِالْمُعْجَمَةِ وَالتَّصْغِيرِ وَآخِرُهَا هَاءٌ ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : هِيَ بِبَطْنِ يَنْبُعَ ، وَخَرَجَ إِلَيْهَا في جُمَادَى الْأُولَى يُرِيدُ قُرَيْشًا أَيْضًا ، فَوَادَعَ فِيهَا بَنِي مُدْلِجٍ مِنْ كِنَانَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : اسْتَعْمَلَ فِيهَا عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا سلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ . وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ هَذِهِ السَّفْرَاتِ الثَّلَاثَ كَانَ يَخْرُجُ فِيهَا لِيَلْتَقِيَ تُجَّارَ قُرَيْشٍ حِينَ يَمُرُّونَ إِلَى الشَّامِ ذِهَابًا وَإِيَابًا ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهَا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ ، وَكَذَلِكَ السَّرَايَا الَّتِي بَعَثَهَا قَبْلَ بَدْرٍ كَمَا سَيَأْتِي . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : وَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ لَمْ يُقِمْ إِلَّا لَيَالِيَ حَتَّى أَغَارَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي طَلَبِهِ حَتَّى بَلَغَ سَفَرَانَ - بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ - مِنْ نَاحِيَةِ بَدْرٍ ، فَقَاتَلَهُ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ ، وَهَذِهِ هِيَ بَدْرٌ الْأُولَى ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ الْبَيَانُ عَنْ سَرِيَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ ، وَأَنَّهُ وَمَنْ مَعَهُ لَقُوا نَاسًا مِنْ قُرَيْشٍ رَاجِعِينَ بِتِجَارَةٍ مِنَ الشَّامِ فَقَاتَلُوهُمْ ، وَاتَّفَقَ وُقُوعُ ذَلِكَ فِي رَجَبٍ ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ وَأَسَرُوا وَأَخَذُوا الَّذِي كَانَ مَعَهُمْ ، وَكَانَ أَوَّلَ قَتْلٍ وَقَعَ فِي الْإِسْلَامِ وَأَوَّلَ مَالٍ غُنِمَ ، وَمِمَّنْ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ أَخُو عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيٍّ الَّذِي حَرَّضَ بِهِ أَبُو جَهْلٍ قُرَيْشًا عَلَى الْقِتَالِ بِبَدْرٍ . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ كَمَا أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ : أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَإِسْنَادُهُ [7/328] صَحِيحٌ ، وَأَخْرَجَ هُوَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَّةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَخْرَجُوا نَبِيَّهُمْ ، لَيُهْلَكُنَّ . فَنَزَلَتْ : أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ الْآيَةَ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَهِيَ أَوَّلُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ فِي الْقِتَالِ " وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُمْ أُذِنَ لَهُمْ فِي قِتَالِ مَنْ قَاتَلَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ثُمَّ أُمِرُوا بِالْقِتَالِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا الْآيَةَ .
قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا وَهْبٌ ) هُوَ ابْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، وَأَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السُّبَيْعِيُّ .
قَوْلُهُ : ( فَقِيلَ لَهُ ) الْقَائِلُ هُوَ الرَّاوِي أَبُو إِسْحَاقَ بَيَّنَهُ إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْمَغَازِي بِلَفْظِ " سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ " وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ آخِرًا " فَأَيُّهُمْ " .
قَوْلُهُ : ( تِسْعَ عَشْرَةَ ) كَذَا قَالَ وَمُرَادُهُ الْغَزَوَاتُ الَّتِي خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ ، لَكِنْ رَوَى أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عَدَدَ الْغَزَوَاتِ إِحْدَى وَعِشْرُونَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ ، فَعَلَى هَذَا فَفَاتَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ ذِكْرُ ثِنْتَيْنِ مِنْهَا وَلَعَلَّهُمَا الْأَبْوَاءُ وَبَوَاطُ ، وَكَأَنَّ ذَلِكَ خَفِيَ عَلَيْهِ لِصِغَرِهِ ، وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْتُهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ " قُلْتُ : مَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا ؟ قَالَ : ذَاتُ الْعُشَيْرِ أَوِ الْعُشَيْرَةُ " ا هـ .
وَالْعُشَيْرَةُ كَمَا تَقَدَّمَ هِيَ الثَّالِثَةُ ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ التِّينِ : يُحْمَلُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَلَى أَنَّ الْعُشَيْرَةَ أَوَّلُ مَا غَزَا هُوَ ، أَيْ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ ، والتقدير : فَقُلْتُ : مَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا أَيْ وَأَنْتَ مَعَهُ ؟ قَالَ : الْعُشَيْرُ ، فَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا ، وَيَكُونُ قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ ثِنْتَانِ مِمَّا بَعْدَ ذَلِكَ . أَوْ عَدَّ الْغَزْوَتَيْنِ وَاحِدَةً ، فَقَدْ قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ : " قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ فِي ثَمَانٍ : بَدْرٍ ثُمَّ أُحُدٍ ثُمَّ الْأَحْزَابِ ثُمَّ الْمُصْطَلِقِ ثُمَّ خَيْبَرَ ثُمَّ مَكَّةَ ثُمَّ حُنَيْنٍ ثُمَّ الطَّائِفِ " ا هـ . وَأَهْمَلَ غَزْوَةَ قُرَيْظَةَ ؛ لِأَنَّهُ ضَمَّهَا إِلَى الْأَحْزَابِ لِكَوْنِهَا كَانَتْ فِي أثرِهَا ، وَأَفْرَدَهَا غَيْرُهُ لِوُقُوعِهَا مُنْفَرِدَةً بَعْدَ هَزِيمَةِ الْأَحْزَابِ ، وَكَذَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ عَدُّ الطَّائِفِ وَحُنَيْنٍ وَاحِدَةً لِتَقَارُبِهِمَا ، فَيَجْتَمِعُ عَلَى هَذَا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَقَوْلُ جَابِرٍ ، وَقَدْ تَوَسَّعَ ابْنُ سَعْدٍ فَبَلَغَ عِدَّةُ الْمَغَازِي الَّتِي خَرَجَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ ، وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الْوَاقِدِيَّ ، وَهُوَ مُطَابِقٌ لِمَا عَدَّهُ ابْنُ إِسْحَاقَ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُفْرِدْ وَادِي الْقُرَى مِنْ خَيْبَرَ ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ السُّهَيْلِيُّ ، وَكَأَنَّ السِّتَّةَ الزَّائِدَةَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ : " غَزَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ " وَأَخْرَجَهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شُبَيْبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، فزاد فِيهِ أَنَّ سَعِيدًا قَالَ أَوَّلًا ثَمَانِيَ عَشْرَةً ، ثُمَّ قَالَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ ، قَالَ الزُّهْرِيُّ : فَلَا أَدْرِي أَوَهمَ أَوْ كَانَ شَيْئًا سَمِعَهُ بَعْدُ . قُلْتُ : وَحَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ يَدْفَعُ الْوَهَمَ وَيَجْمَعُ الْأَقْوَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَأَمَّا الْبُعُوثُ وَالسَّرَايَا فَعَدَّ ابْنُ إِسْحَاقَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ ، وَعَدَّ الْوَاقِدِيُّ ثَمَانِيًا وَأَرْبَعِينَ . وَحَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " التَّلْقِيحِ " سِتًّا وَخَمْسِينَ ، وَعَدَّ الْمَسْعُودِيُّ سِتِّينَ ، وَبَلَغَهَا شَيْخُنَا فِي " نَظْمِ السِّيرَةِ " زِيَادَةً عَلَى السَّبْعِينِ ، وَوَقَعَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي " الْإِكْلِيلِ " أَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى مِائَةٍ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ ضَمَّ الْمَغَازِي إِلَيْهَا .
قَوْلُهُ : ( قُلْتُ فَأَيُّهُمْ كَانَ أَوَّلُ ) ؟ كَذَا لِلْجَمِيعِ ، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ : وَالصَّوَابُ " فَأَيُّهَا " أَوْ " أَيُّهُنَّ " وَوَجَّهَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُضَافَ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ فَأَيُّ غَزْوَتِهِمْ ؟ قُلْتُ : وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِلَفْظِ " قُلْتُ : فَأَيَّتُهُنَّ " ؟ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ مِنَ الْبُخَارِيِّ أَوْ مِنْ [7/329] شَيْخِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيِّ أَوْ مِنْ شَيْخِهِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ حَدَّثَ بِهِ مَرَّةً عَلَى الصَّوَابِ وَمَرَّةً عَلَى غَيْرِهِ إِنْ لَمْ يَصِحَّ لَهُ تَوْجِيهٌ .
قَوْلُهُ : ( الْعُشَيْرُ أَوِ الْعُسيْرَةُ ) كَذَا بِالتَّصْغِيرِ وَالْأَوَّلُ بِالْمُعْجَمَةِ بِلَا هَاءٍ وَالثَّانِيَةُ بِالْمُهْمَلَةِ وَبِالْهَاءِ ، وَوَقَعَ فِي التِّرْمِذِيِّ الْعُشَيْرُ أَوِ الْعُسَيْرُ بِلَا هَاءٍ فِيهِمَا .
قَوْلُهُ : ( فَذَكَرْتُ لِقَتَادَةَ ) الْقَائِلُ هُوَ شُعْبَةُ ، وَقَوْلُ قَتَادَةَ " الْعُشَيْرَةُ " هُوَ بِالْمُعْجَمَةِ وَبِإِثْبَاتِ الْهَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَذَفَهَا ، وَقَوْلُ قَتَادَةَ هُوَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ السِّيَرِ وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَأَمَّا غَزْوَةُ الْعَسِيرَةِ بِالْمُهْمَلَةِ فَهِيَ غَزْوَةُ تَبُوكَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا كَانَ فِيهَا مِنَ الْمَشَقَّةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ ، وَهِيَ بِغَيْرِ تَصْغِيرٍ ، وَأَمَّا هَذِهِ فَنُسِبَتْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَصَلُوا إِلَيْهِ وَاسْمُهُ الْعُشَيْرُ أَوِ الْعُشَيْرَةُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَهُوَ مَوْضِعٌ ، وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي هَذِهِ الْغَزَاةِ عِيرُ قُرَيْشٍ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الشَّامِ بِالتِّجَارَةِ فَفَاتَهُمْ ، وَكَانُوا يَتَرَقَّبُونَ رُجُوعَهَا ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَلَقَّاهَا لِيَغْنَمَهَا ، فَبِسَبَبِ ذَلِكَ كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : فَإِنَّ السَّبَبَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ مَا حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ ، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ بِالشَّامِ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْهُمْ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، فَأَقْبَلُوا فِي قَافِلَةٍ عَظِيمَةٍ فِيهَا أَمْوَالُ قُرَيْشٍ ، فَنَدَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِمْ ، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ يَتَجَسَّسُ الْأَخْبَارَ ، فَبَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ بِقَصْدِهِمْ ، فَأَرْسَلَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ إِلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ يُحَرِّضُهُمْ عَلَى الْمَجِيءِ لِحِفْظِ أَمْوَالِهِمْ وَيُحَذِّرُهُمُ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَنْفَرَهُمْ ضَمْضَمُ ، فَخَرَجُوا فِي أَلْفِ رَاكِبٍ وَمَعَهُمْ مِائَةُ فَرَسٍ ، وَاشْتَدَّ حَذَرُ أَبِي سُفْيَانَ فَأَخَذَ طَرِيقَ السَّاحِلِ وَجَدَّ فِي السَّيْرِ حَتَّى فَاتَ الْمُسْلِمِينَ ، فَلَمَّا أَمِنَ أَرْسَلَ إِلَى مَنْ يَلْقَى قُرَيْشًا يَأْمُرُهُمْ بِالرُّجُوعِ ، فَامْتَنَعَ أَبُو جَهْلٍ مِنْ ذَلِكَ ، فَكَانَ مَا كَانَ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ .