397 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى ، عَنْ سَيْفٍ - يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ - قَالَ : سَمِعْتُ مُجَاهِدًا قَالَ : أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ فَقِيلَ لَهُ : هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ . فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : فَأَقْبَلْتُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ ، وَأَجِدُ بِلَالًا قَائِمًا بَيْنَ الْبَابَيْنِ ، فَسَأَلْتُ بِلَالًا فَقُلْتُ : أَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَعْبَةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَى يَسَارِهِ إِذَا دَخَلْتَ ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ .


قَوْلُهُ : ( عَنْ سَيْفٍ ) هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ أَوِ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الْمَكِّيُّ .
قَوْلُهُ : ( أَتَى ابْنُ عُمَرَ ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ .
قَوْلُهُ : ( وَأَجِدُ ) بَعْدَ قَوْلِهِ : ( فَأَقْبَلْتُ ) وَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِلسِّيَاقِ أَنْ يَقُولَ : وَوَجَدْتُ ، وَكَأَنَّهُ عَدَلَ عَنِ الْمَاضِي إِلَى الْمُضَارِعِ اسْتِحْضَارًا لِتِلْكَ الصُّورَةِ حَتَّى كَأَنَّ الْمُخَاطَبَ يُشَاهِدُهَا .
قَوْلُهُ : ( قَائِمًا بَيْنَ الْبَابَيْنِ ) أَيْ الْمِصْرَاعَيْنِ وَحَمَلَهُ الْكِرْمَانِيُّ تَجْوِيزًا عَلَى حَقِيقَةِ التَّثْنِيَةِ وَقَالَ : أَرَادَ بِالْبَابِ الثَّانِي الَّذِي لَمْ تَفْتَحْهُ قُرَيْشٌ حِينَ بَنَتِ الْكَعْبَةَ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ ، أَوْ كَانَ إِخْبَارُ الرَّاوِي بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ فَتَحَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ ، وَهَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ وَجَدَ بِلَالًا فِي وَسَطِ الْكَعْبَةِ ، وَفِيهِ بُعْدٌ . وَفِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ : " بَيْنَ النَّاسِ " بِنُونٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَهِيَ أَوْضَحُ .
قَوْلُهُ : ( قَالَ : نَعَمْ رَكْعَتَيْنِ ) أَيْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ وَغَيْرِهِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : " وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ : كَمْ صَلَّى " قَالَ : فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِالْكَيْفِيَّةِ وَهِيَ تَعْيِينُ الْمَوْقِفِ فِي الْكَعْبَةِ ، وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِالْكَمِّيَّةِ ، وَنَسِيَ هُوَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهَا ، وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ : يُحْتَمَلُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اعْتَمَدَ فِي قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ رَكْعَتَيْنِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُتَحَقِّقِ لَهُ ، وَذَلِكَ أَنَّ بِلَالًا أَثْبَتَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّى وَلَمْ يَنْقُلْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنَفَّلَ فِي النَّهَارِ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَتَيْنِ ، فَكَانَتِ الرَّكْعَتَانِ مُتَحَقِّقًا وُقُوعُهُمَا لِمَا عُرِفَ بِالِاسْتِقْرَاءِ مِنْ عَادَتِهِ . فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ : " رَكْعَتَيْنِ " مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ لَا مِنْ كَلَامِ بِلَالٍ . وَقَدْ وَجَدْتُ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَمْعا آخَر بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي " كِتَابِ مَكَّةَ " مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ " فَاسْتَقْبَلَنِي بِلَالٌ فَقُلْتُ : مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَاهُنَا ؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَيْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى ؛ فَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ : " نَسِيتُ [1/597] أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى " عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ لَفْظًا وَلَمْ يُجِبْهُ لَفْظًا ، وَإِنَّمَا اسْتَفَادَ مِنْهُ صَلَاةَ الرَّكْعَتَيْنِ بِإِشَارَتِهِ لَا بِنُطْقِهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : " وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى " فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ هَلْ زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ أَوْ لَا . وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ : يُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ نَسِيَ أَنْ يَسْأَلَ بِلَالًا ثُمَّ لَقِيَهُ مَرَّةً أُخْرَى فَسَأَلَهُ ، فَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقِصَّةَ - وَهِيَ سُؤَالُ ابْنِ عُمَرَ عَنْ صَلَاتِهِ فِي الْكَعْبَةِ - لَمْ تَتَعَدَّدْ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى فِي السُّؤَالِ بِالْفَاءِ الْمُعَقِّبَةِ فِي الرِّوَايَتَيْنِ مَعًا ، فَقَالَ فِي هَذِهِ فَأَقْبَلْتُ ثُمَّ قَالَ : فَسَأَلْتُ بِلَالًا ، وَقَالَ فِي الْأُخْرَى فَبَدَرْتُ فَسَأَلْتُ بِلَالًا ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ وَاحِدًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ .
ثَانِيهُمَا : أَنَّ رَاوِيَ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ " وَنَسِيتُ " هُوَ نَافِعٌ مَوْلَاهُ وَيَبْعُدُ مَعَ طُولِ مُلَازَمَتِهِ لَهُ إِلَى وَقْتِ مَوْتِهِ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى حِكَايَةِ النِّسْيَانِ وَلَا يَتَعَرَّضَ لِحِكَايَةِ الذِّكْرِ أَصْلًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ أَنَّ قَوْلَهُ : " رَكْعَتَيْنِ " غَلَطٌ مِنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَدْ قَالَ : " نَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى " قَالَ : وَإِنَّمَا دَخَلَ الْوَهْمُ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدُ ، فَهُوَ كَلَامٌ مَرْدُودٌ ، وَالْمُغَلِّطُ هُوَ الْغَالِطُ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلُ وَبَعْدُ فَلَمْ يَهِمْ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ بِذَلِكَ حَتَّى يُغَلَّطَ ، فَقَدْ تَابَعَهُ أَبُو نُعَيْمٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ ، وَالنَّسَائِيِّ ، وَأَبُو عَاصِمٍ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ ، وَعُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ كُلُّهُمْ عَنْ سَيْفٍ ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ سَيْفٌ أَيْضًا فَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ خُصَيْفٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ مُجَاهِدٌ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ ، وَالنَّسَائِيِّ ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عِنْدَ أَحْمَدَ أَيْضًا بِاخْتِصَارٍ ، وَمِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ ، وَالطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ : " فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلْتُ مَنْ كَانَ مَعَهُ فَقَالُوا : صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ السَّارِيَةِ الْوُسْطَى " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ، وَمِنْ حَدِيثِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ : " لَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْعَمُودَيْنِ " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ ، فَالْعَجَبُ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى تَغْلِيطِ جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ الْحِفْظِ بِقَوْلِ مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَقَالَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، وَلَوْ سَكَتَ لَسَلِمَ . وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
قَوْلُهُ : ( فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ ) أَيْ مُوَاجِهُ بَابِ الْكَعْبَةِ ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ : الظَّاهِرُ مِنَ التَّرْجَمَةِ أَنَّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ - أَيْ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْبَابِ - قُلْتُ : قَدَّمْنَا أَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا مُنَاسَبَةَ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ ، وَهِيَ أَنَّ اسْتِقْبَالَ الْمَقَامِ غَيْرُ وَاجِبٍ ، وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ قَالَ : مَا أُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْكَعْبَةِ ، مَنْ صَلَّى فِيهَا فَقَدْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا خَلْفَهُ ، وَهَذَا هُوَ السِّرُّ أَيْضًا فِي إِيرَادِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْبَابِ .