4 - بَاب : إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
4766 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ ، أَخْبَرَنَا أَبِي ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى أَنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ : وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ : لَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ ، وَعَنْ : وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ .


[8/354] قَوْلُهُ : ( عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ : وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ : لَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ ، وَعَنْ : لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ ) هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا ، وَسِيَاقُ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَتَمُّ ، وَأَتَمُّ مِنْهُمَا مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَبْعَثِ مِنْ رِوَايَةِ جَرِيرٍ بِلَفْظِ : " هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مَا أَمَرَهُمَا ؟ الَّتِي فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ : وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَالَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ : وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا قَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ : لَمَّا أُنْزِلَتِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ قَالَ مُشْرِكُو مَكَّةَ : قَدْ قَتَلْنَا النَّفْسَ وَدَعَوْنَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَأَتَيْنَا الْفَوَاحِشَ ، قَالَ : فَنَزَلَتْ : إِلا مَنْ تَابَ الْآيَةَ ، قَالَ : فَهَذِهِ لِأُولَئِكَ ، قَالَ : وَأَمَّا الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ فَهُوَ الَّذِي قَدْ عَرَفَ الْإِسْلَامَ ثُمَّ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ لَا تَوْبَةَ لَهُ ، قَالَ : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُجَاهِدٍ فَقَالَ : إِلَّا مَنْ نَدِمَ " . وَحَاصِلُ مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ تَارَةً يَجْعَلُ الْآيَتَيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ ، فَلِذَلِكَ يَجْزِمُ بِنَسْخِ إِحْدَاهُمَا ، وَتَارَةً يَجْعَلُ مَحَلَّهُمَا مُخْتَلِفًا . وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ كَلَامَيْهِ بِأَنَّ عُمُومَ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ خَصَّ مِنْهَا مُبَاشَرَةَ الْمُؤْمِنَ الْقَتْلَ مُتَعَمِّدًا ، وَكَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ يُطْلِقُونَ النَّسْخَ عَلَى التَّخْصِيصِ ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ حَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى التَّنَاقُضِ ، وَأَوْلَى مِنْ دَعْوَى أَنَّهُ قَالَ بِالنَّسْخِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ . وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا لَا تَوْبَةَ لَهُ مَشْهُورٌ عَنْهُ ، وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ أَصْرَحُ مِمَّا تَقَدَّمَ ؛ فَرَوَى أَحْمَدُ ، وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْجَابِرِ ، وَالنَّسَائِيِّ ، وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَمَّارِ الذَّهَبِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ : " كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَمَا كُفَّ بَصَرُهُ ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ : مَا تَرَى فِي رَجُلٍ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ؟ قَالَ : فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَسَاقَ الْآيَةَ إِلَى : عَظِيمًا قَالَ : لَقَدْ نَزَلَتْ فِي آخِرِ مَا نَزَلَ ، وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَمَا نَزَلَ وَحْيٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . قَالَ : أَفَرَأَيْتَ إِنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ؟ قَالَ : وَأَنَّى لَهُ التَّوْبَةُ وَالْهُدَى ؟ " لَفْظُ يَحْيَى الْجَابِرِ ، وَالْآخَرُ نَحْوَهُ . وَجَاءَ عَلَى وَفْقِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ : مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ ; إِلَّا الرَّجُلَ يَمُوتُ كَافِرًا ، وَالرَّجُلُ يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ، وَقَدْ حَمَلَ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَجَمِيعُ أَهْلِ السُّنَّةِ مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى التَّغْلِيظِ ، وَصَحَّحُوا تَوْبَةَ الْقَاتِلِ كَغَيْرِهِ ، وَقَالُوا : مَعْنَى قَوْلُهُ : فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ أَيْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُجَازِيَهُ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ النِّسَاءِ أَيْضًا : إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمِنَ الْحُجَّةِ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ الْإِسْرَائِيلِيُّ الَّذِي قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا ثُمَّ أَتَى تَمَامَ الْمِائَةِ فَقَالَ لَهُ : لَا تَوْبَةَ ، فَقَتَلَهُ فَأَكْمَلَ بِهِ مِائَةً . ثُمَّ جَاءَ آخَرَ فَقَالَ : " وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ " . الْحَدِيثَ ، وَهُوَ مَشْهُورٌ ، وَسَيَأْتِي فِي الرِّقَاقِ وَاضِحًا . وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ لِمَنْ قُبِلَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَمِثْلُهُ لَهُمْ أَوْلَى لِمَا خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنَ الْأَثْقَالِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ .