16 - بَابُ مَنْ قَالَ : لَمْ يَتْرُكِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ
5019 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ ، قَالَ : دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فَقَالَ لَهُ شَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ : أَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ ؟ قَالَ : مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ . قَالَ : وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَسَأَلْنَاهُ ، فَقَالَ : مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ .


[8/683] قَوْلُهُ : ( بَابُ مَنْ قَالَ : لَمْ يَتْرُكِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ ) أَيْ مَا فِي الْمُصْحَفِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ تَرَكَ الْقُرْآنَ مَجْمُوعًا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَمْعِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُثْمَانَ . وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ ذَهَبَ لِذَهَابِ حَمَلَتِهِ ، وَهُوَ شَيْءٌ اخْتَلَقَهُ الرَّوَافِضُ لِتَصْحِيحِ دَعْوَاهُمْ أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ وَاسْتِحْقَاقِهِ الْخِلَافَةَ عِنْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ ثَابِتًا فِي الْقُرْآنِ وَأَنَّ الصَّحَابَةَ كَتَمُوهُ ، وَهِيَ دَعْوَى بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكْتُمُوا مِثْلَ " أَنْتَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى " وَغَيْرَهَا مِنَ الظَّوَاهِرِ الَّتِي قَدْ يَتَمَسَّكُ بِهَا مَنْ يَدَّعِي إِمَامَتَهُ ، كَمَا لَمْ يَكْتُمُوا مَا يُعَارِضُ ذَلِكَ أَوْ يُخَصِّصُ عُمُومَهُ أَوْ يُقَيِّدُ مُطْلَقَهُ . وَقَدْ تَلَطَّفَ الْمُصَنِّفُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الرَّافِضَةِ بِمَا أَخْرَجَهُ عَنْ أَحَدِ أَئِمَّتِهِمُ الَّذِينَ يَدَّعُونَ إِمَامَتَهُ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ ابْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ . فَلَوْ كَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَبِيهِ لَكَانَ هُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِالِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّ عَلِيٍّ وَأَشَدُّ النَّاسِ لَهُ لُزُومًا وَاطِّلَاعًا عَلَى حَالِهِ .
قَوْلُهُ : ( عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ ) فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ ، عَنْ سُفْيَانَ : " حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ " أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي " الْمُسْتَخْرَجِ " .
قَوْلُهُ : ( دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ ) هُوَ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ ، تَابِعِيُّ كَبِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَعَلِيٍّ . وَلَمْ يَقَعْ لَهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ذِكْرٌ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَأَبُوهُ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ مَعْقِلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثًا غَيْرَ هَذَا .
قَوْلُهُ : ( أَتَرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ شَيْءٍ ) ؟ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ : " شَيْئًا سِوَى الْقُرْآنِ " .
قَوْلُهُ : ( إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ ) بِالْفَاءِ تَثْنِيَةُ دَفَّةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَهُوَ اللَّوْحُ ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ ، بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ " .
قَوْلُهُ : ( قَالَ : وَدَخَلْنَا ) الْقَائِلُ هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ ، وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ " لَمْ يَدَعْ إِلَّا مَا فِي هَذَا الْمُصْحَفِ " أَيْ لَمْ يَدَعْ مِنَ الْقُرْآنِ مَا يُتْلَى إِلَّا مَا هُوَ دَاخِلُ الْمُصْحَفِ الْمَوْجُودِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ : " مَا عِنْدَنَا إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ " لِأَنَّ عَلِيًّا أَرَادَ الْأَحْكَامَ الَّتِي كَتَبَهَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَنْفِ أَنَّ عِنْدَهُ أَشْيَاءَ أُخَرَ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ كَتَبَهَا . وَأَمَّا جَوَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّمَا أَرَادَا مِنَ الْقُرْآنِ الَّذِي يُتْلَى ، أَوْ أَرَادَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْإِمَامَةِ ، أَيْ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الْإِمَامَةِ إِلَّا مَا هُوَ بِأَيْدِي النَّاسِ ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ ذِكْرِ أَشْيَاءَ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ فَنُسِخَتْ تِلَاوَتُهَا وَبَقِيَ حُكْمُهَا أَوْ لَمْ يَبْقَ ، مِثْلُ حَدِيثِ عُمَرَ " الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ " وَحَدِيثِ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الْقُرَّاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي بِئْرِ مَعُونَةَ ، قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ قُرْآنًا " بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقَدْ لَقِينَا رَبَّنَا " وَحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ " كَانَتِ الْأَحْزَابُ قَدْرَ الْبَقَرَةِ " وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ مَا يَقْرَءُونَ رُبْعَهَا يَعْنِي " بَرَاءَةٌ " ، وَكُلُّهَا أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ . وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ " كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ ، وَيَقُولُ : إِنَّ مِنْهُ قُرْآنًا قَدْ رُفِعَ " وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعَارِضُ حَدِيثَ الْبَابِ ، لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِمَّا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .