106 - بَاب إِذَا حَمَلَ جَارِيَةً صَغِيرَةً عَلَى عُنُقِهِ فِي الصَّلَاةِ
516 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا " .


قَوْلُهُ : ( بَابُ إِذَا حَمَلَ جَارِيَةً صَغِيرَةً عَلَى عُنُقِهِ ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : أَرَادَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ حَمْلَ الْمُصَلِّي الْجَارِيَةَ إِذَا كَانَ لَا يَضُرُّ الصَّلَاةَ فَمُرُورُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ لَا يَضُرُّ ؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا أَشَدُّ مِنْ مُرُورِهَا . وَأَشَارَ إِلَى نَحْوِ هَذَا الِاسْتِنْبَاطِ الشَّافِعِيُّ ، لَكِنَّ تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ بِكَوْنِهَا صَغِيرَةً قَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْكَبِيرَةَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ .
قَوْلُهُ : ( عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ) فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَالِكٍ : " سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ " ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَامِرٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُ : " سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ " .
قَوْلُهُ : ( وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ ) الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ بِالتَّنْوِينِ وَنَصْبِ أُمَامَةَ ، وَرُوِيَ بِالْإِضَافَةِ كَمَا قُرِئَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ بِالْوَجْهَيْنِ ، وَتَخْصِيصُ الْحَمْلِ فِي التَّرْجَمَةِ بِكَوْنِهِ عَلَى الْعُنُقِ - مَعَ أَنَّ السِّيَاقَ يَشْمَلُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ - مَأْخُوذٌ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى مُصَرِّحَةٍ بِذَلِكَ وَهِيَ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادِ حَدِيثِ الْبَابِ فَزَادَ فِيهِ : " عَلَى عَاتِقِهِ " ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ : " عَلَى رَقَبَتِهِ " . وأُمَامَةُ - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ تَخْفِيفَ الْمِيمَيْنِ - كَانَتْ صَغِيرَةً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَتَزَوَّجَهَا عَلِيٌّ بَعْدَ وَفَاةِ فَاطِمَةَ بِوَصِيَّةٍ مِنْهَا وَلَمْ تُعْقِبْ .
قَوْلُهُ : ( وَلِأَبِي الْعَاصِ ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ : الْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِ : " بِنْتُ زَيْنَبَ " بِمَعْنَى اللَّامِ ، فَأَظْهَرَ فِي الْمَعْطُوفِ وَهُوَ قَوْلُهُ : " وَلِأَبِي الْعَاصِ " مَا هُوَ مُقَدَّرٌ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ . انْتَهَى .
وَأَشَارَ ابْنُ الْعَطَّارِ إِلَى أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ كَوْنُ وَالِدِ أُمَامَةَ كَانَ إِذْ ذَاكَ مُشْرِكًا ، فَنُسِبَتْ إِلَى أُمِّهَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إِلَى أَشْرَفِ أَبَوَيْهِ دِينًا وَنَسَبًا . ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهَا مِنْ أَبِي الْعَاصِ تَبْيِينًا لِحَقِيقَةِ نَسَبِهَا . انْتَهَى . وَهَذَا السِّيَاقُ لِمَالِكٍ وَحْدَهُ ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، فَنَسَبُوهَا إِلَى أَبِيهَا ثُمَّ بَيَّنُوا أَنَّهَا بِنْتُ زَيْنَبَ كَمَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ [1/704] طَرِيقِ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ : " يَحْمِلُ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ - وَأُمُّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَاتِقِهِ " .
قَوْلُهُ : ( ابْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ) كَذَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ عَنْ مَالِكٍ ، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، وَمَعْنُ بْنِ عِيسَى ، وَأَبُو مُصْعَبٍ وَغَيْرُهُمْ عَنْ مَالِكٍ ، فَقَالُوا : " ابْنُ الرَّبِيعِ " وَهُوَ الصَّوَابُ . وَغَفَلَ الْكِرْمَانِيُّ ، فَقَالَ : خَالَفَ الْقَوْمُ الْبُخَارِيَّ فَقَالَ : رَبِيعَةُ ، وَعِنْدَهُمُ الرَّبِيعُ ، وَالْوَاقِعُ أَنَّ مَنْ أَخْرَجَهُ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، كَالْبُخَارِيِّ فَالْمُخَالَفَةُ فِيهِ إِنَّمَا هِيَ مِنْ مَالِكٍ ، وَادَّعَى الْأَصِيلِيُّ أَنَّهُ ابْنُ الرَّبِيعِ بْنِ رَبِيعَةَ ، فَنَسَبَهُ مَالِكٌ مَرَّةً إِلَى جَدِّهِ ، وَرَدَّهُ عِيَاضٌ ، وَالْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِإِطْبَاقِ النَّسَّابِينَ عَلَى خِلَافِهِ . نَعَمْ قَدْ نَسَبَهُ مَالِكٌ إِلَى جَدِّهِ فِي قَوْلِهِ : " ابْنُ عَبْدِ شَمْسٍ " ، وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، أَطْبَقَ عَلَى ذَلِكَ النَّسَّابُونَ أَيْضًا ، وَاسْمُ أَبِي الْعَاصِ لَقِيطٌ ، وَقِيلَ : مِقْسَمٌ ، وَقِيلَ : الْقَاسِمُ ، وَقِيلَ : مِهْشَمٌ ، وَقِيلَ : هُشَيْمٌ ، وَقِيلَ : يَاسِرٌ ، وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ . أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَهَاجَرَ ، وَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَتَهُ زَيْنَبَ ، وَمَاتَتْ مَعَهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا ) كَذَا لِمَالِكٍ أَيْضًا ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَمُحَمَّدِ بْنُ عِجْلَانِ ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْدِيِّ ، وَأَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعُمَيْسِ كُلُّهُمْ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ شَيْخِ مَالِكٍ ، فَقَالُوا : " إِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا " ، وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ : " حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخَذَهَا فَوَضَعَهَا ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ سُجُودِهِ قَامَ وَأَخَذَهَا فَرَدَّهَا فِي مَكَانِهَا " ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ فِعْلَ الْحَمْلِ وَالْوَضْعِ كَانَ مِنْهُ لَا مِنْهَا ، بِخِلَافِ مَا أَوَّلَهُ الْخَطَّابِيُّ حَيْثُ قَالَ : يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الصبية كَانَتْ قَدْ أَلِفَتْهُ ، فَإِذَا سَجَدَ تَعَلَّقَتْ بِأَطْرَافِهِ وَالْتَزَمَتْهُ فَيَنْهَضُ مِنْ سُجُودِهِ فَتَبْقَى مَحْمُولَةً كَذَلِكَ إِلَى أَنْ يَرْكَعَ فَيُرْسِلَهَا .
قَالَ : هَذَا وَجْهُهُ عِنْدِي . وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ لَفْظَ حَمَلَ لَا يُسَاوِي لَفْظَ وَضَعَ فِي اقْتِضَاءِ فِعْلِ الْفَاعِلِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : فَلَانٌ حَمَلَ كَذَا ، وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ حَمَلَهُ ، بِخِلَافِ وَضَعَ ، فَعَلَى هَذَا فَالْفِعْلُ الصَّادِرُ مِنْهُ هُوَ الْوَضْعُ لَا الرَّفْعُ فَيَقِلُّ الْعَمَلُ . قَالَ : وَقَدْ كُنْتُ أَحْسَبُ هَذَا حَسَنًا إِلَى أَنْ رَأَيْتُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ الصَّحِيحَةِ : " فَإِذَا قَامَ أَعَادَهَا " . قُلْتُ : وَهِيَ رِوَايَةٌ لِمُسْلِمٍ .
وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا أَصْرَحُ فِي ذَلِكَ وَهِيَ : " ثُمَّ أَخَذَهَا فَرَدَّهَا فِي مَكَانِهَا " ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ : " وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا فَوَضَعَهَا عَلَى رَقَبَتِهِ " . قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَالَّذِي أَحْوَجَهُمْ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ ، فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ فِي النَّافِلَةِ ، وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ ، فَإِنَّ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ كَانَ فِي فَرِيضَةٍ . وَسَبَقَهُ إِلَى اسْتِبْعَادِ ذَلِكَ الْمَازِرِيُّ ، وَعِيَاضٌ ، لِمَا ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ : " رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَؤُمُّ النَّاسَ وأُمَامَةُ عَلَى عَاتِقِهِ " . قَالَ الْمَازِرِيُّ : إِمَامَتُهُ بِالنَّاسِ فِي النَّافِلَةِ لَيْسَتْ بِمَعْهُودَةٍ . وَلِأَبِي دَاوُدَ : " بَيْنَمَا نَحْنُ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظُّهْرِ - أَوِ الْعَصْرِ - وَقَدْ دَعَاهُ بِلَالٌ إِلَى الصَّلَاةِ إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا وأُمَامَةُ عَلَى عَاتِقِهِ ، فَقَامَ فِي مُصَلَّاهُ فَقُمْنَا خَلْفَهُ فَكَبَّرَ فَكَبَّرْنَا وَهِيَ فِي مَكَانِهَا " ، وَعِنْدَ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ وَتَبِعَهُ السُّهَيْلِيُّ الصُّبْحُ ، وَوَهِمَ مَنْ عَزَاهُ لِلصَّحِيحَيْنِ .
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : وَرَوَى أَشْهَبُ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ حَيْثُ لَمْ يَجِد مَنْ يَكْفِيهِ أَمْرَهَا . انْتَهَى . وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَبَكَتْ وَشَغَلَتْ سِرَّهُ فِي صَلَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ شُغْلِهِ بِحَمْلِهَا . وَفَرَّقَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ : إِنْ وَجَدَ [1/705] مَنْ يَكْفِيهِ أَمْرَهَا جَازَ فِي النَّافِلَةِ دُونَ الْفَرِيضَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ جَازَ فِيهِمَا . قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ التِّنِّيسِيُّ ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ .
قُلْتُ : رَوَى ذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَقِبَ رِوَايَتِهِ لِلْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِهِ ، لَكِنَّهُ غَيْرُ صَرِيحٍ ، وَلَفْظُهُ : قَالَ التِّنِّيسِيُّ : قَالَ مَالِكٌ : مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ ، وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : لَعَلَّهُ نُسِخَ بِتَحْرِيمِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ . وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ ، وَبِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا " ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ كَانَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ قَطْعًا بِمُدَّةٍ مَدِيدَةٍ . وَذَكَرَ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَوْنِهِ كَانَ مَعْصُومًا مِنْ أَنْ تَبُولَ وَهُوَ حَامِلُهَا ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ وَبِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الِاخْتِصَاصِ فِي أَمْرٍ ثُبُوتُهُ فِي غَيْرِهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ .
وَحَمَلَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ مُتَوَالٍ لِوُجُودِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي أَرْكَانِ صَلَاتِهِ . وَقَالَ النَّوَوِيُّ : ادَّعَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ ، وَبَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِنَ الْخَصَائِصِ ، وَبَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ لِضَرُورَةٍ ، وَكُلُّ ذَلِكَ دَعَاوَى بَاطِلَةٌ مَرْدُودَةٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُخَالِفُ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ طَاهِرٌ ، وَمَا فِي جَوْفِهِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ ، وَثِيَابُ الْأَطْفَالِ وَأَجْسَادُهُمْ مَحْمُولَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ النَّجَاسَةُ ، وَالْأَعْمَالُ فِي الصَّلَاةِ لَا تُبْطِلُهَا إِذَا قَلَّتْ أَوْ تَفَرَّقَتْ ، وَدَلَائِلُ الشَّرْعِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ .
وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ : وَكَأَنَّ السِّرَّ فِي حَمْلِهِ أُمَامَةَ فِي الصَّلَاةِ دَفْعًا لِمَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَأْلَفُهُ مِنْ كَرَاهَةِ الْبَنَاتِ وَحَمْلِهِنَّ ، فَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ حَتَّى فِي الصَّلَاةِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي رَدْعِهِمْ ، وَالْبَيَانُ بِالْفِعْلِ قَدْ يَكُونُ أَقْوَى مِنَ الْقَوْلِ . وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَرْجِيحِ الْعَمَلِ بِالْأَصْلِ عَلَى الْغَالِبِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ . وَلِابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ هُنَا بَحْثٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ حِكَايَاتِ الْأَحْوَالِ لَا عُمُومَ لَهَا ، وَعَلَى جَوَازِ إِدْخَالِ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَعَلَى أَنَّ لَمْسَ الصِّغَارِ الصَّبَايَا غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الطَّهَارَةِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَغَيْرِهِنَّ ، وَعَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ حَمَلَ آدَمِيًّا ، وَكَذَا مَنْ حَمَلَ حَيَوَانًا طَاهِرًا ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ الْمُسْتَجْمِرِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ بِأَنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أُمَامَةُ كَانَتْ حِينَئِذٍ قَدْ غَسَلَتْ ، كَمَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمَسُّهَا بِحَائِلٍ .
وَفِيهِ تَوَاضُعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَفَقَتُهُ عَلَى الْأَطْفَالِ ، وَإِكْرَامُهُ لَهُمْ جَبْرًا لَهُمْ وَلِوَالِدَيْهِمْ .