بَابٌ : فِي الرَّجُلِ يَتَّجِرُ فِي مَالِ الرَّجُلِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ، نا أَبُو أُسَامَةَ ، نا عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ ، أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ صَاحِبِ فَرْقِ الْأَرُزِّ فَلْيَكُنْ مِثْلَهُ قَالُوا : وَمَنْ صَاحِبُ الْأَرُزِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَذَكَرَ حَدِيثَ الْغَارِ حِينَ سَقَطَ عَلَيْهِمْ الْجَبَلُ . فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ : اذْكُرُوا أَحْسَنَ عَمَلِكُمْ قَالَ : وَقَالَ الثَّالِثُ : اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرْقِ أَرُزٍّ ، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ عَرَضْتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَهُ وَذَهَبَ ، فَثَمَّرْتُهُ لَهُ حَتَّى جَمَعْتُ لَهُ بَقَرًا وَرِعَاءَهَا فَلَقِيَنِي فَقَالَ : أَعْطِنِي حَقِّي فَقُلْتُ : اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرِعَائِهَا فَخُذْهَا فَذَهَبَ فَاسْتَاقَهَا


باب في الرجل يتجر في مال الرجل إلخ
( مِثْلَ صَاحِبِ فَرَقِ الْأَرُزِّ ) : بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ ، وَقَدْ تُسَكَّنُ الرَّاءُ . قَالَ فِي الْقَامُوسِ : مِكْيَالٌ بِالْمَدِينَةِ يَسْعُ ثَلَاثَةَ آصُعٍ ، أَوْ يَسْعُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا ، وَالْأَرُزُّ فِيهِ سِتُّ لُغَاتٍ : فَتْحُ الْأَلِفِ وَضَمُّهَا مَعَ ضَمِّ الرَّاءِ ، وَتُضَمُّ الْأَلِفِ مَعَ سُكُونِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِهَا ، وَالرِّوَايَةُ هُنَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ، وَضَمِّ الرَّاءِ ، وَتَشْدِيدِ الزَّايِ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ .
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ : الْأَرُزُّ حَبٌّ مَعْرُوفٌ ، وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ : أَرُزٌّ برنج ( فَذَكَرَ حَدِيثَ الْغَارِ ) : لَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو دَاوُدَ بِطُولِهِ ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مُطَوَّلًا فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْمُزَارَعَةِ وَالْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا ، وَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي التَّوْبَةِ ( فَثَمَّرْتُهُ ) : مِنَ التَّثْمِيرِ : أَيْ كَثَّرَتُ الْأَرُزَّ وَزِدْتُهُ بِالزِّرَاعَةِ ( لَهُ ) : أَيْ لِلْأَجِيرِ ( وَرِعَاءَهَا ) : جَمْعُ رَاعٍ ، وَاسْتَدَلَّ أَبُو دَاوُدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ تِجَارَةِ الرَّجُلِ فِي مَالِ الرَّجُلِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ : بَابُ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَرَضِيَ ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ .
وَقَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَمَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ : قَوْلُهُ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ إِلَخْ ، فَإِنَّ فِيهِ تَصَرُّفُ الرَّجُلِ فِي مَالِ الْأَجِيرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، فَاسْتَدَلَّ بِهِ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَشِرَائِهِ ، وَالْقَوْلُ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ هُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَيَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ إِنْ أَجَازَهُ نَفِدَ وَإِلَّا لَغَا ، وَالْقَوْلُ الْجَدِيدُ بُطْلَانُهُ . وَقَدْ أُجِيبَ عَمَّا وَقَعَ هُنَا بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الرَّجُلَ الْأَجِيرَ لَمْ يَمْلِكِ الْفَرَقَ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَمْ يَسْتَأْجِرْهُ بِفَرَقٍ مُعَيَّنٍ ، وَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ بِفَرَقٍ فِي الذِّمَّةِ ، فَلَمَّا عَرَضَ عَلَيْهِ قَبْضَهُ امْتَنَعَ لِرَدَاءَتِهِ ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ ؛ بَلْ بَقِيَ حَقُّهُ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ ، فَالنِّتَاجُ الَّذِي حَصَلَ عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ تَبَرَّعَ بِهِ لِلْأَجِيرِ بِتَرَاضِيهِمَا . وَغَايَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَحْسَنَ الْقَضَاءَ فَأَعْطَاهُ حَقَّهُ وَزِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ ، وَلَوْ كَانَ الْفَرَقُ تَعَيَّنَ لِلْأَجِيرِ لَكَانَ تَصَرُّفُ الْمُسْتَأْجِرِ فِيهِ تَعَدِّيًا . انْتَهَى كَلَامُ الْقَسْطَلَّانِيُّ مُخْتَصَرًا ، وَهَذَا الْجَوَابُ مَدْفُوعٌ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى وَلَيْسَ هَذَا الْمُخْتَصَرُ مَحِلٌّ لِبَيَانِهِ .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَلِمُسْلِمٍ بِنَحْوِهِ أَتَمُّ مِنْهُ .