555 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مَالِكٌ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ ، فَيَسْأَلُهُمْ - وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ - كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟ فَيَقُولُونَ : تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ .


قَوْلُهُ ( يَتَعَاقَبُونَ ) أَيْ تَأْتِي طَائِفَةٌ عَقِبَ طَائِفَةٍ ، ثُمَّ تَعُودُ الْأُولَى عَقِبَ الثَّانِيَةِ . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّعَاقُبُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ أَوْ رَجُلَيْنِ بِأَنْ يَأْتِيَ هَذَا مَرَّةً وَيَعْقُبُهُ هَذَا ، وَمِنْهُ تَعْقِيبُ الْجُيُوشِ أَنْ يُجَهِّزَ الْأَمِيرُ بَعْثًا إِلَى مُدَّةٍ ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُمْ فِي الرُّجُوعِ بَعْدَ أَنْ يُجَهِّزَ غَيْرَهُمْ إِلَى مُدَّةٍ ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُمْ فِي الرُّجُوعِ بَعْدَ أَنْ يُجَهِّزَ الْأَوَّلِينَ . قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ " يَتَعَاقَبُونَ " عَلَامَةُ الْفَاعِلِ الْمُذَكَّرِ الْمَجْمُوعِ عَلَى لُغَةِ بِلْحَارِثِ وَهُمُ الْقَائِلُونَ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
بِحُورَانَ يَعْصِرْنَ السَّلِيطَ أَقَارِبُهُ
. وَهِيَ لُغَةٌ فَاشِيَةٌ وَعَلَيْهَا حَمَلَ الْأَخْفَشُ قَوْلَهُ تَعَالَى : وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا قَالَ : وَقَدْ تَعَسَّفَ بَعْضُ النُّحَاةِ فِي تَأْوِيلِهَا وَرَدِّهَا لِلْبَدَلِ ، وَهُوَ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ ، فَإِنَّ تِلْكَ اللُّغَةَ مَشْهُورَةٌ وَلَهَا وَجْهٌ مِنَ الْقِيَاسِ وَاضِحٌ .
وَقَالَ غَيْرُهُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ : قَوْلُهُ وَأَسَرُّوا عَائِدٌ عَلَى النَّاسِ الْمَذْكُورِينَ أَوَّلًا . وَ الَّذِينَ ظَلَمُوا بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ . وَقِيلَ التَّقْدِيرُ أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى قِيلَ : مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : الَّذِينَ ظَلَمُوا حَكَاهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ ؛ إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّقْدِيرِ . وَتَوَارَدَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّرَّاحِ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ، وَوَافَقَهُمْ ابْنُ مَالِكٍ وَنَاقَشَهُ أَبُو حَيَّانَ زَاعِمًا أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَ اخْتَصَرَهَا الرَّاوِي ، وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ : إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ : مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ ، وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ . الْحَدِيثَ ، وَقَدْ سُومِحَ فِي الْعَزْوِ إِلَى مُسْنَدِ الْبَزَّارِ ، مَعَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، فَالْعَزْوُ إِلَيْهِمَا أَوْلَى ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ " يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ " وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ : الْمَلَائِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ : مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ ، وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ : إِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ ، فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَبِي الزِّنَادِ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ تَارَةً يَذْكُرُهُ هَكَذَا وَتَارَةً هَكَذَا ، فَيُقَوِّي بَحْثَ أَبِي حَيَّانَ ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ الْأَعْرَجِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَدْ رَوَوْهُ تَامًّا فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ لَكِنْ بِحَذْفِ " إِنَّ " مِنْ أَوَّلِهِ ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ ، وَالسَّرَّاجُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ : إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَتَعَاقَبُونَ وَهَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْبَزَّارُ ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ : إِنَّ الْمَلَائِكَةَ فِيكُمْ يَتَعَقَّبُونَ وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَالْعَزْوُ إِلَى الطَّرِيقِ الَّتِي تَتَّحِدُ مَعَ الطَّرِيقِ الَّتِي وَقَعَ الْقَوْلُ فِيهَا أَوْلَى مِنْ طَرِيقٍ مُغَايِرَةٍ لَهَا ، فَلْيُعْزَ ذَلِكَ إِلَى تَخْرِيجِ الْبُخَارِيِّ ، وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ لِمَا أَوْضَحْتُهُ . وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
[2/43] قَوْله ( فِيكُمْ ) أَيِ الْمُصَلِّينَ أَوْ مُطْلَقِ الْمُؤْمِنِينَ .
قَوْله ( مَلَائِكَةٌ ) قِيلَ هُمُ الْحَفَظَةُ ، نَقَلَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الْجُمْهُورِ ، وَتَرَدَّدَ ابْنُ بَزِيزَةَ ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ : الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُمْ غَيْرُهُمْ ، وَيُقَوِّيهِ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ الْحَفَظَةَ يُفَارِقُونَ الْعَبْدَ ، وَلَا أَنَّ حَفَظَةَ اللَّيْلِ غَيْرُ حَفَظَةِ النَّهَارِ ، وَبِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا هُمُ الْحَفَظَةُ لَمْ يَقَعِ الِاكْتِفَاءُ فِي السُّؤَالِ مِنْهُمْ عَنْ حَالَةِ التَّرْكِ دُونَ غَيْرِهَا فِي قَوْلِهِ " كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي " .
قَوْله ( وَيَجْتَمِعُونَ ) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ : التَّعَاقُبُ مُغَايِرٌ لِلِاجْتِمَاعِ ، لَكِنَّ ذَلِكَ مُنَزَّلٌ عَلَى حَالَيْنِ .
قُلْتُ : وَهُوَ ظَاهِرٌ . وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : الْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ مَعَهُمُ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ ، وَاللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لِلْجَمَاعَةِ وَغَيْرِهَا ، كَمَا يُحْتَمَلُ أَنَّ التَّعَاقُبَ يَقَعُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمْ ، وَأَنْ يَقَعَ التَّعَاقُبُ بَيْنَهُمْ فِي النَّوْعِ لَا فِي الشَّخْصِ . قَالَ عِيَاضٌ : وَالْحِكْمَةُ فِي اجْتِمَاعِهِمْ فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ وَإِكْرَامِهِ لَهُمْ بِأَنْ جَعَلَ اجْتِمَاعَ مَلَائِكَتِهِ فِي حَالِ طَاعَةِ عِبَادِهِ لِتَكُونَ شَهَادَتُهُمْ لَهُمْ بِأَحْسَنِ الشَّهَادَةِ .
قُلْتُ : وَفِيهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ رَجَّحَ أَنَّهُمُ الْحَفَظَةُ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِينَ يَصْعَدُونَ كَانُوا مُقِيمِينَ عِنْدَهُمْ مُشَاهِدِينَ لِأَعْمَالِهِمْ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِ تَعَالَى لَا يَسْأَلُهُمْ إِلَّا عَنِ الْحَالَةِ الَّتِي تَرَكُوهُمْ عَلَيْهَا مَا ذُكِرَ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْتُرُ عَنْهُمْ مَا يَعْمَلُونَهُ فِيمَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ ، لَكِنَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ الْحَفَظَةِ . وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ : إِنَّ الصَّلَاةَ إِلَى الصَّلَاةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا . فَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ السُّؤَالُ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ عَنْ آخِرِ شَيْءٍ فَارَقُوهُمْ عَلَيْهِ .
قَوْله ( ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ ) اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ لِيَقَعَ عُرُوجُ الْمَلَائِكَةِ إِذَا فَرَغَ مِنْهَا آخِرَ النَّهَارِ ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ ، إِذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَا يَصْعَدُونَ إِلَّا سَاعَةَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ ، بَلْ جَائِزٌ أَنْ تَفْرُغَ الصَّلَاةُ وَيَتَأَخَّرُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ ، وَلَا مَانِعَ أَيْضًا مِنْ أَنْ تَصْعَدَ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَبَعْضُ النَّهَارِ بَاقٍ وَتُقِيمُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ وَصْفُهُمْ بِالْمَبِيتِ بِقَوْلِهِ " بَاتُوا فِيكُمْ " لِأَنَّ اسْمَ الْمَبِيتِ صَادِقٌ عَلَيْهِمْ وَلَوْ تَقَدَّمَتْ إِقَامَتَهُمْ بِاللَّيْلِ قِطْعَةٌ مِنَ النَّهَارِ .
قَوْلُهُ ( الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ ) اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ الِاقْتِصَارِ عَلَى سُؤَالِ الَّذِينَ بَاتُوا دُونَ الَّذِينَ ظَلُّوا ، فَقِيلَ : هُوَ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ أَحَدِ الْمِثْلَيْنِ عَنِ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى أَيْ وَإِنْ لَمْ تَنْفَعْ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ أَيْ وَالْبَرْدَ ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ ابْنُ التِّينِ وَغَيْرُهُ ، ثُمَّ قِيلَ : الْحِكْمَةُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ يُعْلَمُ مِنْ حُكْمِ طَرَفَيِ اللَّيْلِ ، فَلَوْ ذَكَرَهُ لَكَانَ تَكْرَارًا . ثُمَّ قِيلَ : الْحِكْمَةُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذَا الشِّقِّ دُونَ الْآخَرِ أَنَّ اللَّيْلَ مَظِنَّةُ الْمَعْصِيَةِ فَلَمَّا لَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ عِصْيَانٌ - مَعَ إِمْكَانِ دَوَاعِي الْفِعْلِ مِنْ إِمْكَانِ الْإِخْفَاءِ وَنَحْوِهِ - وَاشْتَغَلُوا بِالطَّاعَةِ كَانَ النَّهَارُ أَوْلَى بِذَلِكَ ، فَكَانَ السُّؤَالُ عَنِ اللَّيْلِ أَبْلَغَ مِنَ السُّؤَالِ عَنِ النَّهَارِ لِكَوْنِ النَّهَارِ مَحَلَّ الِاشْتِهَارِ . وَقِيلَ : الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ إِذَا صَلَّوْا الْفَجْرَ عَرَجُوا فِي الْحَالِ ، وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ إِذَا صَلَّوْا الْعَصْرَ لَبِثُوا إِلَى آخِرِ النَّهَارِ لِضَبْطِ بَقِيَّةِ عَمَلِ النَّهَارِ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَلَائِكَةَ النَّهَارِ لَا يُسْأَلُونَ عَنْ وَقْتِ الْعَصْرِ ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ كَمَا سَيَأْتِي .
ثُمَّ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُمُ الْحَفَظَةُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَنُبَيِّنُهُ ، وَقِيلَ بَنَاهُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُمُ الْحَفَظَةُ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ فَقَطْ ، وَهُمْ لَا يَبْرَحُونَ عَنْ مُلَازَمَةِ بَنِي آدَمَ ، [2/44] وَمَلَائِكَةُ اللَّيْلِ هُمُ الَّذِينَ يَعْرُجُونَ وَيَتَعَاقَبُونَ ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي " كِتَابِ الصَّلَاةِ " لَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ قَالَ : يَلْتَقِي الْحَارِسَانِ - أَيْ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ - عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَيُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَتَصْعَدُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَتَلْبَثُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ . وَقِيلَ : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعُرُوجُ إِنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ خَاصَّةً ، وَأَمَّا النُّزُولُ فَيَقَعُ فِي الصَّلَاتَيْنِ مَعًا ، وَفِيهِ التَّعَاقُبُ ، وَصُورَتُهُ أَنْ تَنْزِلَ طَائِفَةٌ عِنْدَ الْعَصْرِ وَتَبِيتُ ، ثُمَّ تَنْزِلُ طَائِفَةٌ ثَانِيَةٌ عِنْدَ الْفَجْرِ ، فَيَجْتَمِعُ الطَّائِفَتَانِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فَقَطْ وَيَسْتَمِرُّ الَّذِينَ نَزَلُوا وَقْتَ الْفَجْرِ إِلَى الْعَصْرِ فَتَنْزِلُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيَحْصُلُ اجْتِمَاعُهُمْ عِنْدَ الْعَصْرِ أَيْضًا ، وَلَا يَصْعَدُ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، بَلْ تَبِيتُ الطَّائِفَتَانِ أَيْضًا ثُمَّ تَعْرُجُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ فَتَصِحُّ صُورَةُ التَّعَاقُبِ مَعَ اخْتِصَاصِ النُّزُولِ بِالْعَصْرِ وَالْعُرُوجُ بِالْفَجْرِ ، فَلِهَذَا خَصَّ السُّؤَالَ بِالَّذِينَ بَاتُوا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقِيلَ : إِنَّ قَوْلَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ " وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ " وَهْمٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي طُرُقٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ قَالَ فِيهِ : وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : وَاقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ : وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا وَفِي التِّرْمِذِيِّ ، وَالنَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا قَالَ : " تَشْهَدُهُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ " وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : لَيْسَ فِي هَذَا دَفْعٌ لِلرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْعَصْرِ ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِ الْعَصْرِ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الْآخَرِ عَدَمَ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الْعَصْرِ ؛ لِأَنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ قَدْ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ بِدَلِيلٍ آخَرَ ، قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الِاقْتِصَارُ وَقَعَ فِي الْفَجْرِ لِكَوْنِهَا جَهْرِيَّةٌ ، وَبَحْثُهُ الْأَوَّلُ مُتَّجَهٌ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى ادِّعَاءِ تَوْهِيمِ الرَّاوِي الثِّقَةِ مَعَ إِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ ، وَلَا سِيَّمَا أَنَّ الزِّيَادَةَ مِنَ الْعَدْلِ الضَّابِطِ مَقْبُولَةٌ .
وَلِمَ لَا يُقَالُ : إِنَّ رِوَايَةَ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ سُؤَالَ الَّذِينَ أَقَامُوا فِي النَّهَارِ وَاقِعٌ مِنْ تَقْصِيرِ بَعْضِ الرُّوَاةِ ، أَوْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ " ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا " عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْمَبِيتِ بِاللَّيْلِ وَالْإِقَامَةِ بِالنَّهَارِ ، فَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِلَيْلٍ دُونَ نَهَارٍ وَلَا عَكْسِهِ ، بَلْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ إِذَا صَعِدَتْ سُئِلَتْ ، وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ " بَاتَ " فِي أَقَامَ مَجَازًا ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ " فَيَسْأَلُهُمْ " أَيْ كُلًّا مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَصْعَدُ فِيهِ ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ رِوَايَةُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَلَفْظُهُ : " ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ كَانُوا فِيكُمْ " فَعَلَى هَذَا لَمْ يَقَعْ فِي الْمَتْنِ اخْتِصَارٌ وَلَا اقْتِصَارٌ ، وَهَذَا أَقْرَبُ الْأَجْوِبَةِ . وَقَدْ وَقَعَ لَنَا هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَاضِحًا ، وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِسُؤَالِ كُلٍّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ ، وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ جَمِيعًا عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى ، عَنْ جَرِيرٍ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ، فَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ ، فَتَصْعَدُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَتَبِيتُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ فَتَصْعَدُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَتَبِيتُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ ، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ : كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي الْحَدِيثَ . وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُزِيلُ الْإِشْكَالَ وَتُغْنِي عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، فَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ ، وَيُحْمَلُ مَا نَقَصَ مِنْهَا عَلَى تَقْصِيرِ بَعْضِ الرُّوَاةِ .
قَوْله ( فَيَسْأَلُهُمْ ) قِيلَ الْحِكْمَةُ فِيهِ اسْتِدْعَاءُ شَهَادَتِهِمْ لِبَنِي آدَمَ بِالْخَيْرِ ، وَاسْتِنْطَاقِهِمْ بِمَا يَقْتَضِي التَّعَطُّفَ عَلَيْهِمْ ، وَذَلِكَ لِإِظْهَارِ الْحِكْمَةِ فِي خَلْقِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ قَالَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ : أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [2/45] أَيْ وَقَدْ وُجِدَ فِيهِمْ مَنْ يُسَبِّحُ وَيُقَدِّسُ مِثْلَكُمْ بِنَصِّ شَهَادَتِكُمْ ، وَقَالَ عِيَاضٌ : هَذَا السُّؤَالُ عَلَى سَبِيلِ التَّعَبُّدِ لِلْمَلَائِكَةِ كَمَا أُمِرُوا أَنْ يَكْتُبُوا أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ ، وَهُوَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ مِنَ الْجَمِيعِ بِالْجَمِيعِ .
قوله ( كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي ) قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ : وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ آخِرِ الْأَعْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِخَوَاتِيمِهَا .
قَالَ : وَالْعِبَادُ الْمَسْؤولُ عَنْهُمْ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ
قوله ( تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ) لَمْ يُرَاعُوا التَّرْتِيبَ الْوُجُودِيَّ ؛ لِأَنَّهُمْ بَدَؤوا بِالتَّرْكِ قَبْلَ الْإِتْيَانِ ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهُمْ طَابَقُوا السُّؤَالَ لِأَنَّهُ قَالَ : كَيْفَ تَرَكْتُمْ ؟ وَلِأَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ صَلَاةُ الْعِبَادِ وَالْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا ، فَنَاسَبَ ذَلِكَ إِخْبَارَهُمْ عَنْ آخِرِ عَمَلِهِمْ قَبْلَ أَوَّلِهِ ، وَقَوْلُهُ " تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ " ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ فَارَقُوهُمْ عِنْدَ شُرُوعِهِمْ فِي الْعَصْرِ سَوَاءٌ تَمَّتْ أَمْ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ إِتْمَامِهَا ، وَسَوَاءٌ شَرَعَ الْجَمِيعُ فِيهَا أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَظِرَ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ " وَهُمْ يُصَلُّونَ " أَيْ يَنْتَظِرُونَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ . وَقَالَ ابْنُ التِّينِ : الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ " وَهُمْ يُصَلُّونَ " وَاوُ الْحَالِ أَيْ تَرَكْنَاهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ ، وَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُمْ فَارَقُوهُمْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَشْهَدُوهَا مَعَهُمْ ، وَالْخَبَرُ نَاطِقٌ بِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَهَا لِأَنَّا نَقُولُ : هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ شَهِدُوا الصَّلَاةَ مَعَ مَنْ صَلَّاهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ، وَشَهِدُوا مَنْ دَخَلَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ ، وَمَنْ شَرَعَ فِي أَسْبَابِ ذَلِكَ .
( تَنْبِيهٌ ) : اسْتَنْبَطَ مِنْهُ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُفَارِقَ الشَّخْصُ شَيْئًا مِنْ أُمُورِهِ إِلَّا وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ كَشَعْرِهِ إِذَا حَلَقَهُ وَظُفْرِهِ إِذَا قَلَّمَهُ وَثَوْبِهِ إِذَا أَبْدَلَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَقَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ : أَجَابَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَكْثَرَ مِمَّا سُئِلُوا عَنْهُ ، لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ سُؤَالٌ يَسْتَدْعِي التَّعَطُّفَ عَلَى بَنِي آدَمَ فَزَادُوا فِي مُوجِبِ ذَلِكَ .
قُلْتُ : وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ : فَاغْفِرْ لَهُمْ يَوْمَ الدِّينِ قَالَ : وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الصَّلَاةَ أَعْلَى الْعِبَادَاتِ ؛ لِأَنَّهُ عَنْهَا وَقَعَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ ، وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى عِظَمِ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ لِكَوْنِهِمَا تَجْتَمِعُ فِيهِمَا الطَّائِفَتَانِ وَفِي غَيْرِهِمَا طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى شَرَفِ الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الرِّزْقَ يُقَسَّمُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ ، وَأَنَّ الْأَعْمَالَ تُرْفَعُ آخِرَ النَّهَارِ ، فَمَنْ كَانَ حِينَئِذٍ فِي طَاعَةٍ بُورِكَ فِي رِزْقِهِ وَفِي عَمَلِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حِكْمَةُ الْأَمْرِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِمَا وَالِاهْتِمَامِ بِهِمَا ، وَفِيهِ تَشْرِيفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى غَيْرِهَا ، وَيَسْتَلْزِمُ تَشْرِيفَ نَبِيِّهَا عَلَى غَيْرِهِ . وَفِيهِ الْإِخْبَارُ بِالْغُيُوبِ ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ زِيَادَةُ الْإِيمَانِ . وَفِيهِ الْإِخْبَارُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ضَبْطِ أَحْوَالِنَا حَتَّى نَتَيَقَّظَ وَنَتَحَفَّظَ فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَنَفْرَحَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِقُدُومِ رُسُلِ رَبِّنَا وَسُؤَالِ رَبِّنَا عَنَّا . وَفِيهِ إِعْلَامُنَا بِحُبِّ مَلَائِكَةِ اللَّهِ لَنَا لِنَزْدَادَ فِيهِمْ حُبًّا وَنَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ بِذَلِكَ . وَفِيهِ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ مَلَائِكَتِهِ . وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَائِدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي " بَابِ قَوْلِهِ ثُمَّ يَعْرُجُ " فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .