حدثنا يَحْيَى بْنُ الْفَضْلِ ، نا وُهَيْبٌ بْنَ عَمْرٍو النَّمَرِيَّ ، أَنَا هَارُونُ ، أَخْبَرَنِي أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ ، عَنْ عَطِّيَةَ الْعَوْفِيِّ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ عِلِّيِّينَ لَيُشْرِفُ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَتُضِيءُ الْجَنَّةُ بوَجْهِهِ ، كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ قَالَ : وَهَكَذَا جَاءَ الْحَدِيثُ [4/60] دُرِّيٌّ مَرْفُوعَةٌ ، الدَّالُ لَا تُهْمَزُ ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمِنْهُمْ ، وَأَنْعَمَا .

( إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ عِلِّيِّينَ ) : أَيْ مِنْ أَهْلِ أَشْرَفِ الْجِنَانِ وَأَعْلَاهَا مِنَ الْعُلُوِّ ، وَكُلَّمَا عَلَا الشَّيْءُ وَارْتَفَعَ عَظُمَ قَدْرُهُ ( لَيُشْرِفُ ) : بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ . وَالْإِشْرَافُ الِاطِّلَاعُ يُقَالُ أَشْرَفْتُ عَلَيْهِ اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ ( عَلَى ) : مَنْ تَحْتَهُ مِنْ ( أَهْلِ الْجَنَّةِ فَتُضِيءُ الْجَنَّةُ ) : أَيْ تَسْتَنِيرُ اسْتِنَارَةً مُفْرِطَةً ( بِوَجْهِهِ ) : أَيْ مِنْ أَجْلِ إِشْرَاقِ إِضَاءَةِ وَجْهِهِ عَلَيْهَا ( كَأَنَّهَا ) : أَيْ كَأَنَّ وُجُوهَ أَهْلِ عِلِّيِّينَ ( كَوْكَبٌ ) : أَيْ كَكَوْكَبٍ ( دُرِّيُّ ) : نِسْبَةً لِلدُّرِّ لِبَيَاضِهِ وَصَفَائِهِ ، أَيْ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ مِنْ دُرٍّ فِي غَايَةِ الصَّفَاءِ وَالْإِشْرَاقِ وَالضِّيَاءِ . قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ [4/60] ( دُرِّيٌّ مَرْفُوعَةُ الدَّالِ لَا تُهْمَزُ ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ .
قَالَ الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النُّورِ : دُرِّيٌّ بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ بِلَا هَمْزٍ أَيْ شَدِيدُ الْإِنَارَةِ ، نُسِبَ إِلَى الدُّرِّ فِي صَفَائِهِ وَحُسْنِهِ وَإِنْ كَانَ الْكَوْكَبُ أَكْثَرَ ضَوْءًا مِنَ الدُّرِّ .
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ : دِرِّيءٌ بِكَسْرِ الدَّالِ وَالْهَمْزَةِ .
وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ بِضَمِّ الدَّالِ وَالْهَمْزَةِ ، فَمَنْ كَسَرَ الدَّالَ فَهُوَ فِعِّيلٌ مِنَ الدَّرْءِ وَهُوَ الدَّفْعُ لِأَنَّ الْكَوْكَبَ يَدْفَعُ الشَّيَاطِينَ مِنَ السَّمَاءِ ، وَشَبَّهَهُ بِحَالَةِ الدَّفْعِ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَضْوَأُ وَأَنْوَرُ ، وَيُقَالُ : هُوَ مِنْ دَرَأَ الْكَوْكَبُ إِذَا انْدَفَعَ مُنْقَضًّا فَيَتَضَاعَفُ ضَوْءُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ . وَقِيلَ دِرِّيءٌ أَيْ طَالِعٌ يُقَالُ : دَرَأَ النَّجْمُ إِذَا طَلَعَ وَارْتَفَعَ ، وَيُقَالُ : دَرَأَ عَلَيْنَا فُلَانٌ أَيْ طَلَعَ وَظَهَرَ . فَأَمَّا رَفْعُ الدَّالِ مَعَ الْهَمْزَةِ كَمَا قَرَأَ حَمْزَةُ ، قَالَ أَكْثَرُ النُّحَاةِ : هُوَ لَحْنٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ انْتَهَى
( وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمِنْهُمْ ) : أَيْ مِنْ أَهْلِ عِلِّيِّينَ ( وَأَنْعَمَا ) : أَيْ وَزَادَا وَفَضُلَا عَنْ كَوْنِهِمَا أَهْلَ عِلِّيِّينَ .
وَمِنْ قَوْلِهِ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِلَخْ مِنْ أَلْفَاظِ بَقِيَّةِ الْحَدِيثَ .
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ : أَيْ زَادَا وَفَضُلَا ، يُقَالُ : أَحْسَنْتَ إِلَيَّ وَأَنْعَمْتَ أَيْ زِدْتَ عَلَى الْإِنْعَامِ .
وَقِيلَ : مَعْنَاهُ صَارَا إِلَى النَّعِيمِ وَدَخَلَا فِيهِ كَمَا يُقَالُ أَشْمَلَ إِذَا دَخَلَ فِي الشِّمَالِ انْتَهَى . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ انْتَهَى .