بَابٌ فِي زَعَمُوا

بَابٌ فِي زَعَمُوا : أَيْ فِي بَيَانِ مَا وَرَدَ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ . قَالَ فِي الْقَامُوسِ : الزَّعْمُ مُثَلَّثَةُ الْقَوْلِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْكَذِبِ ضِدٌّ وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ فِيمَا يُشَكُّ فِيهِ .
حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، نا وَكِيعٌ ، عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَحْيَى ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ : قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَوْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لِأَبِي مَسْعُودٍ مَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : فِي : زَعَمُوا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا قَالَ أَبُو دَاوُدَ : أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هَذَا حُذَيْفَةُ

( أَوْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ) : شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي ( مَا سَمِعْتُ ) : أَيْ أَيُّ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ ( يَقُولُ فِي زَعَمُوا ) : أَيْ فِي حَقِّ هَذَا اللَّفْظِ ( بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ ) : الْمَطِيَّةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ بِمَعْنَى الْمَرْكُوبِ ( زَعَمُوا ) : فِي النِّهَايَةِ : الزَّعْمُ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ قَرِيبٌ مِنَ الظَّنِّ أَيْ أَسْوَأُ عَادَةٍ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَّخِذَ لَفْظَ زَعَمُوا مَرْكَبًا إِلَى مَقَاصِدِهِ فَيُخْبِرَ عَنْ أَمْرٍ تَقْلِيدًا مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ فَيُخْطِئَ وَيُجَرَّبَ عَلَيْهِ الْكَذِبُ قَالَهُ الْمَنَاوِيُّ .
وَفِي اللُّمَعَاتِ يَعْنِي أَنَّ زَعَمُوا بِئْسَ مَطِيَّتُهُ يَجْعَلُ الْمُتَكَلِّمَ مُقَدِّمَةَ كَلَامِهِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْإِخْبَارَ بِخَبَرٍ مَبْنَاهُ عَلَى الشَّكِّ وَالتَّخْمِينِ دُوْنَ الْجَزْمِ وَالْيَقِينِ قَبِيحٌ ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِخَبَرِهِ سَنَدٌ وَثُبُوتٌ وَيَكُونَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ ذَلِكَ لَا مُجَرَّدَ حِكَايَةٍ عَلَى ظَنٍّ وَحُسْبَانٍ ، وَفِي الْمَثَلِ زَعَمُوا مَطِيَّةَ الْكَذِبِ ، انْتَهَى .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ : أَصْلُ هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَرَادَ الْمَسِيرَ إِلَى بَلَدٍ رَكِبَ مَطِيَّةً وَسَارَ حَتَّى يَبْلُغَ حَاجَتَهُ فَشَبَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُقَدِّمُهُ الرَّجُلُ أَمَامَ كَلَامِهِ وَيَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى حَاجَتِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ [4/450] زَعَمُوا كَذَا وَكَذَا بِالْمَطِيَّةِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقْصِدُهُ ، وَإِنَّمَا يُقَالُ : زَعَمُوا فِي حَدِيثٍ لَا سَنَدَ لَهُ وَلَا ثَبَتَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ حُكِيَ عَنِ الْأَلْسُنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَلَاغِ ، فَذَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحَدِيثِ مَا كَانَ هَذَا سَبِيلَهُ ، وَأَمَرَ بِالتَّثَبُّتِ فِيهِ وَالتَّوَثُّقِ لِمَا يَحْكِيهِ مِنْ ذَلِكَ ، فَلَا يَرْوُونَهُ حَتَّى يَكُونَ مَعْزِيًّا إِلَى ثَبْتٍ وَمَرْوِيًّا عَنْ ثِقَةٍ ، انْتَهَى .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : أَبُو قِلَابَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْجَرْمِيُّ الْبَصْرِيُّ ، ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ فِي الْأَطْرَافِ : أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمَا يَعْنِي حُذَيْفَةَ وَأَبَا مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .