حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ ، نا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، نا أَبُو تُمَيْلَةَ حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَابِتٍ حَدَّثَنِي صَخْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا ، وَإِنَّ مِنْ الْعِلْمِ جَهْلًا ، وَإِنَّ مِنْ الشِّعْرِ حُكْمًا ، وَإِنَّ مِنْ الْقَوْلِ عِيَالًا فَقَالَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ : صَدَقَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَمَّا قَوْلُهُ : إِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا فَالرَّجُلُ يَكُونُ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَهُوَ أَلْحَنُ بِالْحُجَجِ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ ، فَيَسْحَرُ الْقَوْمَ بِبَيَانِهِ فَيَذْهَبُ بِالْحَقِّ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : إِنَّ مِنْ الْعِلْمِ جَهْلًا فَيَتَكَلَّفُ الْعَالِمُ إِلَى عِلْمِهِ مَا لَا يَعْلَمُ فَيُجَهِّلُهُ ذَلِكَ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : وإِنَّ مِنْ الشِّعْرِ حُكْمًا فَهِيَ هَذِهِ الْمَوَاعِظُ وَالْأَمْثَالُ الَّتِي يَتَّعِظُ النَّاسُ بها ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : مِنْ الْقَوْلِ عِيَالًا فَعَرْضُكَ كَلَامَكَ وَحَدِيثَكَ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ وَلَا يُرِيدُهُ .

( وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ جَهْلًا ) ؛ أَيْ لِكَوْنِهِ عِلْمًا مَذْمُومًا وَالْجَهْلُ بِهِ خَيْرٌ مِنْهُ ، أَوْ لِكَوْنِهِ عِلْمًا بما لَا يَعْنِيهِ فَيَصِيرَ جَهْلًا بِمَا يَعْنِيهِ . وَقِيلَ : هُوَ أَنْ لَا يَعْمَلَ بِعِلْمِهِ فَيَكُونَ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ جَهْلًا . قَالَ فِي النِّهَايَةِ : قِيلَ هُوَ أن يَتَعَلَّمُ مَا لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ كَالنُّجُومِ وَعُلُومِ الْأَوَائِلِ ، وَيَدَعُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي دِينِهِ مِنْ عِلْمِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ . وَقِيلَ : هُوَ أَنْ يَتَكَلَّفَ الْعَالِمُ الْقَوْلَ فِيمَا لَا يَعْلَمُهُ فَيُجَهِّلُهُ ذَلِكَ ، انْتَهَى .
( وَإِنَّ مِنَ الْقَوْلِ عِيَالًا ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ : هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ " عِيَالًا " ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ : إِنَّ مِنَ الْقَوْلِ عَيْلًا .
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " عِيلًا " مِنْ قَوْلِكَ عِلْتُ الضَّالَّةَ أُعِيلُ عَيْلًا وعيلا إِذَا لَمْ تَدْرِ أَيَّةُ جِهَةٍ تَبْغِيهَا . قَالَ أَبُو زَيْدٍ : كَأَنَّهُ لَمْ يَهْتَدِ لِمَنْ يَطْلُبُ عِلْمَهُ فَعَرَضَهُ عَلَى مَنْ لَا يُرِيدُهُ ، انْتَهَى .
وَفِي النِّهَايَةِ : " إِنَّ مِنَ الْقَوْلِ عَيْلًا " هُوَ عَرْضُكَ حَدِيثُكَ وَكَلَامُكَ عَلَى مَنْ لَا يُرِيدُهُ وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ ، يُقَالُ : عِلْتُ الضَّالَّةَ أُعِيلُ عَيْلًا ؛ إِذَا لَمْ تَدْرِ أَيُّ جِهَةٍ تَبْغِيهَا ، كَأَنَّهُ لَمْ يَهْتَدِ لِمَنْ يَطْلُبُ كَلَامَهُ فَعَرَضَهُ عَلَى مِنْ لَا يُرِيدُهُ ، انْتَهَى .
( فَقَالَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ، تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ مُخَضْرَمٌ فَصِيحٌ ، ثِقَةٌ ، مَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ ؛ قَالَهُ الْحَافِظُ . ( وَهُوَ أَلْحَنُ ) ؛ أَيْ أَقْدَرُ عَلَى بَيَانِ مَقْصُودِهِ ، مِنْ لَحِنَ بِالْكَسْرِ إِذَا نَطَقَ بِحُجَّتِهِ . ( بِالْحُجَجِ ) جَمْعُ حُجَّةٍ ( وَلَا يُرِيدُهُ ) ؛ أَيْ لَا يُرِيدُ الْمَعْرُوضُ عَلَيْهِ كَلَامَكَ وَحَدِيثَكَ فَيَصِيرَ كَلَامُكَ ثَقِيلًا عَلَيْهِ كَالْعِيَالِ ؛ قَالَهُ السِّنْدِيُّ .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : فِي إِسْنَادِهِ أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ الْأَنْصَارِيُّ الْمَرْوَزِيُّ ، وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ ، وَأَدْخَلَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ فَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ : يُحَوَّلُ مِنْ هُنَاكَ .
[4/462]