114 - بَاب أَبْغَضِ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ
6205 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ ، عَنْ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَخْنَى الْأَسْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ .


[10/605] قَوْلُهُ : ( بَابُ أَبْغَضِ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) كَذَا تَرْجَمَ بِلَفْظِ : " أَبْغَضَ " ، وَهُوَ بِالْمَعْنَى . وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ : " أَخْبَثَ " ؛ بِمُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ ، وَبِلَفْظِ : " أَغْيَظَ " ، وَهُمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِلَفْظِ : " أَكْرَهِ الْأَسْمَاءِ " . وَنَقَلَ ابْنُ التِّينِ ، عَنِ الدَّاوُدِيِّ قَالَ : وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ : " أَبْغَضُ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ خَالِدٌ وَمَالِكٌ " ، قَالَ : وَمَا أَرَاهُ مَحْفُوظًا لِأَنَّ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ تَسَمَّى بِهِمَا ، قَالَ : وَفِي الْقُرْآنِ تَسْمِيَةُ خَازِنِ النَّارِ مَالِكًا ، قَالَ : وَالْعِبَادُ وَإِنْ كَانُوا يَمُوتُونَ فَإِنَّ الْأَرْوَاحَ لَا تَفْنَى ، انْتَهَى كَلَامُهُ . فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ فَمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبَحْثِ ، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي تَرْجَمَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْفَضْلِ الْمَدَنِيِّ أَحَدِ الضُّعَفَاءِ مِنْ مَنَاكِيرِهِ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ : أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ مَا سُمِّيَ بِهِ ، وَأَصْدَقُهَا الْحَارِثُ ، وَهَمَّامٌ ، وَأَكْذَبُ الْأَسْمَاءِ خَالِدٌ وَمَالِكٌ ، وَأَبْغَضُهَا إِلَى اللَّهِ مَا سُمِّيَ لِغَيْرِهِ فَلَمْ يَضْبِطِ الدَّاوُدِيُّ لَفْظَ الْمَتْنِ ، أَوْ هُوَ مَتْنٌ آخَرُ اطَّلَعَ عَلَيْهِ . وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ عَلَى ضَعْفِهِ بِمَا ذَكَرَ مِنْ تَسْمِيَةِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَبَعْضِ الْمَلَائِكَةِ فَلَيْسَ بِوَاضِحٍ ، لِاحْتِمَالِ اخْتِصَاصِ الْمَنْعِ بِمَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا . وَأَمَّا احْتِجَاجُهُ لِجَوَازِ التَّسْمِيَةِ بخَالِدٍ بِمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الْأَرْوَاحَ لَا تَفْنَى فَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَلَيْسَ بِوَاضِحٍ أَيْضًا ; لِأَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - قَدْ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ وَالْخُلْدُ الْبَقَاءُ الدَّائِمُ بِغَيْرِ مَوْتٍ ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْأَرْوَاحِ لَا تَفْنَى أَنْ يُقَالَ : صَاحِبُ تِلْكَ الرُّوحِ خَالِدٌ .
قَوْلُهُ : ( أَخْنَى ) كَذَا فِي رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ لِلْأَكْثَرِ ، مِنَ الْخَنَا - بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ مَقْصُورٌ - وَهُوَ الْفُحْشُ فِي الْقَوْلِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ : أَخْنَى عَلَيْهِ الدَّهْرُ ؛ أَيْ أَهْلَكَهُ . وَوَقَعَ عِنْدَ الْمُسْتَمْلِي : أَخْنَعَ ؛ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، وَهُوَ مِنَ الْخُنُوعِ وَهُوَ الذُّلُّ ، وَقَدْ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ الْحُمَيْدِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ عَقِبَ رِوَايَتِهِ لَهُ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ : " أَخْنَعُ : أَذَلُّ " . وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ - يَعْنِي إِسْحَاقَ اللُّغَوِيَّ - عَنْ أَخْنَعَ فَقَالَ : أَوْضَعُ ، قَالَ عِيَاضٌ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَشَدُّ الْأَسْمَاءِ صَغَارًا . وَبِنَحْوِ ذَلِكَ فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ ، وَالْخَانِعُ الذَّلِيلُ وَخَنَعَ الرَّجُلُ ذَلَّ ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : وَإِذَا كَانَ الِاسْمُ أَذَلَّ الْأَسْمَاءِ كَانَ مَنْ تَسَمَّى بِهِ أَشَدَّ ذُلًّا ، وَقَدْ فَسَّرَ الْخَلِيلُ أَخْنَعَ بِأَفْجَرَ فَقَالَ : الْخَنْعُ الْفُجُورُ ، يُقَالُ : أَخْنَعَ الرَّجُلُ إِلَى الْمَرْأَةِ ؛ إِذَا دَعَاهَا لِلْفُجُورِ . قُلْتُ : وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْخَنَا وَهُوَ الْفُحْشُ . وَوَقَعَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ : " أَخْنَعُ : أَقْبَحُ " ، وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهُ وَرَدَ بِلَفْظِ : أَنْخَعَ ؛ بِتَقْدِيمِ النُّونِ عَلَى الْمُعْجَمَةِ ، وَهُوَ بِمَعْنَى أَهْلَكَ ؛ لِأَنَّ النَّخْعَ الذَّبْحُ وَالْقَتْلُ الشَّدِيدُ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ : أَغْيَظَ ؛ بِغَيْنٍ وَظَاءٍ مُعْجَمَتَيْنِ ، وَيُؤَيِّدُهُ : اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَلِكُ الْأَمْلَاكِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ . وَوَقَعَ فِي شَرْحِ شَيْخِنَا ابْنِ الْمُلَقِّنِ أَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ : " أَفْحَشُ الْأَسْمَاءِ ، وَلَمْ أَرَهَا ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فِي تَفْسِيرِ أَخْنَى ، وَقَوْلُهُ : أَخْنَعُ اسْمٌ عِنْدَ اللَّهِ ، وَقَالَ سُفْيَانُ غَيْرُ مَرَّةٍ : أَخْنَعُ الْأَسْمَاءِ " ؛ أَيْ قَالَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ ، وَهَذَا اللَّفْظُ يُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا فِي إِرَادَةِ الْكَثْرَةِ ، وَسَأَذْكُرُ تَوْجِيهَ الرِّوَايَتَيْنِ .
قَوْلُهُ : ( عِنْدَ اللَّهِ ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَتِهِمَا : يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ ثَابِتَةٌ هُنَا فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ الَّتِي [10/606] قَبْلَ هَذِهِ .
قَوْلُهُ : ( تَسَمَّى ) ؛ أَيْ سَمَّى نَفْسَهُ ، أَوْ سُمِّيَ بِذَلِكَ فَرَضِيَ بِهِ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ : ( بِمَلِكِ الْأَمْلَاكِ ) بِكَسْرِ اللَّامِ مِنْ مَلِكٍ ، وَالْأَمْلَاكُ جَمْعُ مَلِكٍ - بِالْكَسْرِ وَبِالْفَتْحِ - وَجَمْعُ مَلِيكٍ .
قَوْلُهُ : ( قَالَ سُفْيَانُ : يَقُولُ غَيْرُهُ ) ؛ أَيْ غَيْرُ أَبِي الزِّنَادِ .
قَوْلُهُ : ( تَفْسِيرُهُ شَاهَانْ شَاهْ ) هَكَذَا ثَبَتَ لَفْظُ تَفْسِيرِهِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ ، وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ ، عَنْ سُفْيَانَ ، قَالَ سُفْيَانُ : " مِثْلُ شَاهَانْ شَاهْ " ، فَلَعَلَّ سُفْيَانَ قَالَهُ مَرَّةً نَقْلًا وَمَرَّةً مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ ، عَنْ سُفْيَانَ مِثْلَهُ وَزَادَ مِثْلَ ذَلِكَ الصِّينَ ، وَشَاهَانْ شَاهْ بِسُكُونِ النُّونِ وَبِهَاءٍ فِي آخِرِهِ وَقَدْ تُنَوَّنُ ، وَلَيْسَتْ هَاءَ تَأْنِيثٍ فَلَا يُقَالُ بِالْمُثَنَّاةِ أَصْلًا . وَقَدْ تَعَجَّبَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ تَفْسِيرِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ اللَّفْظَةُ الْعَرَبِيَّةُ بِاللَّفْظَةِ الْعَجَمِيَّةِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ آخَرُونَ ، وَهُوَ غَفْلَةٌ مِنْهُمْ عَنْ مُرَادِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ شَاهَانْ شَاهْ كَانَ قَدْ كَثُرَ التَّسْمِيَةُ بِهِ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ فَنَبَّهَ سفيان عَلَى أَنَّ الِاسْمَ الَّذِي وَرَدَ الْخَبَرُ بِذَمِّهِ لَا يَنْحَصِرُ فِي مَلِكِ الْأَمْلَاكِ بَلْ كُلُّ مَا أَدَّى مَعْنَاهُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ فَهُوَ مُرَادٌ بِالذَّمِّ ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ : " مِثْلَ شَاهَانْ شَاهْ " وَقَوْلُهُ : شَاهَانْ شَاهْ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ : " شَاهٍ شَاهْ " ؛ بِالتَّنْوِينِ بِغَيْرِ إِشْبَاعٍ فِي الْأُولَى ، وَالْأَصْلُ هُوَ الْأُولَى ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَخْفِيفٌ مِنْهَا ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الصَّوَابَ : شَاهْ شَاهَانْ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ قَاعِدَةَ الْعَجَمِ تَقْدِيمُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ عَلَى الْمُضَافِ ، فَإِذَا أَرَادُوا قَاضِي الْقُضَاةِ بِلِسَانِهِمْ قَالُوا : موبذان موبذ ، فموبذ هُوَ الْقَاضِي وَموبذان جَمْعُهُ ، فَكَذَا شَاهْ هُوَ الْمَلِكُ وَشَاهَانْ هُوَ الْمُلُوكُ ، قَالَ عِيَاضٌ : اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ غَيْرُ الْمُسَمَّى ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ بَلِ الْمُرَادُ مِنَ الِاسْمِ صَاحِبُ الِاسْمِ ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ : " هَمَّامٍ أَغْيَظُ رَجُلٍ " ، فَكَأَنَّهُ مِنْ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ : تَسَمَّى ، فَالتَّقْدِيرُ أَنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ اسْمُ رَجُلٍ تَسَمَّى ، بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : وَأَنَّ أَخْنَعَ الْأَسْمَاءِ . وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَحْرِيمِ التَّسَمِّي بِهَذَا الِاسْمِ لِوُرُودِ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ ؛ مِثْلُ : خَالِقِ الْخَلْقِ ، وَأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ، وَسُلْطَانِ السَّلَاطِينِ ، وَأَمِيرِ الْأُمَرَاءِ . وَقِيلَ : يَلْتَحِقُ بِهِ أَيْضًا مَنْ تَسَمَّى بِشَيْءٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْخَاصَّةِ بِهِ كَالرَّحْمَنِ وَالْقُدُّوسِ وَالْجَبَّارِ . وَهَلْ يَلْتَحِقُ بِهِ مَنْ تَسَمَّى قَاضِي الْقُضَاةِ أَوْ حَاكِمَ الْحُكَّامِ ؟ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ أَيْ أَعْدَلُ الْحُكَّامِ وَأَعْلَمُهُمْ ، إِذْ لَا فَضْلَ لِحَاكِمٍ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ ، قَالَ : وَرُبَّ غَرِيقٍ فِي الْجَهْلِ وَالْجَوْرِ مِنْ مُقَلِّدِي زَمَانِنَا قَدْ لُقِّبَ أَقْضَى الْقُضَاةِ وَمَعْنَاهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ فَاعْتَبِرْ وَاسْتَعْبِرْ ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِحَدِيثِ : أَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ ، قَالَ : فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنْ لَا حَرَجَ عَلَى مَنْ أَطْلَقَ عَلَى قَاضٍ يَكُونُ أَعْدَلَ الْقُضَاةِ أَوْ أَعْلَمَهُمْ فِي زَمَانِهِ أَقْضَى الْقُضَاةِ ، أَوْ يُرِيدُ إِقْلِيمَهُ أَوْ بَلَدَهُ . ثُمَّ تَكَلَّمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَاضِي الْقُضَاةِ وَأَقْضَى الْقُضَاةِ ، وَفِي اصْطِلَاحِهِمْ عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ فَوْقَ الثَّانِي وَلَيْسَ مِنْ غَرَضِنَا هُنَا . وَقَدْ تَعَقَّبَ كَلَامَ ابْنِ الْمُنِيرِ عَلَمُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فَصَوَّبَ مَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنَ الْمَنْعِ وَرَدَّ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ قَضِيَّةِ عَلِيٍّ بِأَنَّ التَّفْضِيلَ فِي ذَلِكَ وَقَعَ فِي حَقِّ مَنْ خُوطِبَ بِهِ وَمَنْ يَلْتَحِقُ بِهِمْ فَلَيْسَ مُسَاوِيًا لِإِطْلَاقِ التَّفْضِيلِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ ، قَالَ : وَلَا يَخْفَى مَا فِي إِطْلَاقِ ذَلِكَ مِنَ الْجَرَاءَةِ وَسُوءِ الْأَدَبِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ فَنُعِتَ بِذَلِكَ فَلَذَّ فِي سَمْعِهِ فَاحْتَالَ فِي الْجَوَازِ فَإِنَّ الْحَقَّ أَحَقُّ أَنْ تتَّبَعَ ، انْتَهَى كَلَامُهُ . وَمِنَ النَّوَادِرِ أَنَّ الْقَاضِي عِزَّ الدِّينِ بْنَ جَمَاعَةَ قَالَ أنَّهُ رَأَى أَبَاهُ فِي الْمَنَامِ فَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ فَقَالَ : مَا كَانَ عَلَيَّ أَضَرُّ مِنْ هَذَا الِاسْمِ ، فَأَمَرَ الْمُوَقِّعِينَ أَنْ لَا يَكْتُبُوا لَهُ فِي السِّجِلَّاتِ قَاضِي الْقُضَاةِ بَلْ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ [10/607] أَبِيهِ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى هَذِهِ التَّسْمِيَةِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى الْوَظِيفَةِ ، بَلْ هُوَ الَّذِي يَتَرَجَّحُ عِنْدِي ، فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ بِقَاضِي الْقُضَاةِ وُجِدَتْ فِي الْعَصْرِ الْقَدِيمِ مِنْ عَهْدِ أَبِي يُوسُفَ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَدْ مَنَعَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ جَوَازِ تَلْقِيبِ الْمَلِكِ الَّذِي كَانَ فِي عَصْرِهِ بِمَلِكِ الْمُلُوكِ مَعَ أَنَّ الْمَاوَرْدِيَّ كَانَ يُقَالُ لَهُ : أَقْضَى الْقُضَاةِ ، وَكَأَنَّ وَجْهَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا الْوُقُوفُ مَعَ الْخَبَرِ وَظُهُورُ إِرَادَةِ الْعَهْدِ الزَّمَانِيِّ فِي الْقُضَاةِ . وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ : يَلْتَحِقُ بِمَلِكِ الْأَمْلَاكِ قَاضِي الْقُضَاةِ وَإِنْ كَانَ اشْتُهِرَ فِي بِلَادِ الشَّرْقِ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ إِطْلَاقُ ذَلِكَ عَلَى كَبِيرِ الْقُضَاةِ ، وَقَدْ سَلِمَ أَهْلُ الْمَغْرِبِ مِنْ ذَلِكَ ، فَاسْمُ كَبِيرِ الْقُضَاةِ عِنْدَهُمْ قَاضِي الْجَمَاعَةِ ، قَالَ : وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ الْأَدَبِ فِي كُلِّ شَيْءٍ ; لِأَنَّ الزَّجْرَ عَنْ مَلِكِ الْأَمْلَاكِ وَالْوَعِيدَ عَلَيْهِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْهُ مُطْلَقًا ، سَوَاءٌ أَرَادَ مَنْ تَسَمَّى بِذَلِكَ أَنَّهُ مَلِكٌ عَلَى مُلُوكِ الْأَرْضِ أَمْ عَلَى بَعْضِهَا ، سَوَاءٌ كَانَ مُحِقًّا فِي ذَلِكَ أَمْ مُبْطِلًا ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ قَصَدَ ذَلِكَ وَكَانَ فِيهِ صَادِقًا وَمَنْ قَصَدَهُ وَكَانَ فِيهِ كَاذِبًا .