باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله

أي هذا باب في بيان وجوب السعي بين الصفا والمروة ، وإنما قدرنا هكذا لأن الوجوب يتعلق بالأفعال لا بالذوات ، قال الجوهري : الصفا موضع بمكة ، وهو في الأصل جمع صفاة وهي صخرة ملساء ، ويجمع على أصفاء وصفا وصفي على وزن فعول ، والصفا أيضا اسم نهر بالبحرين ، والصفا بالمد خلاف الكدر .
والمروة مروة السعي التي تذكر مع الصفا وهي أحد رأسيه الذي ينتهي السعي إليهما ، وهي في الأصل حجر أبيض براق ، وقيل هي التي يقدح منها النار ، قوله : " وجعل " على صيغة المجهول أي جعل وجوب السعي بين الصفا والمروة كما ذكرنا ، وقال صاحب التلويح : وجعل من شعائر الله ، كذا في نسخة السماع ، وفي أخرى : وجعلا أي الصفا والمروة والشعائر جمع شعيرة ، وقيل : هي جمع شعارة بالكسر ، كذا في الموعب ، وقال الجوهري : الشعائر أعمال الحج ، وكل ما جعل علما لطاعة الله تعالى ، وقال أبو عبيد : واحدة الشعائر شعيرة ، وهو ما أشعر لهدي إلى البيت الله تعالى ، وقال الزجاج : هي جميع متعبدات الله التي أشعرها الله أي جعلها أعلاما لنا ، وهي كل ما كان من موقف أو مسعى أو مذبح ، وإنما قيل : شعائر لكل عمل مما تعبد به لأن قولهم شعرت به علمته ، فلهذا سميت الأعلام التي هي متعبدات لله شعائر ، وقال الحسن : شعائر الله دين الله تعالى .
229 - حدثنا أبو اليمان قال : أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، قال عروة : سألت عائشة رضي الله [9/286] عنها فقلت لها : أرأيت قول الله تعالى : إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة ، قالت : بئس ما قلت يا ابن أختي ، إن هذه لو كانت كما أولتها عليه كانت : لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما ، ولكنها أنزلت في الأنصار ، كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل ، فكان من أهل يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة ، فلما أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، قالوا : يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة ، فأنزل الله تعالى : إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ الآية ، قالت عائشة رضي الله عنها : وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما ، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما ، ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن فقال : إن هذا لعلم ما كنت سمعته ، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أن الناس إلا من ذكرت عائشة ممن كان يهل بمناة كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة ، فلما ذكر الله تعالى الطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن قالوا : يا رسول الله كنا نطوف بالصفا والمروة ، وإن الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا ، فهل علينا من حرج أن نطوف بالصفا والمروة ، فأنزل الله تعالى : إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ الآية ، قال أبو بكر : فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا بالجاهلية بالصفا والمروة ، والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام ، من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا ، حتى ذكر ذلك بعدما ذكر الطواف بالبيت .

مطابقته للترجمة ظاهرة .
ورجاله قد ذكروا غير مرة ، وأبو اليمان الحكم بن نافع ، والزهري هو محمد بن مسلم .
وأخرجه النسائي في الحج وفي التفسير .
( ذكر معناه ) : قوله : " أرأيت " أخبريني عن مفهوم هذه الآية إذ مفهومها عدم وجوب السعي بين الصفا والمروة إذ فيه عدم الإثم على الترك ، فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها مفهومها ليس ذلك بل عدم الإثم على الفعل ، ولو كان على الترك لقيل أن لا يطوف بزيادة لا ، والتحقيق هنا أن عروة رضي الله تعالى عنه أول الآية بأن لا شيء عليه في تركه ؛ لأن هذا اللفظ أكثر ما يستعمل في المباح دون الواجب ، وأن عائشة رضي الله تعالى عنها أجابت بأن الآية ساكتة عن الوجوب وعدمه لأنها ليست بنص في سقوط الواجب ، ولو كانت نصا لكان يقول فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ، لأن هذا يتضمن سقوط الإثم عمن ترك الطواف ، ولم يكن ذلك إلا بسبب الأنصار ، وقد يكون الفعل واجبا ويعتقد المعتقد أنه منع من إيقاعه على صفة ، وهذا كمن عليه صلاة ظهر فظن أن لا يسوغ له إيقاعها بعد المغرب ، فسأل فقيل : لا حرج عليك إن صليت ، فيكون الجواب صحيحا ولا يقتضي نفي وجوب الظهر عليه ، وقد وقع في القراءة الشاذة : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ، كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها ، حكاه الطبري وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر وغيرهم عن أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس رضي الله تعالى عنهم ، وأجاب الطبري أنها محمولة على القراءة المشهورة ، وكلمة لا زائدة ، وكذا قال الطحاوي ، وقيل لا حجة في الشواذ إذا خالفت المشهورة ، وقال الطحاوي أيضا : لا حجة لمن قال إن السعي مستحب بقوله : فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا لأنه راجع إلى أصل الحج والعمرة لا إلى خصوص السعي ، لإجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع ، والله أعلم .
قوله : " يهلونه " أي يحجونه ، قوله : " لمناة " بفتح الميم [9/287] وتخفيف النون وبعد الألف تاء مثناة من فوق ، وهو اسم صنم كان في الجاهلية ، وقال ابن الكلبي : كانت صخرة نصبها عمرو بن لحي بجهة البحر فكانوا يعبدونها ، وقيل : هي صخرة لهذيل بقديد ، وسميت مناة لأن النسائك كانت تمنى بها أي تراق ، وقال الحازمي : هي على سبعة أميال من المدينة وإليها نسبوا زيد مناة ، قوله : " الطاغية " صفة لمناة إسلامية وهي على زنة فاعلة من الطغيان ، ولو روي لمناة الطاغية بالإضافة ويكون الطاغية صفة للفرقة وهم الكفار لجاز ، قوله : " عند المشلل " بضم الميم وفتح الشين المعجمة وتشديد اللام الأولى المفتوحة اسم موضع قريب من قديد من جهة البحر ، ويقال : هو الجبل الذي يهبط منه إلى قديد من ناحية البحر ، وقال البكري هي ثنية مشرفة على قديد ، وقال السفاقسي : هي عند الجحفة ، وفي رواية لمسلم ، عن سفيان ، عن الزهري : بالمشلل من قديد ، وفي رواية للبخاري في تفسير البقرة من طريق مالك " عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : قلت لعائشة وأنا يومئذ حديث السن " فذكر الحديث ، وفيه " كانوا يهلون لمناة ، فكانت مناة حذو قديد " أي مقابله ، وقد مر أن قديدا بضم القاف قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة المياه ، قاله البكري ، قوله : " يتحرج " أي يحترز من الحرج ويخاف الإثم ، قوله : " فلما أسلموا " أي الأنصار ، قوله : " عن ذلك " أي الطواف بالصفا والمروة ، قوله : " إنا كنا نتحرج " إلى آخره ، وفي رواية مسلم أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا هم وغسان يهلون لمناة فتحرجوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة ، وكان ذلك سنة في آبائهم من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة ، وإنما كان ذلك لأن الأنصار كانوا يهلون في الجاهلية لصنمين على شط البحر يقال لهما أساف ونائلة ، ثم يجيئون فيطوفون بين الصفا والمروة ، ثم يحلقون ، فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعونه في الجاهلية ، فأنزل الله تعالى الآية ، وفي لفظ : إذا أهلوا لمناة لا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة ، ويقال إن الأنصار قالوا إنما أمرنا بالطواف ولم نؤمر بالسعي بين الصفا والمروة فنزلت الآية ، وقال السدي : كان في الجاهلية تعرف الشياطين في الليل بين الصفا والمروة وكانت بينهما آلهة ، فلما ظهر الإسلام قال المسلمون يا رسول الله لا نطوف بين الصفا والمروة فإنه شرك كنا نضعه في الجاهلية ، فنزلت الآية ، وفي الأسباب للواحدي قال ابن عباس : كان على الصفا صنم على صورة رجل يقال له أساف ، وعلى المروة صورة امرأة تدعى نائلة ، يزعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة ، مسخهما الله تعالى حجرين ، فوضعا على الصفا ليعتبر بهما ، فلما طالت المدة عبدا ، فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بينهما مسحوا الوثنين ، فلما جاء الإسلام وكسرت الأصنام كره المسلمون الطواف بينهما لأجل الصنمين فنزلت هذه الآية ، وروى الطبري وابن أبي حاتم في التفسير بإسناد حسن من حديث ابن عباس قال : قالت الأنصار : إن السعي بين الصفا والمروة من أمر الجاهلية ، فأنزل الله تعالى : إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ قوله : " وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي شرع ، وقال الكرماني : وجعل ركنا ، وقال بعضهم : أي فرضه بالسنة ، وليس مراد عائشة نفي فرضيتها ، ويؤيده قولها : لم يتم الله حج أحد ولا عمرته لم يطف بينهما ، قلت : قول الكرماني جعل ركنا غير موجه ؛ لأن لفظ سن لا يدل على معنى أنه جعله ركنا ، وإلا لا يبقى فرق بين السنة والركن ، وكيف نقول إنه ركن وركن الشيء ما هو داخل في ذات الشيء ، ولم يقل أحد أن السعي بين الصفا والمروة داخل في ماهية الحج ، وكذا قول بعضهم أي فرضه بالسنة ليس مدلول اللفظ ، وقوله وليس مراد عائشة نفي فرضيتها فنقول : وكذا لا يدل على إثبات فضيتها ، وقوله : يؤيده قولها إلى آخره ، لا يؤيده أصلا ولا يدل على مدعاه لأن نفي إتمام الشيء لا يدل على نفي وجوده ، فعلى كل حال لا يثبت الفرضية غاية ما في الباب يدل على أنه سنة مؤكدة وهي في قوة الواجب ، ونحن نقول به وسيجيء بيان الخلاف .
قوله : " ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن " المخبر هو الزهري وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، ويقال له راهب قريش لكثرة صلاته ، ولد في خلافه عمر بن الخطاب ومات سنة أربع وتسعين ، قاله عمرو بن علي ، وفي رواية مسلم ، عن سفيان ، عن الزهري ، قال الزهري : فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن هشام فأعجبه ذلك ، قوله : " إن هذا العلم " بفتح اللام التي هي للتأكيد وتنكير العلم ، وهي رواية الكشميهني ، وفي رواية الأكثرين أن هذا العلم أشار به إلى كلام عائشة ، وقوله : " ما كنت سمعته " وقع خبرا لأن ولفظ كنت بلفظ المتكلم ، وكلمة ما نافية ، وعلى رواية الكشميهني قوله : " لعلم " خبر إن ، وكلمة ما موصولة ، ولفظ كنت بلفظ المخاطب [9/288] وقال الكرماني : ما موصولة منصوب على الاختصاص أو مرفوع بأنه صفة له ، أو خبر بعد خبر ، قوله : " ولقد سمعت رجالا " القائل بهذا هو أبو بكر بن عبد الرحمن المذكور ، قوله : " إلا من ذكرت عائشة " هذا الاستثناء معترض بين اسم إن وخبرها ، واسم إن هو قوله : " الناس " في قوله إن الناس ، وخبرها هو قوله : " ممن كان يهل بمناة " ولفط مسلم " ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون : إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب يقولون : إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية " وقال آخرون من الأنصار : إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر به بين الصفا والمروة فأنزل الله عز وجل : إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ قال أبو بكر بن عبد الرحمن : فأراها قد أنزلت في هؤلاء وهؤلاء ، فإن قلت : ما وجه هذا الاستثناء ، قلت : وجهه أنه أشار به إلى أن الرجال من أهل العلم الذين أخبروا أبا بكر بن عبد الرحمن أطلقوا ولم يخصوا بطائفة ، وأن عائشة رضي الله تعالى عنها خصت الأنصار بذلك كما رواه الزهري ، عن عروة عنها ، وهو في صدر الحديث ، وهو قولها : ولكنها نزلت في الأنصار ، قوله : " أن يطوف بالصفا " بتشديد الطاء ، وأصله أن يتطوف فأبدلت التاء طاء لقرب مخرجهما ثم أدغمت الطاء في الطاء ، قوله : " فأسمع هذه الآية " وهي قوله : إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ وقوله " فأسمع " بفتح الهمزة وضم العين على صيغة المتكلم من المضارع ، وهكذا هو في أكثر الروايات ، وضبطه الدمياطي في نسخته بدرج الهمزة وسكون العين على صيغة الأمر ، فرواية مسلم فأراها نزلت في هؤلاء وهؤلاء كما ذكرناه الآن تدل على أن رواية العامة أصوب .
قوله : " في الفريقين " وهما الأنصار وقوم من العرب ، كما صرح به مسلم على ما ذكرناه ، قوله : " كليهما " يعني كلا الفريقين ، ويروى كلاهما ، قال الكرماني : هو على مذهب من يجعل المثنى في الأحوال كلها بالألف ، ثم قال : والفريق الأول هم الأنصار الذين يتحرجون احترازا من الصنمين ، والثاني هم غيرهم الذين يتحرجون بعدما كانوا يطوفون لعدم ذكر الله له .
قوله : " حتى ذكر ذلك " أي الطواف بينهما بعد ذكر الطواف بالبيت ، وذكر الطواف بالبيت هو قوله تعالى : وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ وذكر الطواف بين الصفا والمروة هو قوله : إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ بعد قوله : وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ووقع في رواية المستملي وغيره حتى ذكر بعد ذلك ما ذكر الطواف بالبيت ، قال بعضهم : وفي توجيهه عسر ، قلت : لا عسر فيه ، فهذا لكرماني وجهه فقال : لفظ ما ذكره بدل عن ذلك أو أن ما مصدرية والكاف مقدر كما في زيد أسد ، أي ذكر السعي بعد ذكر الطواف كذكر الطواف واضحا جليا ومشروعا مأمورا به .
( ذكر ما يستفاد منه ) : احتجت به الحنفية على أن السعي بين الصفا والمروة واجب ؛ لأن قول عائشة رضي الله تعالى عنهما : وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما ؛ يدل على الوجوب ورفع الجناح في الآية ، والتخيير ينفي الفرضية لا سيما من مذهب عائشة فيما حكاه الخطابي أن السعي بينهما تطوع ، وما ذهب إليه الحنفية هو مذهب الحسن وقتادة والثوري حتى يجب بتركه دم ، وعن عطاء : سنة لا شيء فيه ، وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود : هو فرض لا يصح الحج إلا به ، ومن بقي عليه شيء منه يرجع إليه من بلده ، فإن كان وطئ النساء قبل أن يرجع كان عليه إتمام حجه أو عمرته ويحج من قابل ويهدي ، كذا حكاه ابن بطال عنهم ، ونقل المروزي ، عن أحمد أنه مستحب ، واختار القاضي وجوبه وانجباره بالدم ، وقال ابن قدامة : وهو أقرب إلى الحق ، وعن طاوس : من ترك منه أربعة أشواط لزمه دم ، وإن ترك دونها لزمه لكل شوط نصف صاع ، وليس هو بركن ، وذكر ابن القصار عن القاضي إسماعيل أنه ذكر عن مالك فيمن تركه حتى تباعد وأصاب النساء أنه يجزيه ويهدي ، وقال شيخنا زين الدين رحمه الله تعالى في شرحه للترمذي : اختلفوا في السعي بين الصفا والمروة للحاج على ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه ركن لا يصح الحج إلا به ، وهو قول ابن عمر وعائشة وجابر ، وبه قال الشافعي ومالك في المشهور عنه ، وأحمد في أصح الروايتين عنه ، وإسحاق وأبي ثور لقوله صلى الله عليه وسلم " اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي " رواه أحمد والدارقطني والبيهقي من رواية صفية بنت شيبة ، عن حبيبة بنت أبي تجرأة بإسناد حسن ، وقال عبد العظيم : إنه حديث حسن ، قلت : قال ابن حزم في المحلى : إن حبيبة بنت أبي تجرأة مجهولة ، وقال شيخنا : هو مردود لأنها صحابية ، وكذلك صفية بنت شيبة صحابية ، والقول الثاني : أنه واجب يجبر بدم ، وبه قال الثوري وأبو حنيفة ومالك في العتبية كما حكاه ابن العربي ، والقول الثالث : أنه ليس بركن ولا واجب بل هو سنة ومستحب ، وهو قول ابن عباس وابن سيرين وعطاء ومجاهد وأحمد في رواية : ومن [9/289] طاف فقد حل ، وقال شيخنا : قد يستدل برفع قوله : " خذوا عني مناسككم " على اشتراط الموالاة بين الطواف والسعي بحيث يضر الفصل الطويل ، وهو أحد قولين فيما حكاه المتولي ، وقال الرافعي : والظاهر أنه لا يقدح ، قاله القفال وغيره .