باب : فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ

أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى : فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ إلى آخر الآية ، هكذا وقع قوله : فَمَنْ تَمَتَّعَ إلى حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ في رواية أبي ذر وأبي الوقت ، ووقع في طريق كريمة ما بين قوله : الهدي وقوله : حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وقال بعضهم : وغرض البخاري بذلك تفسير الهدي ، وذلك أنه لما انتهى في صفة الحج إلى الوصول إلى منى ، أراد أن يذكر أحكام الهدي والنحر ؛ لأن ذلك يكون غالبا بمنى ، انتهى .
قلت : حصره على هذا الغرض وحده لا وجه له ، بل إنما ذكر هذه الآية الكريمة لاشتمالها على مسائل منها حكم الهدي والمتعة ، وذكر في الباب حكمها فقط اكتفاء بما ذكر غيرهما من الأحكام في الأبواب السابقة .
أما المسائل التي تشتمل هذه الآية الكريمة عليها ، فأولها حكم التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقد ذكر في باب التمتع والإقران ، وباب التمتع على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - الثانية حكم الهدي ، فذكره في حديث هذا الباب ، الثالثة حكم الصوم فذكره أيضا في باب قوله تعالى : ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الرابعة حكم حاضري المسجد الحرام ، فذكره أيضا في باب قول الله تعالى : ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وقد اختلف العلماء فيما استيسر من الهدي ، فقالت طائفة : شاة ، روي ذلك عن علي - رضي الله تعالى عنه - وابن عباس - رضي الله تعالى عنه - رواه عنهما مالك في موطئه وأخذ به ، وقال به جمهور العلماء واحتج بقول الله تعالى : هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ قال : وإنما يحكم به في الهدي شاة ، وقد سماها الله تعالى هديا ، وروي عن طاوس ، عن ابن عباس ما يقتضي أن ما استيسر من الهدي في حق النبي بدنة ، وفي حق غيره بقرة ، وفي حق الفقير شاة . وعن ابن عمر وابن الزبير وعائشة رضي الله تعالى عنهم أنه من الإبل والبقر خاصة ، وكأنهم ذهبوا إلى ذلك من أجل قوله تعالى : وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فذهبوا إلى أن الهدي ما وقع عليه اسم بدن ، ويرده قوله تعالى : فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ إلى قوله : هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ وقد حكم المسلمون في الظبي بشاة ، فوقع عليها اسم هدي ، وقوله تعالى : فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا يحتمل أن يشير به إلى أقل أجناس الهدي ، وهو الشاة ، وإلى أقل صفات كل جنس ، وهو ما روي عن ابن عمر البدنة دون البدنة والبقرة دون البقرة ، فهذا عنده أفضل من الشاة ولا خلاف يعلم في ذلك ، وإنما محل الخلاف أن الواجد للإبل والبقر هل يخرج شاة ؟ فعند ابن عمر يمنع إما تحريما ، وأما كراهة ، وعند غيره نعم ، وروي عن ابن عمر وأنس : يجزئ فيها شرك في دم ، وروي عن عطاء وطاوس والحسن مثله ، وهو قول أبي حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور ، ولا تجزئ عندهم البدنة أو البقرة ، عن أكثر من سبعة ، ولا الشاة عن أكثر من واحد ، وأما ما روي أنه - - صلى الله عليه وسلم - ضحى بشاة ، عن أمته فإنما كانت تطوعا ، وعند المالكية تجوز البدنة أو البقرة عن أكثر من سبعة إذا كانت ملكا لرجل واحد وضحى بها عن نفسه وأهله .
271 - حدثنا إسحاق بن منصور ، قال : أخبرنا النضر قال : أخبرنا شعبة قال : حدثنا أبو جمرة قال : سألت ابن عباس - رضي الله عنهما - عن المتعة فأمرني بها ، وسألته عن الهدي ، فقال : فيها جزور أو بقرة أو شاة أو شرك في دم . قال : وكأن ناسا كرهوها ، فنمت فرأيت في المنام كأن إنسانا ينادي حج مبرور ومتعة متقبلة ، فأتيت ابن عباس - رضي الله عنهما - فحدثته فقال : الله أكبر ، سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - ) .

مطابقته للترجمة في قوله : فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وفي قوله : فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وقد مضى هذا الحديث في باب التمتع [10/26] والأقران ، فإنه أخرجه هناك عن آدم ، عن شعبة ، عن أبي جمرة إلى آخره ، فارجع إليه هناك ، وهنا أخرجه عن إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج أبي يعقوب المروزي شيخ مسلم أيضا ، عن النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل مصغر الشمل بالشين المعجمة صاحب الغريبة ، مر في باب الوضوء ، عن شعبة بن الحجاج ، عن أبي جمرة بفتح الجيم وبالراء واسمه نضر بن عمران الضبعي .
قوله : " فأمرني بها " أي بالمتعة ، قوله : " وسألته " : أي ابن عباس - رضي الله عنه - " عن الهدي ما هو فقال " أي ابن عباس " فيها " : أي في المتعة : " جزور " بفتح الجيم وضم الزاي ، وهو من الإبل يقع على الذكر والأنثى ، وفي المحكم الجزور الناقة المجزورة وهو مأخوذ من الجزر ، أي القطع ، قيل : لفظه مؤنث تقول : هذه الجزور .
( قلت ) : لا يقال : هذه الجزور مطلقا ؛ لأنه يقع على الذكر أيضا كما ذكرناه ، قوله : " أو شرك " بكسر الشين المعجمة ، وسكون الراء : أي مشاركة في إراقة دم وذلك لأن البدنة أو البقرة تجزئ عن سبع شياه ، فإذا شارك غيره في سبع إحداهما أجزأ عنه ، وروى مسلم " عن جابر قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهلين بالحج ، فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نشترك في الإبل والبقر ، كل سبعة منا في بدنة " ، قوله : " قال وكأن ناسا " أي قال أبو جمرة ، قوله : " كرهوها " : أي المتعة ، قوله : " ومتعة متقبلة " قال الإسماعيلي وغيره : تفرد النضر بقوله : " ومتعة " ولا أعلم أحدا من أصحاب شعبة رواه عنه إلا قال : عمرة ، وقال أبو نعيم : قال أصحاب شعبة كلهم عمرة إلا النضر ، قال : متعة ، وقد أشار البخاري إلى هذا بما علقه بعد كما يأتي عن قريب ، قوله : " فقال الله أكبر " إنما يقال هذا حين يسمع المرء بما يسر به ، وفي الحقيقة إنما هو تعجب عن رؤياه التي اتفقت مع فتواه التي هي السنة ، قوله : " سنة أبي القاسم " ارتفاع سنة على أنه خبر مبتدأ محذوف : أي هذا سنة أبي القاسم ، أي طريقته وهو المبين عن ربه - عز وجل - لما أجمل وإنما حدث به ابن عباس ليعرفه أن فتواه حق .
( فإن قلت ) : المتعة في الآية للمحصرين بالحج ولم يذكر معهم من لم يحصر .
( قلت ) : في الآية ما يدل على أن غير المحصر قد دخلوا فيها بما قد اجتمعوا عليه وهو قوله تعالى : وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ الآية فلم يختلف أهل العلم في المحرم بالحج والعمرة ممن لم يحصر أنه إذا أصابه أذى في رأسه أو مرض أنه يحلق وأن عليه الفدية المذكورة في الآية التي تليها ، وأن القصد بها إلى المحصر لا يمنع أن يكون غيره فيه كهو بل هو أولى مما ذكرنا من المعنى الأول الذي في الآية ؛ لأنه قال في المعنى : فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ ولم يقل ذلك في المعنى الثاني منها .
( قال : وقال آدم ووهب بن جرير وغندر عن شعبة : عمرة متقبلة وحج مبرور )

أي قال البخاري : وقال آدم بن أبي إياس ، ووهب بن جرير بن حازم الأزدي البصري ، وغندر هو محمد بن جعفر البصري ابن امرأة شعبة ، عن شعبة : عمرة متقبلة وحج مبرور ، وقد ذكرنا أن البخاري أشار بهذا إلى ما قاله الإسماعيلي ، وأبو نعيم أن أصحاب شعبة كلهم قالوا : عمرة إلا النضر ، فإنه قال : متعة ، أما طريق آدم فوصلها البخاري في باب التمتع والإقران ، قال حدثنا آدم حدثنا شعبة ، أخبرنا أبو جمرة نضر بن عمران الضبعي قال : تمتعت فنهاني ناس ، الحديث ، وأما طريق وهب بن جرير فوصلها البيهقي من طريق إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير ، وأما طريق غندر فوصلها أحمد عنه ، وأخرجها مسلم ، عن أبي موسى وبندار كلاهما عن غندر .