( باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته )

أي هذا باب في بيان حكم من ألقي على ظهره نجاسة ، وهو في الصلاة ، وقوله : " لم تفسد عليه صلاته " جواب " إذا " ، والقذر بفتح الذال المعجمة ضد النظافة ، يقال : قذرت الشيء بالكسر إذا كرهته ، والجيفة جثة الميت المريحة وجه المناسبة بين البابين من حيث إن الباب الأول يشتمل على حكم وصول النجاسة إلى الماء ، وهذا الباب يشتمل على حكم وصولها إلى المصلي ، وهو في الصلاة ، وهذا المقدار يتلمح به في وجه الترتيب ، وإن كان حكمهما مختلفا ، فإن في الباب الأول وصول البول إلى الماء الراكد ينجسه كما ذكرناه فيه مستقصى بما قالت العلماء فيه ، وفي هذا الباب وصول النجاسة إلى المصلي لا تفسد صلاته على ما زعم البخاري ، فإنه وضع هذا الباب لهذا المعنى ، ولهذا صرح بقوله : " لم تفسد عليه صلاته " ، وهذا يمشي على مذهب من يرى عدم اشتراط إزالة النجاسة لصحة الصلاة أو على مذهب من يقول : إن من حدث له في صلاة ما يمنع انعقادها ابتداء لا تبطل صلاته ، وقال بعضهم : قوله: لم تفسد محله ما إذا لم يعلم بذلك ، وتمادى ، ويحتمل الصحة مطلقا على قول من يذهب إلى أن اجتناب النجاسة في الصلاة ليس بفرض ، وعلى قول من ذهب إلى منع ذلك في الابتداء دون ما يطرأ ، وإليه ميل المصنف ، انتهى .
قلت : من أين علم ميل المصنف إلى القول الثاني ؟ وقد وضع هذا الباب وترجم بعدم الفساد مطلقا ، ولم يقيد بشيء مما ذكره هذا القائل على أنه قد أكد ما ذهب إليه من الإطلاق بما روي عن عبد الله بن عمر ، وسعيد بن المسيب ، وعامر الشعبي رضي الله تعالى عنهم على أن فيه نظرا على ما نذكره عن قريب إن شاء الله تعالى ، وقال هذا القائل أيضا : وعليه يخرج صنيع الصحابي الذي استمر في الصلاة بعد أن سالت منه الدماء برمي من رماه ، قلت : هذا الصحابي في حديث جابر رضي الله تعالى عنه رواه أبو داود في سننه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني في غزوة ذات الرقاع ، الحديث ، وفيه : فنزل النبي عليه الصلاة والسلام منزلا ، وقال : من رجل يكلؤنا ، فانتدب رجل من المهاجرين ، ورجل من الأنصار ، وقال : كونا بفم الشعب ، قال : فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب اضطجع المهاجري ، وقام الأنصاري يصلي ، وأتى رجل ، فلما رأى شخصه عرفه أنه ربيئة للقوم ، فرماه بسهم له ، فوضعه فيه ، ونزعه حتى قضى ثلاثة أسهم ، ثم ركع ، وسجد ، الحديث ، وتخريج هذا القائل صنيع هذا الصحابي على ما ذكره غير صحيح ؛ لأن هذا فعل واحد من الصحابة ، ولعله كان ذهل عنه ، أو كان غير عالم بحكمه ، والتحقيق فيه أن الدم حين خرج أصاب بدنه وثوبه ، فكان ينبغي أن يخرج من الصلاة ، ولم يخرج ، فلما لم يدل مضيه في الصلاة على جواز الصلاة مع النجاسة كذلك لا يدل مضيه فيها على أن خروج الدم لا ينقض الوضوء .
( وكان ابن عمر إذا رأى في ثوبه دما وهو يصلي وضعه ومضى في صلاته ) .

هذا الأثر لا يطابق الترجمة ؛ لأن فيها : ما إذا أصاب المصلي نجاسة ، وهو في الصلاة لا تفسد صلاته ، والأثر يدل على أن ابن عمر إذا رأى في ثوبه دما وهو في الصلاة وضع ثوبه يعني ألقاه ، ومضى في صلاته ، فهذا صريح على أنه لا يرى جواز الصلاة مع إصابة النجاسة في ثوبه ، والدليل على صحة ما قلنا ما رواه ابن أبي شيبة من طريق برد بن سنان ، عن نافع ، عنه : أنه كان إذا كان في الصلاة ، فرأى في ثوبه دما ، فاستطاع أن يضعه وضعه ، وإن لم يستطع خرج فغسله ، ثم جاء يبني على ما كان صلى ، وقال بعضهم : وهو يقتضي أنه كان يرى التفرقة بين الابتداء ، والدوام ، قلت : لا يقتضي هذا أصلا ، وإنما يدل على أنه كان لا يرى جواز الصلاة مع وجود النجاسة مع المصلي مطلقا ، وهذا حجة قوية لأبي يوسف فيما ذهب إليه من أن المصلي إذا كان انتضح عليه البول أكثر من قدر الدرهم ينصرف ويغسل ، ويبني على صلاته ، وكذلك إذا ضرب رأسه ، أو صدمه شيء ، فسال منه الدم .
[3/171] ( وقال ابن المسيب ، والشعبي : إذا صلى وفي ثوبه دم ، أو جنابة ، أو لغير القبلة ، أو تيمم وصلى ، ثم أدرك الماء في وقته لا يعيد ) .

وقع للأكثرين ، وقال ابن المسيب : ووقع للمستملي ، والسرخسي ، وكان ابن المسيب بدل قال فإن قلت : فعلى هذا ينبغي أن يثنى الضمير ؛ لأن المذكور اثنان وهما ابن المسيب ، والشعبي ، قلت : أراد كل واحد منهما ، فإن ابن المسيب هو سعيد ، والشعبي هو عامر ، وهذا الأثر إنما يطابق الترجمة إذا عمل بظاهره على الإطلاق ، أما إذا قيل : المراد من قوله : دم أقل من قدر الدرهم عند من يرى ذلك ، أو شيء يسير عند من ذهب إلى أن اليسير عفو ، فلا يطابق الترجمة على ما لا يخفى ، وكذلك الجنابة لا تطابق عند من يراه طاهرا ، والمراد من الجنابة أثرها ، وهو المني ، أو فيه إطلاق الجنابة على المني من قبيل ذكر المسبب وإرادة السبب ، قوله : " أو لغير القبلة " أي : أو صلى لغير القبلة على اجتهاده ، ثم تبين الخطأ ، قوله : " أو تيمم " أي : عند عدم الماء ، وكل هذه قيود لا بد منها على ما لا يخفى ، قوله : " ولا يعيد " أي : الصلاة ، وذكر ابن بطال عن ابن مسعود ، وابن عمر ، وسالم ، وعطاء ، والنخعي ، ومجاهد ، والزهري ، وطاوس أنه إذا صلى في ثوب نجس ثم علم به بعد الصلاة لا إعادة عليه ، وهو قول الأوزاعي ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وعن ربيعة ، ومالك : يعيد في الوقت ، وعن الشافعي يعيد أبدا ، وبه قال أحمد رحمه الله تعالى .
102 - حدثنا عبدان ، قال : أخبرني أبي ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد ح ، قال : وحدثني أحمد بن عثمان ، قال : حدثنا شريح بن مسلمة ، قال : حدثنا إبراهيم بن يوسف ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، قال : حدثني عمرو بن ميمون أن عبد الله بن مسعود حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي عند البيت ، وأبو جهل ، وأصحاب له جلوس إذ قال بعضهم لبعض : أيكم يجيء بسلا جزور بني فلان ، فيضعه على ظهر محمد إذا سجد ، فانبعث أشقى القوم ، فجاء به ، فنظر حتى إذا سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه على ظهره بين كتفيه ، وأنا أنظر ، لا أغني شيئا ، لو كان لي منعة ، قال : فجعلوا يضحكون ، ويحيل بعضهم على بعض ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد لا يرفع رأسه حتى جاءته فاطمة ، فطرحت عن ظهره ، فرفع رأسه ، ثم قال : اللهم عليك بقريش ثلاث مرات ، فشق عليهم إذ دعا عليهم ، قال : وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة ، ثم سمى : اللهم عليك بأبي جهل ، وعليك بعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وأمية بن خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، وعد السابع ، فلم نحفظه ، قال : فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عد رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى في القليب قليب بدر .

مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة ؛ لأن ظاهره يدل على ما ذهب إليه ، ولكن عنه أجوبة تأتي فيه بعون الله وتوفيقه .
( بيان رجاله ) وهم عشرة أنفس : الأول : عبدان بن عثمان بن جبلة ، وقد تقدم عن قريب في باب غسل المني وفركه ، الثاني : أبو عثمان بن جبلة بفتح الجيم والباء الموحدة ، الثالث : شعبة بن الحجاج ، وقد تقدم مرارا ، الرابع أبو إسحاق السبيعي ، اسمه عمرو بن عبد الله الكوفي التابعي ، تقدم ذكره في باب الصلاة من الإيمان ، والسبيعي بفتح السين المهملة ، وكسر الباء الموحدة ، الخامس : عمرو بن ميمون أبو عبد الله الكوفي الأودي بفتح الهمزة ، وبالدال المهملة ، أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يلقه ، وحج مائة حجة ، وعمرة ، وأدى صدقته إلى عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي رأى قردة زنت في [3/172] الجاهلية ، فاجتمعت القردة فرجموها ، مات سنة خمس وسبعين ، السادس : أحمد بن عثمان بن حكيم بفتح الحاء ، وكسر الكاف الأودي الكوفي ، مات سنة ستين ومائتين ، السابع : شريح بضم الشين المعجمة ، وفتح الراء ، وسكون الياء آخر الحروف ، وفي آخره حاء مهملة ابن مسلمة بفتح الميم واللام وسكون السين المهملة الكوفي التنوحي بالتاء المثناة من فوق ، وبالنون المشددة ، وبالحاء المهملة ، ويقال : بالخاء المعجمة ، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين ، كذا ضبطه الكرماني ، والتنوح بالنون المشددة ، وقال الجوهري في مادة نوخ : وتنوخ وهي حي من اليمن ولا تشدد النون ، الثامن : إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي ، مات سنة ثمان وتسعين ومائة ، التاسع : أبوه يوسف المذكور ، العاشر : عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه .
( بيان لطائف إسناده ) وهنا إسنادان في الأول التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد ، والإخبار بصيغة الإفراد ، والعنعنة في أربعة مواضع ، وفي الثاني التحديث بصيغة الإفراد في ثلاثة مواضع ، وبصيغة الجمع في موضعين ، والعنعنة في موضعين ، وفيه أن رواته كوفيون غير عبدان وأبيه ، فإنهما مروزيان ، ومن لطائف إسناده أنه قرن رواية عبدان برواية أحمد بن عثمان مع أن اللفظ لرواية أحمد تقوية لروايته برواية عبدان ؛ لأن في إبراهيم بن يوسف مقالا ، فقال عياش : عن ابن معين ليس بشيء ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، وقال الجوزجاني : ضعيف ، وقال أبو حاتم يكتب حديثه ، ومن لطائفه أن رواية أحمد صرحت بالتحديث لأبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، ولعمرو بن ميمون ، عن عبد الله بن مسعود ، ومنها أن روايته عينت ابن عبد الله المذكور في رواية عبدان ، هو عبد الله بن مسعود ، ومنها أن المذكور في رواية عبدان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية أحمد النبي صلى الله عليه وسلم .
( بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري هنا ، وفي الجزية عن عبدان ، عن أبيه ، وفي مبعث النبي صلى الله عليه وسلم عن محمد بن بشار ، وهاهنا أيضا عن أحمد بن عثمان ، وفي الصلاة عن أحمد بن إسحاق ، وفي الجهاد عن عبد الله بن أبي شيبة ، وفي المغازي عن عمرو بن خالد مختصرا ، وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي بكر عبد الله بن أبي شيبة ، وعن محمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار ، وعن سلمة بن شبيب مختصرا ، وعن عبد الله بن عمر بن أبان ، وأخرجه النسائي في الطهارة عن أحمد بن عثمان بن حكيم ، عن خالد بن مخلد ، وفي السير عن أحمد بن سليمان ، وعن إسماعيل بن مسعود ، وهذا الحديث لا يروى إلا بإسناد أبي إسحاق المذكور .
( بيان لغاته ) قوله : " سلا جزور بني فلان " سلا بفتح السين المهملة وبالقصر هي الجلدة التي يكون فيها الولد ، والجمع أسلا ، وخص الأصمعي السلا بالماشية ، وفي الناس بالمشيمة ، وفي ( المحكم ) السلا يكون للناس ، والخيل ، والإبل ، وقال الجوهري : هي جلدة رقيقة إن نزعت عن وجه الفصيل سالمة يولد وإلا قتلته ، وكذلك إذا انقطع السلا في البطن ، وألف سلا منقلبة عن ياء ، ويقويه ما حكاه أبو عبيد من أن بعضهم قال : سليت الشاة إذا نزعت سلاها ، والجزور بفتح الجيم ، وضم الزاي من الإبل يقع على الذكر والأنثى ، وهي تؤنث ، والجمع الجزر ، تقول : جزرت الجزور أجزرها بالضم ، واجتزرتها إذا نحرتها ، وقال بعضهم : الجزور من الإبل ما يجزر ، أي : يقطع ، قلت : لا يدرى من أي موضع نقله ؟ قوله : " فانبعث " أي : أسرع ، وهو مطاوع بعث يقال : بعثه فانبعث بمعنى أرسله فانبعث ، قوله : " منعة " بفتح النون وحكي إسكانها ، قال النووي : وهو شاذ ضعيف ، قلت : يرد عليه ما ذكره في كتابه ( المحكم ) : المنعة ، والمنعة ، والمنعة ، وقال يعقوب في الألفاظ : منعة ، ومنعة ، وقال القزاز : فلان في منعة من قومه ، ومنعة أي عز ، وفي كتاب ابن القوطية ، وابن طريف : منع الحصن مناعا ، ومنعة لم يرم ، وفي ( الغريبين ) : فلان في منعة أي : في تمنع على من رامه ، وفلان في منعة أي في قوم يمنعونه من الأعداء ، قوله : " صرعى " جمع صريع كجرحى جمع جريح ، قوله : " في القليب " بفتح القاف ، وكسر اللام ، وهو البئر قبل أن يطوى يذكر ويؤنث ، وقال أبو عبيد : هي البئر العادية القديمة ، وجمع القلة : أقلبة ، والكثرة قلب .
( بيان اختلاف ألفاظه ) قوله : " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد " بقيته من رواية عبدان المذكورة : " وحوله ناس من قريش من المشركين " ، ثم ساق الحديث مختصرا ، قوله : " إن عبد الله " ، وفي رواية الكشميهني : " عن عبد الله " ، قوله : " فيضعه " [3/173] زاد في رواية إسماعيل : " فيعمد إلى فرثها ، ودمها ، وسلاها ، ثم يمهله حتى يسجد " ، قوله : " فانبعث أشقى القوم " ، وفي رواية الكشميهني ، والسرخسي : " أشقى قوم " بالتنكير ، ولا خلاف في أن أفعل التفضيل إذا فارق كلمة من أنه يعرف باللام أو بالإضافة ، فإن قلت : أي فرق في المعنى في إضافته إلى المعرفة والنكرة ؟ قلت : بالتعريف والتخصيص ظاهر ، وأيضا النكرة لها شيوع معناه : أشقى قوم ، أي قوم كان من الأقوام ، يعني : أشقى كل قوم من أقوام الدنيا ، ففيه مبالغة ليست في المعرفة ، وقال بعضهم : والمقام يقتضي الأول ، يعني : أشقى القوم بالتعريف ؛ لأن الشقاء هاهنا بالنسبة إلى أولئك الأقوام فقط ، قلت : التنكير أولى لما قلنا من المبالغة ، لأنه يدخل هاهنا دخولا ثانيا بعد الأول ، وهذا القائل ما أدرك هذه النكتة ، وقد روى الطيالسي في مسنده هذا الحديث من طريق شعبة نحو رواية يوسف المذكورة ، وقال فيه : " فجاء عقبة بن أبي معيط ، فقذفه على ظهره " ، قوله : " لا أغني " من الإغناء كذا هو في رواية الأكثرين ، وفي رواية الكشميهني والمستملي : " لا أغير " ، قوله : " فجعلوا يضحكون " ، وفي رواية : " حتى مال بعضهم على بعض من الضحك " ، قوله : " فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، زاد إسرائيل : " وهي جويرية فأقبلت تسعى، وثبت النبي عليه الصلاة والسلام ساجدا " ، قوله : " فطرحته " بالضمير المنصوب في رواية الأكثرين ، وفي رواية الكشميهني : " فطرحت " بحذف الضمير ، وزاد إسرائيل : " وأقبلت عليهم تسبهم " ، وزاد البزار : " فلم يردوا عليها شيئا " ، قوله : " فرفع رأسه " ، زاد البزار من رواية زيد بن أبي أنيسة ، عن إسحاق : " فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد اللهم " ، قال البزار : تفرد بقوله : " أما بعد " زيد ، قوله : " ثم قال " كذا بكلمة " ثم " وهو يشعر بمهلة بين الرفع والدعاء ، وفي رواية الأجلح عند البزار : " فرفع رأسه كما كان يرفعه عند تمام سجوده " ، قوله : " فلما قضى صلاته قال : " اللهم " ، ولمسلم ، والنسائي نحوه ، والظاهر من ذلك أن دعاءه وقع خارج الصلاة ، لكن وقع وهو مستقبل القبلة ، كما ثبت من رواية زهير ، عن أبي إسحاق عند البخاري ، ومسلم ، قوله : " ثلاث مرات " كرره إسرائيل في رواية لفظا لا عددا ، وزاد مسلم في رواية زكريا : " وكان إذا دعا دعا ثلاثا ، وإذا سأل سأل ثلاثا " ، قوله : " فشق ذلك عليهم " ، ولمسلم من رواية زكريا : " فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته " ، قوله : " وكانوا يرون " بفتح الياء ، ويروى بالضم ، قوله : " في ذلك البلد " وهو مكة ، ووقع في مستخرج أبي نعيم من الوجه الذي أخرجه البخاري في الثالثة بدل قوله : " في ذلك البلد " ، قوله : " بأبي جهل " ، وفي رواية إسرائيل : " بعمرو بن هشام " ، وهو اسم أبي جهل ، قوله : " والوليد بن عتبة " بضم العين ، وسكون التاء المثناة من فوق ، ثم بباء موحدة ، ولم تختلف الروايات فيه أنه كذا إلا أنه وقع في رواية مسلم من رواية زكريا بالقاف بدل التاء ، وهو وهم نبه عليه ابن سفيان الراوي ، عن مسلم ، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق شيخ مسلم على الصواب ، قوله : " وأمية بن خلف " وفي رواية شعبة : " أو أبي بن خلف " شك شعبة ، والصحيح أمية ؛ لأن المقتول ببدر هو أمية بإطباق أصحاب المغازي عليه ، وأخوه أبي بن خلف قتل بأحد ، قوله : " فلم نحفظه " بنون المتكلم ، ويروى بالياء آخر الحروف ، قوله : " قال : فوالذي نفسي بيده " أي : قال ابن مسعود ذلك ، وفي رواية مسلم : " والذي بعث محمدا بالحق " ، وفي رواية النسائي : " والذي أنزل عليه الكتاب " ، وفي بعض النسخ : " والذي نفسي بيده " ، قوله : " صرعى في القليب " ، ورواية إسرائيل من الزيادة : " لقد رأيتهم صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر " .
( بيان إعرابه ) قوله : " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم " أصله بين والألف زيدت لإشباع الفتحة ، وهو مضاف إلى الجملة بعده ، والعامل فيه إذ قال بعضهم الذي يجيء في الحديث بعد التحويل إلى الإسناد الثاني ، قوله : " رسول الله صلى الله عليه وسلم " مبتدأ ، وخبره قوله : " ساجد " ، قوله : " وأبو جهل " مبتدأ ، " وأصحاب له " عطف عليه ، وقوله : " جلوس " خبره ، والجملة نصب على الحال ، ومتعلق له محذوف ، أي أصحاب كائنون له ، أي لأبي جهل ، ويجوز أن يكون " جلوس " خبر أصحاب ، وخبر أبي جهل محذوف كقول الشاعر :
(
نحن بما عندنا وأنت بما
عندك راض والرأي مختلف
)
والتقدير نحن راضون بما عندنا ، قوله : " رأيت الذين عد " ، مفعوله محذوف ، أي عدهم ، ويروى " الذي " مفردا ، ويجوز ذلك كما في قوله تعالى : وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أي كالذين ، قوله : " صرعى " مفعول ثان لقوله : " رأيت " ، قوله : " قليب بدر " بالجر بدل من قوله : " في القليب " ، ويجوز فيه الرفع ، والنصب من جهة العربية ، أما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو [3/174] قليب بدر ، وأما النصب فعلى تقدير : أعني قليب بدر .
( بيان المعاني ) وأبو جهل وأصحاب له هم السبعة المدعو عليهم بينه البزار من طريق الأجلح عن أبي إسحاق قوله : " إذ قال بعضهم " هو أبو جهل ، سماه مسلم من رواية زكريا ، وزاد فيه : " وقد نحرت جزور بالأمس " ، وجاء في رواية أخرى : " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي في ظل الكعبة ، وجمع من قريش في مجالسهم ، إذ قال قائل منهم : ألا تنظروا إلى هذا المرائي " ، قوله : " أشقى القوم " هو عقبة بن أبي معيط ، ومعيط بضم الميم ، وفتح العين المهملة ، وقال الداودي : إنه أبو جهل ، فقوله : " وأنا أنظر " أي قال عبد الله : وأنا شاهد تلك الحالة ، قوله : " لا أغني " أي في كف شرهم ، ومعنى : " لا أغير " ، أي شيئا من فعلهم ، قوله : " فجعلوا يضحكون " أي استهزاء قاتلهم الله ، قوله : " ويحيل " بالحاء المهملة ، يعني ينسب فعل ذلك بعضهم إلى بعض ، من قولك : أحلت الغريم ، إذا جعلت له أن يتقاضى المال من غيرك ، وجاء " أحال " أيضا بمعنى " وثب " وفي الحديث : " أن أهل خيبر أحالوا إلى الحصن " ، أي وثبوا ، وفي رواية مسلم من رواية زكريا : " ويميل " بالميم ، أي من كثرة الضحك ، وفي كتاب الصلاة في باب المرأة تطرح على المصلي شيئا من الأذى ، ولفظه : " حتى مال بعضهم على بعض " ، قوله : " فاطمة " هي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب بعد وقعة أحد ، وسنها يومئذ خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ، روي لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر حديثا ، وفي الصحيحين لها حديث واحد ، روت عنها عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها ، توفيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر بالمدينة ، وقيل : بمائة يوم ، وقيل : غير ذلك ، وغسلها علي رضي الله تعالى عنه ، وصلى عليها ، ودفنت ليلا ، وفضائلها لا تحصى ، وكفى لها شرفا كونها بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قوله : " بقريش " أي بهلاك قريش ، فإن قلت : كيف جاز الدعاء على كل قريش وبعضهم كانوا يومئذ مسلمين كالصديق وغيره ؟ قلت : لا عموم للفظ ، ولئن سلمنا فهو مخصوص بالكفار منهم بل ببعض الكفار ، وهم أبو جهل ، وأصحابه بقرينة القصة ، قوله : " مستجابة " أي مجابة ، يقال : استجاب ، وأجاب بمعنى واحد ، وما كان اعتقادهم إجابة الدعوة من جهة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل من جهة المكان ، قوله : " ثم سمى " أي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتفصيل ما أراد بذلك المجمل ، قوله : " بأبي جهل " واسمه عمرو بن هشام بن المغيرة ، كانت قريش تكنيه أبا الحاكم وكناه صلى الله عليه وسلم أبا جهل ، ولهذا قال الشاعر :
(
الناس كنوه أبا حكم
والله كناه أبا جهل
)
ويقال : كان يكنى أبا الوليد ، وكان يعرف بابن الحنظلية ، وكان أحول ، وفي ( المحبر ) كان مأبونا ، ويقال : إنه أخذ من قول عتبة بن ربيعة : سيعلم مصعر استه من انتفخ سحره ، وفي ( الوشاح ) لابن دريد هو أول من حز رأسه ، ولما رآه صلى الله عليه وسلم قال : " هذا فرعون هذه الأمة " ، قوله : " وعد السابع " فاعل " عد " رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو عبد الله بن مسعود ، وفاعل " فلم نحفظه " عبد الله ، أو عمرو بن ميمون ، قاله الكرماني ، وقال بعضهم : قلت : فلا أدري من أين تهيأ له الجزم بذلك مع أن في رواية الثوري عند مسلم ما يدل على أن فاعل " عد " عمرو بن ميمون انتهى .
قلت : الكرماني لم يجزم بذلك ، بل ذكره بالشك ، فكيف ينكر عليه بلا وجه ، وأما السابع الذي لم يذكر هنا فهو مذكور عند البخاري في موضع آخر ، وهو عمارة بن الوليد بن المغيرة ، وكذا ذكره البرقاني وغيره ، وقال صاحب ( التلويح ) : وهو مشكل ؛ لأن عمارة هذا ذكر ابن إسحاق وغيره له قصة طويلة مع النجاشي ، إذ تعرض لامرأته فأمر النجاشي ساحرا فنفخ في إحليل عمارة من سحره عقوبة له ، فتوحش وصار مع البهائم إلى أن مات في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه في أرض الحبشة ، قال بعضهم : والجواب أن كلام ابن مسعود في أنه رآهم صرعى في القليب محمول على الأكثر ، انتهى .
قلت : هذا الجواب أخذه هذا القائل من الكرماني ، فإنه قال : وأجيب بأن المراد رأى أكثرهم بدليل أن ابن معيط لم يقتل ببدر ، بل حمل منها أسيرا ، فقتله النبي صلى الله عليه وسلم بعد انصرافه من بدر على ثلاثة أميال مما يلي المدينة ، قلت : بموضع يسمى عرق الظبية ، وهو من الروحاء على ثلاثة أميال من المدينة ، وقيل : إنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أتقتلني من بين سائر قريش ؟ قال : نعم ، ثم قال : بينا أنا بفناء الكعبة ، وأنا ساجد خلف المقام إذ أخذ بمنكبي فلف ثوبه على عنقي ، فخنقني خنقا شديدا ، ثم جاء مرة أخرى بسلا جزور بني فلان ، وكان عقبة من المستهزئين أيضا ، وذكر محمد بن حبيب أنه من زنادقة قريش ، واسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو ، والذي دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم سبعة أنفس كما ذكروا وهم : أبو جهل ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وأمية بن [3/175] خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، وعمارة بن الوليد بن المغيرة ، أما أبو جهل فقتله معاذ بن عمرو بن الجموح ، ومعاذ بن عفراء ، ذكره في الصحيحين : " ومر عليه ابن مسعود وهو صريع ، واحتز رأسه ، وأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : هذا رأس عدو الله ، ونفله رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله ، هذا كان فرعون هذه الأمة ، ورأس أئمة الكفر " ، وفي رواية البيهقي : " فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا " ، وأما عتبة ابن ربيعة ، فقتله حمزة رضي الله عنه ، وقيل : اشترك حمزة وعلي رضي الله تعالى عنهما في قتله ، وأما شيبة بن ربيعة بن عبد شمس أخو عتبة بن ربيعة ، فقتله حمزة أيضا ، وأما الوليد بن عتبة بالتاء المثناة من فوق ، فقتله عبيدة بن الحارث ، وقيل : علي ، وقيل : حمزة ، وقيل : اشتركا في قتله ، وأما أمية بن خلف بن صفوان بن أمية فقد اختلف أهل السير في قتله ، فذكر موسى بن عقبة : قلته رجل من الأنصار من بني مازن ، وقال ابن إسحاق : إن معاذ بن عفراء ، وخارجة بن زيد ، وحبيب بن إساف اشتركوا في قتله ، وادعى ابن الجوزي أنه صلى الله عليه وسلم قتله ، وفي السير من حديث عبد الرحمن بن عوف : أن بلالا رضي الله تعالى عنه خرج إليه ومعه نفر من الأنصار فقتلوه ، وكان بدينا ، فلما قتل انتفخ ، فألقوا عليه التراب حتى غيبه ، ثم جر إلى القليب ، فتقطع قبل وصوله إليه ، وكان من المستهزئين ، وفيه نزل قوله تعالى : وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ وهو الذي كان يعذب بلالا في مكة ، وأما عقبة بن أبي معيط ، فقتله علي رضي الله تعالى عنه ، وقيل : عاصم بن ثابت ، والأصح أن النبي صلى الله عليه وسلم قتله بعرق الظبية ، كما ذكرناه عن قريب ، وأما عمارة بن الوليد فقد ذكرنا أمره مع النجاشي ، ومات زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في أرض الحبشة .
( بيان استنباط الفوائد والأحكام ) منها : تعظيم الدعاء بمكة عند الكفار ، وما ازداد عند المسلمين إلا تعظيما عظيما ، ومنها : معرفة الكفار بصدق النبي صلى الله عليه وسلم لخوفهم من دعائه ، ولكن لأجل شقائهم الأزلي حملهم الحسد والعناد على ترك الانقياد له ، ومنها حلمه صلى الله عليه وسلم عمن آذاه ، ففي رواية الطيالسي عن شعبة في هذا الحديث أن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : لم أره دعا عليهم إلا يومئذ ، وإنما استحقوا الدعاء حينئذ لما أقدموا عليه من التهكم به حال عبادته لربه تعالى ، ومنها استحباب الدعاء ثلاثا ، ومنها جواز الدعاء على الظالم ، وقال بعضهم : محله ما إذا كان كافرا ، فأما المسلم فيستحب الاستغفار له ، والدعاء بالتوبة ، ومنها أن المباشرة أقوى من السبب وآكد ، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم قال في عقبة : " أشقى القوم " مع أنه كان فيهم أبو جهل ، وهو أشد منه كفرا ، ولكن كان عقبة مباشرا على ما مر بيانه ، ومنها أن البخاري استدل به على أن من حدث له في صلاته ما يمنع انعقادها ابتداء لا تبطل صلاته ولو تمادى ، وأجاب الخطابي عن هذا بأن أكثر العلماء ذهبوا إلى أن السلا نجس ، وتأولوا معنى الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن تعبد إذ ذاك بتحريمه كالخمر ، كانوا يلابسون الصلاة وهي تصيب ثيابهم وأبدانهم قبل نزول التحريم ، فلما حرمت لم تجز الصلاة فيها ، واعترض عليه ابن بطال بأنه لا شك أنها كانت بعد نزول قوله تعالى : وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ لأنها أول ما نزل عليه صلى الله عليه وسلم من القرآن قبل كل صلاة ، ورد عليه بأن الفرث ورطوبة البدن طاهران ، والسلا من ذلك ، وقال النووي : هذا ضعيف ؛ لأن روث ما يؤكل لحمه ليس بطاهر ، ثم إنه يتضمن النجاسة من حيث إنه لا ينفك من الدم في العادة ، ولأنه ذبيحة عبدة الأوثان ، فهو نجس ، والجواب أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم ما وضع على ظهره ، فاستمر في سجوده استصحابا للطهارة ، وما يدرى هل كانت هذه الصلاة فريضة فتجب إعادتها على الصحيح ، أو غيرها فلا تجب ، وإن وجبت الإعادة فالوقت موسع لها ، فلعله أعاد ، واعترض عليه بأنه لو أعاد لنقل ولم ينقل ، قلت : لا يلزم من عدم النقل عدم الإعادة في نفس الأمر ، فإن قلت : كيف كان لا يعلم بما وضع على ظهره ؟ فإن فاطمة رضي الله تعالى عنها ذهبت به قبل أن يرفع رأسه ، قلت : لا يلزم من إزالة فاطمة إياه عن ظهره إحساسه صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه كان إذا دخل في الصلاة استغرق باشتغاله بالله تعالى ، ولئن سلمنا إحساسه به ، فقد يحتمل أنه لم يتحقق نجاسته ، والدليل عليه أن شأنه أعظم من أن يمضي في صلاته ، وبه نجاسة ، وقد يقال : إن الفرث والدم كانا داخل السلا ، وجلدته الظاهرة طاهرة ، فكان كحمل القارورة المرصصة ، واعترض عليه بأنه كان ذبيحة وثني ، فجميع أجزائها نجسة لأنها ميتة ، وأجيب عن ذلك بأنه كان قبل التعبد بتحريم ذبائحهم ، واعترض عليه بأنه يحتاج إلى تاريخ ولا يكفي فيه الاحتمال ، قلت : الاحتمال الناشئ عن دليل كاف ، ولا شك أن تماديه صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة قرينة تدل على أنه كان قبل تحريم ذبائحهم لأنه صلى الله عليه وسلم لا يقر على أمر غير مشروع ، ولا يقرر غيره عليه ؛ لأن [3/176] حاله أجل من ذلك وأعظم ، ومنها : أن أشهب المالكي احتج به على أن إزالة النجاسة ليست بواجبة ، قال القرطبي : والدلائل القطعية توجب إزالتها عن ثوب المصلي وبدنه والمكان الذي يصلي فيه يرد عليه ، وقال القرطبي : ومنهم من فرق بين ابتداء الصلاة بالنجاسة ، فقال : لا يجوز ، وبين طروها على المصلي في نفس الصلاة ، فيطرحها عنه ، وتصح صلاته والمشهور من مذهب مالك قطع طروها للصلاة إذا لم يمكن طرحها بناء على أن إزالتها واجبة .
( الأسئلة والأجوبة ) منها ما قيل : إنه كم كان عدد الذين ألقوا في القليب ؟ وأجيب بأن قتادة روى عن أنس ، عن أبي طلحة قال : لما كان يوم بدر ، وظهر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ببضعة وعشرين رجلا ، وفي رواية : بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش ، فألقوا في طوى من أطواء بدر ، ومنها : ما قيل : إن إلقاءهم في البئر دفن لهم ، والحربي لا يجب دفنه ، بل يترك في الصحراء ، وهم كانوا حربا ، وأجيب بأن إلقاءهم في البئر كان تحقيرا لهم ، ولئلا يتأذى الناس برائحتهم ، ولم يكن ذلك دفنا ، فإن قلت : في ( سنن ) الدارقطني أن من سننه صلى الله عليه وسلم في مغازيه إذا مر بجيفة إنسان أمر بدفنه ، ولا يسأل عنه مؤمنا كان أو كافرا ، قلت : إنما كان لا يسأل لأنه كان يعلم بالوحي بأنه إن كان مؤمنا كان مستحق الدفن لكرامته ، وإن كان كافرا فلئلا يتأذى الناس برائحته ، على أن المراد بدفنه ليس دفنا شرعيا ، بل صب التراب عليه للمواراة ، ومنها : ما قيل : إن صب التراب عليهم كان يقطع رائحتهم ، قلت : كان إلقاؤهم في البئر أيسر عليهم في ذلك الوقت مع زيادة التحقير لهم لما ذكرنا ، ومنها ما قيل : كيف كان والناس ينتفعون بمائها ؟ وأجيب بأنه لم يكن فيه ماء ، وكانت عادية مهجورة ، ويقال : وافق أنه كان حفرها رجل من بني النار اسمه بدر من قريش بن مخلد بن النضر بن كنانة الذي سميت قريش به ، على أحد الأقوال ، فكان فألا مقدما لهم ، والله تعالى أعلم .