( باب قول الله تعالى : هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ

أي : هذا باب في ذكر قول الله تعالى ، لأن فيه معنى الحرب سجال ، لأن المراد من إحدى الحسنيين إما الشهادة أو الظفر بالكفار ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وآخرون ، وذلك أنا إذا قابلنا الكفار ووقع بيننا وبينهم حروب فإن غلبنا وظفرنا بهم تكون لنا الغنيمة والأجر وإن كان عكسه تكون لنا الشهادة ، وهذا بعينه كون الحرب سجالا . قوله : " قل هل تربصون " أي : قل يا محمد هل تنتظرون بنا إلا إحدى الحسنيين ، وهما الظفر أو الشهادة .
[14/101] والحرب سجال

مناسبته للآية ظاهرة لأنها تتضمن معناه كما ذكرناه ، وسجال بكسر السين يعني تارة لنا وتارة علينا ، ففي غلبتنا يكون الفتح وفي غلبتهم تكون الشهادة ، وهذا مطابق لمعنى الآية ، وكل فتح يقع إلى يوم القيامة أو غنيمة فإنه من إحدى الحسنيين ، وكل قتيل يقتل في سبيل الله إلى يوم القيامة فهو من إحدى الحسنيين ، وإنما يبتلي الله الأنبياء عليهم السلام ليعظم لهم الأجر والثواب ولمن معهم ، ولئلا تخرق العادة الجارية بين الخلق ، ولو أراد الله خرقها لأهلك الكفار كلهم بغير حرب ، والسجال جمع سجل في الأصل ، وهو الدلو إذا كان ملآن ماء ولا تكون الفارغة سجلا ، وسجال هنا من المساجلة وهي المناولة في الأمر ، وهو أن يفعل كل من المتساجلين مثل صاحبه ، فتارة له وتارة لصاحبه .
20 - حدثنا يحيى بن بكير ، قال : حدثنا الليث ، قال : حدثني يونس ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، أن عبد الله بن عباس أخبره ، أن أبا سفيان أخبره أن هرقل قال له : سألتك كيف كان قتالكم إياه فزعمت أن الحرب سجال ودول ، فكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة .

مطابقته للترجمة في قوله : " فزعمت أن الحرب بينكم سجال " ، وقد ذكرنا أن في معنى إحدى الحسنيين معنى الحرب سجال ، وكل واحد منهما يتضمن معنى الآخر ، فتحصل المطابقة ولا يحتاج هاهنا إلى تطويل الشراح الذي يشوش على ذهن الناظر فيه ، وهذا الذي ذكره قطعة من حديث أبي سفيان في قصة هرقل ، وقد مر في أول الكتاب مطولا ، ومر الكلام فيه مبسوطا . قوله : " ودول " جمع دولة ، ومعناه رجوع الشيء إليك مرة وإلى صاحبك أخرى تتداولانه ، وقال أبو عمر : وهي بالفتح الظفر في الحرب ، وبالضم ما يتداوله الناس من المال . وعن الكسائي : بالضم مثل العارية ، يقال : اتخذوه دولة يتداولونه ، وبالفتح من دال عليهم الدهر دولة ، ودالت الحرب بهم . وقيل : الدولة بالضم الاسم ، وبالفتح المصدر . وقال القزاز : العرب تقول : الأيام دول ودول ودول ، ثلاث لغات ، وفي الباهر لابن عديس عن الأحمر جاء بالدولة والتؤلة ، تهمز ولا تهمز . وفي البارع عن أبي زيد : دولة ، بفتح الدال وسكون الواو ، ودول بفتح الدال والواو . وبعض العرب يقول : دولة . قوله : " فكذلك تبتلى " أي : تختبر . قوله : " ثم تكون لهم العاقبة " عاقبة الشيء آخر أمره .