392 - حدثني محمد ، حدثنا عبد الصمد ، حدثنا أبي ، حدثنا عبد العزيز بن صهيب ، حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال : أقبل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وهو مردف أبا بكر ، وأبو بكر شيخ يعرف ، ونبي الله - صلى الله عليه وسلم - شاب لا يعرف ، قال : فيلقى الرجل أبا بكر فيقول : يا أبا بكر ، من هذا الرجل الذي بين يديك ؟ فيقول : هذا الرجل يهديني السبيل ، قال : فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق ، وإنما [17/52] يعني سبيل ، الخير فالتفت أبو بكر ، فإذا هو بفارس قد لحقهم ، فقال : يا رسول الله ، هذا فارس قد لحق بنا ، فالتفت نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : اللهم اصرعه ، فصرعه الفرس ، ثم قامت تحمحم ، فقال : يا نبي الله ، مرني بم شئت قال : فقف مكانك لا تتركن أحدا يلحق بنا قال : فكان أول النهار جاهدا على نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان آخر النهار مسلحة له ، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جانب الحرة ، ثم بعث إلى الأنصار ، فجاؤوا إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، فسلموا عليهما ، وقالوا : اركبا آمنين مطاعين ، فركب نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ، وحفوا دونهما بالسلاح ، فقيل في المدينة : جاء نبي الله ، جاء نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فأشرفوا ينظرون ويقولون : جاء نبي الله جاء نبي الله ، فأقبل يسير حتى نزل جانب دار أبي أيوب ، فإنه ليحدث أهله إذ سمع به عبد الله بن سلام ، وهو في نخل لأهله يخترف لهم ، فعجل أن يضع الذي يخترف لهم فيها ، فجاء وهي معه ، فسمع من نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ثم رجع إلى أهله ، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : أي بيوت أهلنا أقرب ؟ فقال أبو أيوب : أنا يا نبي الله ، هذه داري ، وهذا بابي قال : فانطلق فهيئ لنا مقيلا ، قال : قوما على بركة الله تعالى ، فلما جاء نبي الله - صلى الله عليه وسلم - جاء عبد الله بن سلام ، فقال : أشهد أنك رسول الله ، وأنك جئت بحق ، وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم ، وأعلمهم وابن أعلمهم ؛ فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت ، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في ، فأرسل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فأقبلوا ، فدخلوا عليه ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا معشر اليهود ، ويلكم اتقوا الله ، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا ، وأني جئتكم بحق فأسلموا ، قالوا : ما نعلمه قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - قالها ثلاث مرار ، قال : فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ قالوا : ذاك سيدنا وابن سيدنا ، وأعلمنا وابن أعلمنا ، قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم ، قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم قال : يا ابن سلام ، اخرج عليهم ، فخرج فقال : يا معشر اليهود ، اتقوا الله ، فوالله الذي لا إله هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله ، وأنه جاء بحق فقالوا له : كذبت فأخرجهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

مطابقته للترجمة في قوله : " أقبل نبي الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - إلى المدينة ، وإقباله إليها هو هجرته ، وشيخه محمد الذي ذكره مجردا هو محمد بن سلام ، وقال أبو نعيم في مستخرجه : أظن أنه محمد بن المثنى ، وعبد الصمد يروي عن أبيه عبد الوارث بن سعيد البصري ، والحديث من أفراده .
قوله : " وهو مردف " الواو فيه للحال ، وقال الداودي : يحتمل أنه مرتدف خلفه على الراحلة التي هو عليها ، ويحتمل أن يكون على راحلة أخرى وراءه ، قال الله تعالى : بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ أي يتلو بعضهم بعضا ، واعترض عليه ابن التين بأن الاحتمال الثاني غير صحيح ؛ لأنه يلزم منه أن يمشي أبو بكر بين يدي النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وأجاب بعضهم عن هذا بأنه إنما يلزم ذلك لو كان الخبر جاء بالعكس ، كأن يقول : والنبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - مرتدف خلف أبي بكر ، وأما عن لفظ : وهو مردف فلا ، ( قلت ) : في كل كلامي المعترض ، والمجيب نظر ؛ أما كلام المعترض [17/53] فلا نسلم فيه الملازمة التي ذكرها ، ولئن سلمنا فماذا يترتب إذا مشى أبو بكر بين يدي النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - بل هو المطلوب عند الملوك ، وأكابر الناس ، ولا ثَمَّةَ مَلكٍ وَلَا كَبِيرَ أَشرف من النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ولا أجل قدرا ، وأما كلام المجيب فإنه يسقط بسقوط الاعتراض .
قوله : " وأبو بكر شيخ يعرف " أما كونه شيخا فلأنه قد شاب ، ومع هذا فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أسن من أبي بكر على الصحيح ، لكن كان شعر أبي بكر أبيض ، وأكثر بياضا من شعر رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - وأما كونه يعرف فلأنه كان يمر على أهل المدينة في سفر التجارة بخلاف النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - . قوله : " يهديني السبيل " ، وسبب هذا القول ما ذكره ابن سعد في رواية له : أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال لأبي بكر : أله الناس عني ، فكان إذا سئل من أنت ؟ قال : باغي حاجة ، فإذا قيل : من هذا ؟ قال : هاد يهديني ، يريد الهداية في الدين ، ويحسبه الآخر دليلا .
قوله : " ويحسب " : أي يظن . قوله : " فقال يا رسول الله ، هذا فارس " ، هو سراقة بن مالك جعشم . قوله : " ثم قامت تحمحم " من الحمحمة بالمهملتين ، وهي صوت الفرس ، وقال ابن التين : في هذا الكلام نظر ؛ لأن الفرس إن كانت أنثى فلا يجوز فصرعه ، وإن كان ذكرا فلا يقال : ثم قامت ، وقال بعضهم : وإنكاره من العجائب ، والجواب أنه ذكر باعتبار لفظ الفرس ، وأنث باعتبار ما في نفس الأمر من أنها كانت أنثى انتهى .
( قلت ) : الجواب الذي يقال ما قاله أهل اللغة ، منهم الجوهري : الفرس يقع على الذكر والأنثى ، ولم يقل أحد : إنه يذكر باعتبار لفظه ، ويؤنث باعتبار أنها كانت أنثى ، فهذا الذي ذكره على قوله يمشي في غير الفرس أيضا ، ولكن لم يقل به أحد ، ولا له وجه .
قوله : " لا تتركن أحدا يلحق بنا " هو كقولهم : لا تدن من الأسد يهلكك ، قال الكرماني : وهو ظاهر على مذهب الكسائي ، ولم يبين ذلك ، ( قلت ) : هذا المثال غير صحيح عند غير الكسائي ؛ لأن فيه فساد المعنى ؛ لأن انتفاء الدنو ليس سببا للهلاك ، والكسائي يجوز هذا ؛ لأنه يقدر الشرط إيجابيا في قوة إن دنوت من الأسد يهلكك ، وتحقيقه يعرف في موضعه . قوله : " مسلحة له " : أي يدفع عنه الأذى ، وقال الكرماني : المسلحة بفتح الميم صاحب السلاح .
( قلت ) : فيه ما فيه قال الجوهري : المسلحة قوم ذوو سلاح ، والمسلحة كالثغر والمرقب ، وقال ابن الأثير : المسلحة القوم الذين يحفظون الثغور من العدو ، وسموا مسلحة ؛ لأنهم يكونون ذوو سلاح ، أو لأنهم يسكنون المسلحة ، وهي كالثغر ، والمرقب يكون فيه أقوام يرقبون العدو ؛ لئلا يطرقهم على غفلة ، فإذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهبوا له ، والجمع مسالح .
قوله : " عليهما " : أي على النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وأبي بكر رضي الله تعالى عنه . قوله : " آمنين " تثنية آمن ، نصب على الحال ، وكذا قوله : " مطاعين " تثنية مطاع ، نصب على الحال ، إما من المتداخلة أو المترادفة . قوله : " وحفوا دونهما " : أي أحدقوهما بالسلاح ، قال الله تعالى : وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ أي محدقين . قوله : " فأقبل " : أي رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - . قوله : " يسير " حال : أي أقبل حال كونه سائرا . قوله : " فإنه ليحدث أهله الضمير في إنه يرجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . قوله : " إذ سمع " كلمة إذ للمفاجأة . قوله : " وهو في نخل " الواو فيه للحال . قوله : " يخترف لهم " بالخاء المعجمة وبالفاء : أي يجتني من الثمار . قوله : " فعجل " : أي استعجل . قوله : " لهم " : أي لأهله . قوله : " فيها " : أي في النخل ، النخل والنخيل بمعنى ، والواحدة نخلة . قوله : " فجاء وهي معه " ، الواو فيه للحال : أي الثمرة التي اجتناها معه ، ويروى : وهو معه : أي الذي اجتناه . قوله : " أهلنا " إنما قال - صلى الله عليه وسلم - أهلنا لقرابة ما بينهم من النساء ؛ لأن جدته والدة عبد المطلب ، وهي سلمى بنت عمرو منهم : أي من بني مالك بن النجار ، ولهذا جاء في حديث البراء أنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - نزل على أخواله أو أجداده من بني النجار .
قوله : " مقيلا " : أي مكانا يقيل فيه ، والمقيل أيضا النوم نصف النهار ، وقال الأزهري : القيلولة ، والمقيل الاستراحة نصف النهار كان معها نوم أو لا ؛ بدليل قوله تعالى : وَأَحْسَنُ مَقِيلا والجنة لا نوم فيها ، يقال : قلت أقيل قائلة وقيلولة ومقيلا ، قال الداودي : فهي لنا مقيلا يعني دار أبي أيوب رضي الله تعالى عنه . قوله : " فلما جاء نبي الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - : أي إلى منزل أبي أيوب ، جاء عبد الله بن سلام إليه . قوله : " قالوا في " بتشديد الياء في الموضعين . قوله : " فدخلوا عليه " : أي على النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - بعد أن خبأ عبد الله بن سلام ، وفي رواية يحيى بن عبد الله ، فأدخلني في بعض بيوتك ، ثم سلهم عني ؛ فإنهم إن علموا بذلك بهتوني وعابوني قال : فأدخلني بعض بيوته . قوله : " قال : يا ابن سلام : أي قال النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - يا عبد الله بن سلام ، اخرج عليهم ، إنما قال : عليهم دون لهم ؛ لأنه صار عدوا لهم بإسلامه ومفارقته إياهم . قوله : " فأخرجهم " : أي من عنده .
[17/54]