[1/189] فصل
قال البخاري :
37 - باب
سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة ، وبيان النبي - صلى الله عليه وسلم - له ، ثم قال : " جاء جبريل يعلمكم دينكم " ، فجعل ذلك كله دينا . وما بين النبي - صلى الله عليه وسلم - لوفد عبد القيس من الإيمان . وقول الله تعالى : وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ


تبويب البخاري هاهنا واستدلاله وتقريره يدل على أنه يرى أن مسمى الإيمان والإسلام واحد ؛ فإنه قرر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاب جبريل عن سؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان وعلم الساعة ، ثم قال : " هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم " ، فجعله كله دينا .
والدين هو الإسلام لقوله تعالى : وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وكذلك قوله : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ
وأكد ذلك بأن في حديث وفد عبد القيس أنهم سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان ، فأجابهم بما أجاب به جبريل عن سؤاله عن الإسلام ، فدل على أن الإسلام والإيمان واحد .
وهذا قول محمد بن نصر المروزي وابن عبد البر وغيرهما .
وأما من فرق بين الإسلام والإيمان ، وهم أكثر العلماء من السلف ومن بعدهم حتى قيل : إنه لا يعلم عن السلف في ذلك خلاف .
فأظهر الأجوبة عما ذكره البخاري أن الإسلام والإيمان تختلف دلالته بالإفراد والاقتران ؛ فإن أفرد أحدهما دخل فيه الآخر ؛ فلذلك فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - [1/190] الإيمان المسئول عنه مفردا في حديث وفد عبد القيس بما فسر به الإسلام في حديث جبريل الذي قرن فيه الإسلام بالإيمان . وإن اقترنا كان هذا له معنى ، وهذا له معنى .
وبكل حال فالأعمال داخلة في مسمى الإيمان ، لا يختلفون في ذلك .
وممن ذكر هذا التفصيل الخطابي ، وأبو بكرالإسماعيلي ، وحكاه الإسماعيلي عن كثير من أهل السنة والجماعة . وحكى أبو بكر ابن السمعاني عن أهل السنة والجماعة التفريق بين الإسلام والإيمان .
وممن روي عنه التفريق بينهما من السلف الحسن ، وابن سيرين ، وقتادة ، وداود بن أبي هند ، وأبو جعفر محمد بن علي ، والزهري ، وحماد بن زيد ، وشريك ، وابن أبي ذئب ، وابن مهدي ، وأحمد ، وأبو خيثمة ، ويحيى بن معين ، وغيرهم - على اختلاف بينهم في صفة التفريق .
وروي التسوية بينهما عن الثوري من وجه فيه نظر .
وقد تقدم الكلام على هذه المسألة مستوفى بما فيه كفاية ، والله أعلم .