مَرَاتِبُ التَّعْدِيلِ : وَهِيَ سِتٌّ ، وَقُدِّمَتْ لِشَرَفِهَا وَلِمُوَازَاةِ الْبَابِ قَبْلَهَا ، الَّتِي هِيَ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ تَتِمَّاتِهِ ، وَلِذَا أَرْدَفَهُ بِهَا .
( وَالْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ ) الْمُنْقَسِمَانِ إِلَى أَعْلَى وَأَدْنَى وَبَيْنَ ذَلِكَ ، حَسْبَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَنْوِيعُهُمْ لِلْأَلْفَاظِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا لَهُمَا اخْتِصَارًا ، مَعَ شُمُولِ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ لَهَا ( قَدْ هَذَّبَهُ ) بِالْمُعْجَمَةِ ; أَيْ : هَذَّبَ كُلًّا مِنْهُمَا ، حَيْثُ نَقَّى اللَّفْظَ الصَّادِرَ مِنْهُمْ فِيهِمَا ( ابْنُ أَبِي حَاتِمِ ) [ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ لِلْوَزْنِ وَبِهِ ، مَعَ تَرْكِ هَمْزَةٍ مَا بَعْدَهُ ] ، هُوَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ الْإِمَامِ أَبِي حَاتِمٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الرَّازِيِّ ; ( إِذْ رَتَّبَهُ ) فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ ( الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ) فَأَجَادَ وَأَحْسَنَ ، كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ .
( وَالشَّيْخُ ) ابْنُ الصَّلَاحِ ( زَادَ ) عَلَيْهِ ( فِيهِمَا ) أَلْفَاظًا أَخَذَهَا مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ ( وَ ) كَذَا ( زِدْتُ ) عَلَى كُلٍّ مِنِ ابْنِ الصَّلَاحِ وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ ( مَا فِي كَلَامِ ) أَئِمَّةِ ( أَهْلِهِ ) أَيِ : الْحَدِيثِ ( وَجَدْتُ ) مِنَ الْأَلْفَاظِ فِي ذَلِكَ ، يَعْنِي : بِدُونِ اسْتِقْصَاءٍ ، وَإِلَّا فَمَنْ نَظَرَ كُتُبَ الرِّجَالِ ، كَكِتَابِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ الْمَذْكُورِ ، وَ ( الْكَامِلِ ) لِابْنِ عَدِيٍّ ، وَ ( التَّهْذِيبِ ) وَغَيْرِهَا ، ظَفَرَ بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ ، وَلَوِ اعْتَنَى بَارِعٌ بِتَتَبُّعِهَا ، وَوَضَعَ كُلَّ لَفْظَةٍ بِالْمَرْتَبَةِ الْمُشَابِهَةِ لَهَا ، مَعَ شَرْحِ [2/278] مَعَانِيهَا لُغَةً وَاصْطِلَاحًا لَكَانَ حَسَنًا .
وَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا يَلْهَجُ بِذِكْرِ ذَلِكَ ، فَمَا تَيَسَّرَ ، وَالْوَاقِفُ عَلَى عِبَارَاتِ الْقَوْمِ يَفْهَمُ مَقَاصِدَهُمْ بِمَا عُرِفَ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ ، وَبِقَرَائِنَ تُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ ( فَأَرْفَعُ ) مَرَاتِبِ ( التَّعْدِيلِ ) مَا أَتَى ، كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ، بِصِيغَةِ أَفْعَلَ ، كَأَنْ يُقَالَ : أَوْثَقُ النَّاسِ ، أَوْ أَثْبَتُ النَّاسِ ، أَوْ نَحْوُهُمَا ، مِثْلُ قَوْلِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ : حَدَّثَنِي أَصْدَقُ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنَ الْبَشَرِ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ ; لِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ هَذِهِ الصِّيغَةُ مِنَ الزِّيَادَةِ .
وَأَلْحَقَ بِهَا شَيْخُنَا : " إِلَيْهِ الْمُنْتَهَى فِي التَّثَبُّتِ " ، وَهَلْ يَلْتَحِقُ بِهَا مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي ابْنِ مَهْدِيٍّ : لَا أَعْرِفُ لَهُ نَظِيرًا فِي الدُّنْيَا ؟ مُحْتَمَلٌ . ثُمَّ يَلِيهِ مَا هُوَ الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى عِنْدَ بَعْضِهِمْ ، قَوْلُهُمْ : فُلَانٌ لَا يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ . ثُمَّ يَلِيهِ مَا هُوَ الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى عِنْدَ الذَّهَبِيِّ فِي مُقَدِّمَةِ مِيزَانِهِ ، وَتَبِعَهُ النَّاظِمُ ( مَا كَرَّرْتَهُ ) [ مِنْ أَلْفَاظِ الْمَرْتَبَةِ التَّالِيَةِ لِهَذِهِ خَاصَّةً ، مَعَ تَبَايُنِ الْأَلْفَاظِ ( كَثِقَةٍ ثَبْتٍ ) ، أَوْ ثَبْتٍ حُجَّةٍ ( وَلُوْ أَعَدَتَّهُ ) أَيِ : اللَّفْظَ الْوَاحِدَ كَثِقَةٍ ثِقَةٍ ، [ أَوْ ثَبْتٍ ثَبْتٍ ] ; لِأَنَّ التَّأْكِيدَ الْحَاصِلَ بِالتَّكْرَارِ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْكَلَامِ الْخَالِي مِنْهُ . [2/279] وَعَلَى هَذَا فَمَا زَادَ عَلَى مَرَّتَيْنِ مَثَلًا يَكُونُ أَعْلَى مِنْهَا ، كَقَوْلِ ابْنِ سَعْدٍ فِي شُعْبَةَ : ثِقَةٌ ، مَأْمُونٌ ، ثَبْتٌ ، حُجَّةٌ ، صَاحِبُ حَدِيثٍ .
وَأَكْثَرُ مَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عُيَيْنَةَ : ثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، وَكَانَ ثِقَةً ثِقَةً تِسْعَ مَرَّاتٍ ، وَكَأَنَّهُ سَكَتَ لِانْقِطَاعِ نَفَسِهِ . [ ودونه قول ابن سعد ..... ثبت ثبت ستا أو سبعا ] .
( ثُمَّ يَلِيهِ ) مَا هُوَ الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ ، وَالثَّانِيَةُ عِنْدَ النَّاظِمِ ، وَالرَّابِعَةُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَرَّرْنَاهُ ( ثِقَةٌ أَوْ ثَبْتٌ ) ، بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ ، الثَّابِتُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْكِتَابِ الْحُجَّةِ ، وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَمَا يُثْبِتُ فِيهِ الْمُحَدِّثُ مَسْمُوعَهُ مَعَ أَسْمَاءِ الْمُشَارِكِينَ لَهُ فِيهِ ; لِأَنَّهُ كَالْحُجَّةِ عِنْدَ الشَّخْصِ لِسَمَاعِهِ وَسَمَاعِ غَيْرِهِ .
وَمِنْ صِيَغِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ كَأَنَّهُ مُصْحَفٌ : ( اوْ ) فُلَانٌ ( مُتْقِنٌ اوْ حُجَّةٌ أَوْ إمام كما سيأتي في كلام الذهبي ، ولذا قال الحاكم الشافعي إمام [2/280] وقال في الربيع ثقة مأمون . او إِذَا عَزَوْا ) [ بِنَقْلِ هَمْزَةِ الثَّلَاثَةِ مَعَ التَّنْوِينِ ، وَإِنِ اتَّزَنَ مَعَ تَرْكِهِ بِالْقَطْعِ ] ; أَيْ : نَسَبَ الْأَئِمَّةُ ( الْحِفْظَ أَوْ ) نَسَبُوا ( ضَبْطًا لِعَدْلٍ ) كَأَنْ يُقَالَ فِيهِ : حَافِظٌ أَوْ ضَابِطٌ ; إِذْ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرُ كَافٍ فِي التَّوْثِيقِ ، بَلْ بَيْنَ [ الْعَدْلِ وَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ ; لِأَنَّهُ يُوجَدُ بِدُونِهِمَا ، وَيُوجَدَانِ بِدُونِهِ ، وَتُوجَدُ الثَّلَاثَةُ ] .
وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ ابْنَ أَبِي حَاتِمٍ سَأَلَ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ رَجُلٍ ، فَقَالَ : " حَافِظٌ ، فَقَالَ لَهُ : أَهُوَ صَدُوقٌ ؟ " وَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الشَّاذَكُونِيُّ مِنَ الْحُفَّاظِ الْكِبَارِ ، إِلَّا أَنَّهُ يُتَّهَمُ بِشُرْبِ النَّبِيذِ وَبِالْوَضْعِ ، حَتَّى قَالَ الْبُخَارِيُّ : هُوَ أَضْعَفُ عِنْدِي مِنْ كُلِّ ضَعِيفٍ .
وَرُؤِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي النَّوْمِ ، فَقِيلَ لَهُ : مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ ؟ قَالَ : غَفَرَ لِي ، فَقِيلَ : بِمَاذَا ؟ قَالَ : كُنْتُ فِي طَرِيقِ أَصْبَهَانَ ، فَأَخَذَنِي مَطَرٌ ، وَكَانَ مَعِي كُتُبٌ ، وَلَمْ أَكُنْ تَحْتَ سَقْفٍ وَلَا شَيْءٍ ، فَانْكَبَبْتُ عَلَى كُتُبِي ، حَتَّى أَصْبَحْتُ وَهَدَأَ الْمَطَرُ ، فَغَفَرَ اللَّهُ تعالى لِي بِذَلِكَ فِي آخَرِينَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْوَصْفِ بِالْإِتْقَانِ كَذَلِكَ ، قِياسًا عَلَى الضَّبْطِ ; إِذْ هُمَا مُتَقَارِبَانِ ، لَا يَزِيدُ الْإِتْقَانُ عَلَى الضَّبْطِ سِوَى إِشْعَارِهِ بِمَزِيدِ الضَّبْطِ ، وَصَنِيعُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ يُشْعِرُ بِهِ ; فَإِنَّهُ قَالَ : إِذَا قِيلَ لِلْوَاحِدِ : إِنَّهُ ثِقَةٌ أَوْ [2/281] مُتْقِنٌ ثَبْتٌ ، فَهُوَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ ; حَيْثُ أَرْدَفَ الْمُتْقِنَ بِثَبْتِ الْمُقْتَضِي لِلْعَدَالَةِ ، بِدُونِ " أَوْ " الَّتِي عَبَّرَ بِهَا فِي غَيْرِهَا ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ فِي جَعْلِهِ لَفْظَ ثَبْتٍ مِنْ زِيَادَاتِهِ عَلَى ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ ; لِأَنَّهَا فِيمَا ظَهَرَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ لَيْسَتْ مُسْتَقِلَّةً .
وَكَذَا لَمْ يَقَعْ فِي كَلَامِهِ لَفْظُ الْحُجَّةِ وَمَا بَعْدَهَا ، بَلِ الثَّلَاثَةُ مِنْ زِيَادَاتِ ابْنِ الصَّلَاحِ مَعَ تَفَاوُتِهَا ، فَكَلَامُ أَبِي دَاوُدَ يَقْتَضِي أَنَّ الْحُجَّةَ أَقْوَى مِنَ الثِّقَةِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْآجُرِّيَّ سَأَلَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ ابْنِ بِنْتِ شُرَحْبِيلَ ، فَقَالَ : " ثِقَةٌ يُخْطِئُ ، كَمَا يُخْطِئُ النَّاسُ ، قَالَ الْآجُرِّيُّ : فَقُلْتُ : هُوَ حُجَّةٌ ؟ قَالَ : الْحُجَّةُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ " .
وَكَذَا قَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ : ثِقَةٌ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ . وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِي مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ : ثِقَةٌ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ ، وَفِي أَبِي أُوَيْسٍ : صَدُوقٌ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ .
وَكَأَنَّ لهَذِهِ النُّكْتَةَ قَدَّمَهَا الْخَطِيبُ ; حَيْثُ قَالَ : أَرْفَعُ الْعِبَارَاتِ أَنْ يُقَالَ : حُجَّةٌ أَوْ ثِقَةٌ .
ثُمَّ إِنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي أَنَّ الْوَصْفَ بِالضَّبْطِ وَالْحِفْظِ ، وَكَذَا الْإِتْقَانُ ، لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي عَدْلٍ هُوَ حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحْ ذَاكَ الْإِمَامُ بِهِ ، إِذْ لَوْ صَرَّحَ بِهِ كَانَ أَعْلَى ، [2/282] وَلِذَا أَدْرَجَ شَيْخُنَا عَدْلًا ضَابِطًا فِي الَّتِي قَبْلَهَا .
وَخَالَفَ الذَّهَبِيُّ فَعَدَّ حَافِظًا ثِقَةً مِنْ هَذِهِ ، وَأَدْرَجَ فِي أَلْفَاظِهَا إِمَامًا فَقَطْ ، وَجَعَلَ ثِقَةً ، وَقَوِيَّ الْحَدِيثِ ، وَصَحِيحَهُ ، وَجَيِّدَ الْمَعْرِفَةِ ، مَرْتَبَةً أُخْرَى ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَلَا بُدَّ فِي آخِرِهَا أَيْضًا أَنْ يَكُونَ لِعَدْلٍ . ويمكن أن يكون من هذه المرتبة قول الثوري في عبد الملك بن أبي سليمان هو ميزان ، قال الترمذي يعني في العلم ، ولكن لا بد أن يكون معلوم العدالة كضابط .
( وَيَلِي ) هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ خَامِسَةٌ ، وَهِيَ قَوْلُهُمْ : ( لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ) ، أَوْ لَا بَأْسَ بِهِ ، أَوْ ( صَدُوقٌ ) ، وَصْفٌ بِالصِّدْقِ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ ، لَا مَحَلُّهُ الصِّدْقُ ، وَإِنْ أَدْرَجَهَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، ثُمَّ ابْنُ الصَّلَاحِ هُنَا ; فَإِنَّهَا كَمَا سَيَأْتِي تَبَعًا لِلذَّهَبِيِّ مِنَ الَّتِي بَعْدَهَا ( وَصِلِ ) بِكَسْرِ اللَّامِ مِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ الصَّلَاحِ ( بِذَاكَ ) أَيْ : بِقَوْلِ : لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَاللذِينَ بَعْدَهُ ( مَأْمُونًا ) أَوْ ( خِيَارًا ) مِنَ الْخَيْرِ ضِدِّ الشَّرِّ . وَمِنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِسَيْفِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بِأَنَّهُ مِنْ خِيَارِ الْخَلْقِ ، كَمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ حَدِيثِهِ مِنْ سُنَنِ النَّسَّائِيِّ .
( وَتَلَا ) هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ سَادِسَةٌ ، هِيَ ( مَحَلُّهُ الصِّدْقُ ) ، خِلَافًا لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ ، ثُمَّ ابْنِ الصَّلَاحِ ، وَتَبَعًا لِلذَّهَبِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَ ( رَوَوْا عَنْهُ ) ، أَوْ رَوَى النَّاسُ [2/283] عَنْهُ ، أَوْ يُرْوَى عَنْهُ ، أَوْ ( إِلَى الصِّدْقِ مَا هُوَ ) ، يَعْنِي : أَنَّهُ لَيْسَ بِبَعِيدٍ عَنِ الصِّدْقِ .
وَ ( كَذَا شَيْخٌ وَسَطْ أَوْ وَسَطٌ فَحَسْبُ ) أَيْ : بِدُونِ شَيْخٍ ( أَوْ شَيْخٌ فَقَطْ ) أَيْ : بِدُونِ وَسَطٍ ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ الصَّلَاحِ تَبَعًا لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الَّتِي هِيَ عِنْدَهُمَا الثَّالِثَةُ غَيْرَ الْأَخِيرَةِ . نَعَمْ ، زَادَ عَلَيْهِ مِمَّا لَمْ يُرَتِّبْهُ : وَسَطًا ، وَرَوَى النَّاسُ عَنْهُ ، وَمُقَارَبَ الْحَدِيثِ .
( وَ ) مِنْهَا أَيْضًا ( صَالِحُ الْحَدِيثِ ) ، وَهِيَ عِنْدَهُمَا الرَّابِعَةُ ، بَلْ حَكَى ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ ، كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا .
قَالَ : كَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ رُبَّمَا جَرَى ذِكْرُ الرَّجُلِ فِيهِ ضَعْفٌ ، وَهُوَ صَدُوقٌ ، فَيَقُولُ : صَالِحُ الْحَدِيثِ . وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا هِيَ وَالْوَصْفُ بِصَدُوقٍ عِنْدَ ابْنِ مَهْدِيٍّ سَوَاءٌ .
وَمِنْهَا : يُعْتَبَرُ بِهِ ; أَيْ : فِي الْمُتَابَعَاتِ وَالشَّوَاهِدِ ، أَوْ : يُكْتَبُ حَدِيثُهُ ( أَوْ مُقَارِبُهُ ) أَيِ : الْحَدِيثِ ، مِنَ الْقُرْبِ ضِدِّ الْبُعْدِ ، وَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ كَمَا ضُبِطَ فِي الْأُصُولِ الصَّحِيحَةِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الصَّلَاحِ الْمَسْمُوعَةِ عَلَيْهِ ، وَكَذَا ضَبَطَهَا النَّوَوِيُّ فِي مُخْتَصَرَيْهِ ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ حَدِيثَهُ مُقَارِبٌ لِحَدِيثِ غَيْرِهِ مِنَ الثِّقَاتِ ، أَوْ ( جَيِّدُهُ ) أَيِ : الْحَدِيثِ مِنَ الْجَوْدَةِ ، أَوْ ( حَسَنُهُ ) ، أَوْ ( مُقَارَبُهْ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ ; أَيْ : حَدِيثُهُ يُقَارِبُ حَدِيثُ غَيْرِهِ ، فَهُوَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ، بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ ، [2/284] وَسَطٌ لَا يَنْتَهِي إِلَى دَرَجَةِ السُّقُوطِ وَلَا الْجَلَالَةِ ، وَهُوَ نَوْعُ مَدْحٍ ، وَمِمَّنْ ضَبَطَهَا بِالْوَجْهَيْنِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ ، وَابْنُ دِحْيَةَ ، وَالْبَطْلَيُوسِيُّ ، وَابْنُ رُشَيْدٍ فِي رِحْلَتِهِ .
قَالَ : وَمَعْنَاهَا يُقَارِبُ النَّاسَ فِي حَدِيثِهِ وَيُقَارِبُونَهُ ; أَيْ : لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَاذٍّ وَلَا مُنْكَرٍ . قَالَ : وَمِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ بِهَذَا اللَّفْظِ هَذَا الْمَعْنَى مَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ بَابِ : مِنْ فَضَائِلِ الْجِهَادِ ، مِنْ جَامِعِهِ ، وَقَدْ جَرَى لَهُ ذِكْرُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ ، فَقَالَ : ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا ، يَعْنِي الْبُخَارِيَّ ، يَقُولُ : هُوَ ثِقَةٌ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ .
وَقَالَ فِي بَابِ مَا جَاءَ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ : وَالْإفْرِيقِيُّ - يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ - ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَغَيْرُهُ ، وَقَالَ أَحْمَدُ : لَا أَكْتُبُ عَنْهُ ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ : وَرَأَيْتُ الْبُخَارِيَّ يُقَوِّي أَمْرَهُ وَيَقُولُ : هُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ ، فَانْظُرْ إِلَى قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ ، إِنَّ قَوْلَهُ : مُقَارِبُ الْحَدِيثِ ، تَقْوِيَةٌ لِأَمْرِهِ ، وَتَفَهَّمُهُ ; فَإِنَّهُ مِنَ الْمُهِمِّ الْخَافِي الَّذِي أَوْضَحْنَاهُ - انْتَهَى .
[2/285] وَمِنْهَا : مَا أَقْرَبَ حَدِيثَهُ ، أَوْ ( صُوَيْلِحٌ أَوْ صَدُوقٌ انْ شَاءَ اللَّهْ ) بِنَقْلِ الْهَمْزَةِ ، أَوْ ( أَرْجُو بِأَنْ ) أَيْ : أَنْ ( لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ عَرَاهُ ) بِمُهْمَلَتَيْنِ ; أَيْ : غَشِيَهُ .
وَقَدْ خَالَفَ الذَّهَبِيُّ فِي أَهْلِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ ، فَجَعَلَ " مَحَلُّهُ الصِّدْقُ " ، وَ " حَسَنَ الْحَدِيثِ " وَ " صَالِحَهُ " ، وَ " صَدُوقًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ " مَرْتَبَةً ، وَ " رَوَى النَّاسُ عَنْهُ " ، وَ " شَيْخًا " ، وَ " صُوَيْلِحًا " ، وَ " مُقَارِبًا " ، مَعَ " مَا بِهِ الْمِسْكِينُ بَأْسٌ " ، وَ " يُكْتَبُ حَدِيثُهُ " ، وَ " مَا عَلِمْتُ فِيهِ جَرْحًا " أُخْرَى . وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : مَا أَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا ، فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ دُونَ : لَا بَأْسَ به ، وَهُوَ ظَاهِرٌ .
وَقَالَ الشَّارِحُ : إِنَّ " أَرْجُو أن لَا بَأْسَ بِهِ " أَرْفَعُ مِنْ " مَا أَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا " ; فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ حُصُولُ الرَّجَاءِ بِهِ ، وَكَأَنَّهُ بِالنَّظَرِ لِذَلِكَ قَالَ : مَرَاتِبُ التَّعْدِيلِ عَلَى أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ .
وَيُحْتَمَلُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَكُونَ نَظَرًا لِتَفْرِقَةِ الذَّهَبِيِّ ، [ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ " فَطِنٌ كَيِّسٌ " ، فَإِنِ انْضَمَّ إِلَيْهِمَا صَحِيحٌ ، كَمَا لِيَحْيَى الْقَطَّانِ فِي حَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ الصَّوَّافِ ، فَأَعْلَى ] .
وَبِالْجُمْلَةِ ، فَالضَّابِطُ فِي أَدْنَى مَرَاتِبِ التَّعْدِيلِ كُلُّ مَا أَشْعَرَ بِالْقُرْبِ مِنْ أَسْهَلَ التَّجْرِيحِ ، ثُمَّ إِنَّ الْحُكْمَ فِي أَهْلِ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ الِاحْتِجَاجُ بِالْأَرْبَعَةِ الْأُولَى مِنْهَا ، وَأَمَّا الَّتِي بَعْدَهَا فَإِنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا ; لِكَوْنِ أَلْفَاظِهَا لَا تُشْعِرُ بِشَرِيطَةِ الضَّبْطِ ، بَلْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُمْ وَيُخْتَبَرُ .
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : وَإِنْ لَمْ نسْتَوْفِ النَّظَرُ الْمُعَرَّفَ ، بِكَوْنِ ذَلِكَ الْمُحَدِّثِ فِي نَفْسِهِ ضَابِطًا مُطْلَقًا ، وَاحْتَجْنَا إِلَى حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِ ، اعْتَبَرْنَا ذَلِكَ الْحَدِيثَ وَنَظَرْنَا هَلْ لَهُ أَصْلٌ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ طَرِيقَةِ الِاعْتِبَارِ فِي مَحَلِّهِ .
[2/286] وَأَمَّا السَّادِسَةُ ، فَالْحُكْمُ فِي أَهْلِهَا دُونَ أَهْلِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَفِي بَعْضِهِمْ مَنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ لِلِاعْتِبَارِ دُونَ اخْتِبَارِ ضَبْطِهِمْ ; لِوُضُوحِ أَمْرِهِمْ فِيهِ .
وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الذَّهَبِيُّ بِقَوْلِهِ : إِنَّ قَوْلَهُمْ : ثَبْتٌ وَحُجَّةٌ وَإِمَامٌ وَثِقَةٌ وَمُتْقِنٌ ، مِنْ عِبَارَاتِ التَّعْدِيلِ الَّتِي لَا نِزَاعَ فِيهَا ، وَأَمَّا صَدُوقٌ وَمَا بَعْدَهُ ، يَعْنِي مِنْ أَهْلِ هَاتَيْنِ الْمَرْتَبَتَيْنِ اللَّتَيْنِ جَعَلَهُمَا ثَلَاثًا ، فَمُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَ الْحُفَّاظِ هَلْ هِيَ تَوْثِيقٌ أَوْ تَلْيِينٌ .
وَبِكُلِّ حَالٍ ، فَهِيَ مُنْخَفِضَةٌ عَنْ كَمَالِ رُتْبَةِ التَّوْثِيقِ ، وَمُرْتَفِعَةٌ عَنْ رُتَبِ التَّجْرِيحِ .
فَإِنْ قِيلَ : مَا تَقَدَّمَ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَصْفَ بِثِقَةٍ أَرْفَعُ مِنْ " لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ " ( وَابْنُ مَعِينٍ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ ، هُوَ يَحْيَى الْإِمَامُ الْمُقَدَّمُ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ، سَوَّى بَيْنَهُمَا ; إِذْ قِيلَ لَهُ : إِنَّكَ تَقُولُ : فُلَانٌ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ، وَفُلَانٌ ضَعِيفٌ ( قَالَ : مَنْ أَقُولُ ) فِيهِ : ( لَا بَأْسَ بِهِ فَثِقَةٌ ) ، وَمَنْ أَقُولُ فِيهِ : ضَعِيفٌ ، فَلَيْسَ بِثِقَةٍ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ .
وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيِّ : قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ دُحَيْمٍ ، يَعْنِي الَّذِي كَانَ فِي أَهْلِ الشَّامِ كَأَبِي حَاتِمٍ فِي الْمَشْرِقِ : " مَا تَقُولُ فِي عَلِيِّ بْنِ حَوْشَبٍ الْفَزَارِيِّ ؟ قَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ ، قَالَ : فَقُلْتُ : وَلِمَ لَا تَقُولُ : ثِقَةٌ ، وَلَا [2/287] نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا ؟ قَالَ : قَدْ قُلْتُ لَكَ : إِنَّهُ ثِقَةٌ " . فَالْجَوَابُ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ إنَّ ابْنَ مَعِينٍ إِنَّمَا نَسَبَ مَا تَقَدَّمَ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ ، فَهُوَ عَنْ صَنِيعِهِمْ .
قُلْتُ : وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَنِيعُهُمْ كَذَلِكَ مَا سَأَلَ أَبُو زُرْعَةَ ، لَكِنَّ جَوَابَ دُحَيْمٍ مُوَافِقٌ لِابْنِ مَعِينٍ ، فَكَأَنَّهُ اخْتِيَارُهُ أَيْضًا .
وَأَجَابَ الشَّارِحُ أَيْضًا بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ ابْنَ مَعِينٍ لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا ، بَلْ أَشْرَكَهُمَا فِي مُطْلَقِ الثِّقَةِ ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مَا تَقَدَّمَ ، وَهُوَ حَسَنٌ .
وَلذَا أَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُمْ قَدْ يُطْلِقُونَ الْوَصْفَ بِالثِّقَةِ عَلَى مَنْ كَانَ مَقْبُولًا ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ضَابِطًا ، فَقَوْلُ ابْنِ مَعِينٍ هُنَا يَتَمَشَّى عَلَيْهِ . ( وَنُقِلَا ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ، مِمَّا يَتَأَيَّدُ بِهِ أَرْجَحِيَّةُ الْوَصْفِ بِالثِّقَةِ ( أَنَّ ابْنَ مَهْدِيٍّ ) ، هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْإِمَامُ الْقُدْوَةُ فِي هَذَا الشَّأْنِ ، حِينَ رَوَى عَنْ أَبِي خَلْدَةَ ، بِسُكُونِ اللَّامِ ، خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ التَّمِيمِيِّ السَّعْدِيِّ الْبَصْرِيِّ الْخَيَّاطِ التَّابِعِيِّ ( أَجَابَ مَنْ سَأَلْ ) مِنْهُ ، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ : ( أَثِقَةٌ كَانَ أَبُو خَلْدَةَ ) بِقَوْلِهِ : ( بَلْ كَانَ صَدُوقًا ) ، وَكَانَ ( خَيِّرًا ) أَوْ خِيَارًا ، وَكَانَ ( مَأْمُونَا الثِّقَةَ ) شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ ( الثَّوْرِيُّ ) ، وَرُبَّمَا وُجِدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ : مِسْعَرٌ ، بَدَلَ الثَّوْرِيِّ ( لَوْ ) كُنْتُمْ ( تَعُونَا ) أَيْ : تَفْهَمُونَ مَرَاتِبَ الرُّوَاةِ ، وَمَوَاقِعَ أَلْفَاظِ الْأَئِمَّةِ ، مَا سَأَلْتُمْ عَنْ ذَلِكَ ، فَصَرَّحَ بِأَرْجَحِيَّتِهَا عَلَى كُلِّ مِنْ " صَدُوقٍ ، وَخَيِّرٍ ، وَمَأْمُونٍ " ، الَّذِي كُلٌّ مِنْهَا مِنْ مَرْتَبَةِ " لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ " .
[2/288] وَلَا يَخْدِشُ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ : كَلَامُ ابْنِ مَهْدِيٍّ لَا مَعْنَى لَهُ فِي اخْتِيَارِ الْأَلْفَاظِ ; إِذْ أَبُو خَلْدَةَ ثِقَةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ ، يَعْنِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ ; حَيْثُ قَالَ : هُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ; فَإِنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ الِاسْتِدْلَالَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ .
وَنَحْوُهُ مَا حَكَاهُ الْمَرْوَذِيُّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ ثِقَةٌ ؟ قَالَ : تَدْرِي مَنِ الثِّقَةُ ؟ الثِّقَةُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ . هَذَا مَعَ تَوْثِيقِ ابْنِ مَعِينٍ وَجَمَاعَةٍ لَهُ .
( وَ ) كَذَا ( رُبَّمَا ) أَيْ : وَفِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ ( وَصَفَ ) ابْنُ مَهْدِيٍّ فِيمَا حَكَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ عَنْهُ كَمَا قَدَّمْتُهُ [ ( ذَا الصِّدْقِ ) الَّذِي ( وُسِمْ ضَعْفًا ) أَيِ : الصَّدُوقَ مِنَ الرُّوَاةِ الْمَوْسُومَ بِالضَّعْفِ لِسُوءِ حِفْظِهِ وَغَلَطِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( بِصَالِحِ الْحَدِيثِ ) الْمُنْحَطِّ عَنْ مَرْتَبَةِ " لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ " ( إِذْ يَسِمْ ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ ; أَيْ : حِينَ يُعَلِّمُ عَلَى الرُّوَاةِ بِلَفْظِهِ أَوْ كِتَابِة مَا تتَمَيَّزُ بِهِ مَرَاتِبُهُمْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْهَدُ لِاصْطِلَاحِهِمْ ] .
[2/289]